أخبار الآن | درعا – سوريا (سارة الحوراني)

تعيش أسر المعتقلين لدى النظام السوري أوضاعا مأساوية على كافة الأصعدة، حيث لا تقتصر المأساة على اختفاء المعتقل في غياهب سجون الأسد وانقطاع أخباره، بل تتفرع عنها أوضاع اقتصادية واجتماعية ونفسية قاهرة وخاصة على المرأة، والتي وقع على عاتقها حمل تأمين وتلبية متطلبات الأسرة المادية والمعنوية.

أعباء مادية وعمليات "ابتزاز"

أم أحمد سيدة في الأربعين من عمرها اعتقل زوجها منذ ما يقارب أربعة أعوام، غدت اليوم معيلة لأسرتها المكونة من أربعة أطفال ووالدة زوجها الطاعنة في السن، تقول لأخبار الآن: "أعمل في بيع الوقود منذ ما يقارب العامين لتأمين بعض متطلبات الأسرة المتزايدة يوماً بعد يوم، حيث غدت معظم الاحتياجات الأساسية من الكماليات نظراً لارتفاع أسعارها وانخفاض مردود العمل، إضافة إلى الوضع الأمني السيئ الذي نعيشه من قصف يومي ومجازر لا تتوقف واستهداف المدنيين بشتى أصناف الأسلحة من قبل قوات الأسد وحفائها".

وتضيف "ترك ولدي البكر أحمد البالغ من العمر 14 عاماً مدرسته منذ عام لمساعدتي في العمل على "بسطة" لبيع البنزين والمازوت في درعا، على الرغم من إدراكي لأهمية استكمال دراسته، لكن أمام غياب والده وانقطاع أخباره بات وقوفه إلى جانبي أمراً لابد منه وخاصة في مجتمع كمجتمعنا وفي ظروف كظروفنا التي نعيش بها من فقدان للأمن وسوء الأوضاع الاقتصادية وغياب منظمات وهيئات تعنى بأسر المعتقلين والمختفيين".

"أم عبد الرحمن" اعتقل زوجها وابنها البكر منذ ما يقارب الأربع سنوات من قبل قوات الأسد أثناء تواجدهم في مكان عملهم بالمنطقة الصناعية في مدينة درعا، في ذلك الوقت كان "عبد الرحمن" يبلغ من العمر 15 عاماً فقط تقول لأخبار الآن: "أثناء زيارتي لولدي عبد الرحمن في المعتقل، تغيرت ملامحه كثيراً فغارت عيناه ونحل جسده وبدا فاقدا للتركيز مشتت الذهن، في البدء لم يكن يتكلم فقط يبادلني النظرات المرعوبة، والتي كانت تحكي لي كل شيء، ومع تكرار الزيارات بدأ ينطق ببعض الكلمات القليلة، لكن قبل عامين كان آخر لقاء لي به فقد منعت من زيارته، لأقتصر على تقصي الأخبار من الزائرين الآخرين لأبنائهم أو من خلال المفرج عنهم".

أما الوالد فقد انقطعت أخباره بعد اعتقاله بستة أشهر: "وعلى الرغم من دفعنا مبالغ كبيرة لرجال متنفذين في الأمن السوري للحصول على معلومات عنه إلا أن جميع محاولاتنا باءت بالفشل وفقدنا كل ما ادخرناه من مال بل وقمنا ببيع بعض المقتنيات والمصاغ الذهبية وصولا إلى أثاث المنزل واليوم بتنا نعمل في ورش خاصة بقطاف الزيتون لتأمين احتياجاتنا اليومية".

وتشير أم عبد الرحمن إلى أن غياب منظمات أو هيئات معنية بشؤون المعتقلين ومتخصصة في مجالها القانوني ساهم في تفاقم الأعباء الملقاة على أسر المعتقلين معنويا وماديا وحتى قانونيا، فمعظم الأهالي يتم النصب والتحايل عليهم من قبل رجال وسطاء يستغلون حاجتهم وآلمهم على أبنائهم، كما أن غياب المنظمات التي تكفل الأسر بعد الاعتقال تدفع بالعديد من النساء إلى العمل لتأمين مستلزمات العائلة في ظروف اجتماعية واقتصادية خانقة.     

ضغوط اجتماعية

تواجه زوجات المعتقلين ضغوطاً اجتماعية هائلة وخاصة في ظروف الحرب القاسية من نزوح ولجوء وانتشار البطالة الناجمة عن سوء الأوضاع الاقتصادية التي تعاني منها المناطق المحررة. "أبو محمد" اعتقل زوج ابنته البالغة من العمر 17 عاماً منذ عامين، ما دفعه إلى إحضار ابنته وطفليها للعيش معهم في منزلهم الصغير يقول لأخبار الآن: "لا يمكنني إبقاء ابنتي تعيش لدى أسرة زوجها التي تعيش في حي خاضع لقوات الأسد بمدينة درعا، وعلى الرغم من الوضع المعيشي الصعب الذي تعيشه أسرتي إلا أنه أفضل حل في الوقت الراهن حتى خروج زوجها من المعتقل"، مشيراً إلى الأوضاع النفسية الصعبة التي تعيشها الأسرة جراء ضيق المكان ونشوب شجارات ومشاحنات شبه دائمة بين أفراد الأسرة.

ما تزال أعداد المعتقلين من أبناء محافظة درعا جنوب سوريا غير معروفة في ظل غياب منظمات معنية بشؤون المعتقلين لدى قوات الأسد، مما يفاقم من وضع الأهالي ولجوئهم إلى طرق غير قانونية "الواسطات" للوصول إلى أبنائهم أو الإفراج عنهم مقابل مبالغ مالية كبيرة قد تصل إلى أكثر من 10 ملايين ليرة سورية، فيما ينتظر آخرون ممن لا يملكون المال إلى صفقات تبادل الأسرى بين قوات الأسد من جهة والمعارضة من جهة أخرى حلاً قد يطول أمده.