أخبار الآن | دمشق – سوريا (نور حمزة)

تعود السيدة "أم زهير" إلى منطقة الزاهرة بعد مشوار لها في سوق الحميدية، بعد أن عرّجت بطبيعة الحال على الجامع الأموي. تضع حقيبتها وتعلّق: "دمشق محتلة يا جماعة الخير!".

الكلمات العفوية لأم زهير لم تخرج عما يجري في مدينة دمشق عموما، فالعاصمة التي انطبعت في ذاكرة التاريخ وارتبطت بالأمويين والخلافة العربية تسلم مفاتيحها بكل صفاقة لمشاريع المدّ الشيعي الصفوي.

تمهيد الاحتلال

لا تزال فصول الاستيلاء على دمشق، تشغل بال المهمين وغير المهتمين بما آلت إليه مدينة كانت إلى العهد القريب عنوانا للتمازج الديني والثقافي. وبعد مضي خمس سنوات على حرب أقل ما توصف بأنها طائفية ضد الشعب السوري من النظام وأعوانه الداخليين والخارجيين، بات على الأهالي هنا أن يتأقلموا مع تحولهم إلى أقلية متهمة دائما بأن موقفها يرتهن للمتغير الديني المذهبي، السنّي بشكل واضح ومحدد.

لا عجب بأن تحولت أكثر مناطق دمشق الدينية إلى مواقع تشبيحية، بدءا من باب توما والعمارة والقشلة وباب شرقي وصولا إلى الجامع الأموري وسوق الحميدية وملحقاته من أسواق.

وبعد أن كانت حواجز الشبيحة القادمين من مدنهم وقراهم تتوسط هذه الأماكن، اشتركت معهم الألوية والرايات التي تشير إلى الطائفة الشيعية، ووصلت إلى داخل حرم الجامع الأموي، الذي شهد من التهليل والدعاء لروسيا وسفاحها بوتين الكثير من قبل أئمة النظام، فقهاء السلطان.

العم "أبو العبد" الذي هجرته قوات النظام من "حي القدم" جنوب دمشق يختصر الموقف: "أشعر بأني أختنق، لم أعد أتحمل ما أرى .. ما راح نخلص يا رب".

وتسليم المفاتيح

تكتمل فصول تسليم مفاتيح دمشق مع تصريح وزير السياحة في حكومة النظام "بشر يازجي"، أن "السياحة" تواصل ازدهارها وبشكل خاص "السياحة الدينية!!"، مشيرا إلى ارتفاع نسبة "السائحين" بمعدل 11% عن السنة الماضية.

لا تقتصر "السياحة الدينية" المزعومة على المناطق التي تتواجد فيها المقامات الخاصة بالطائفة الشيعية، هذا إن كان الموضوع مقتصرا على "سياحة" في بلاد يفيض منها الدم كل ساعة. فبعد السيدة زينب ومقامها في المنطقة جنوب دمشق، يعيث "السائحون" فسادا في بهو المسجد الأموي والمراكز الدينية حوله. رافعين شعارات لألوية تقاتل في سوريا؛ تقاتل وتقتل الشعب السوري.

"مرّ على دمشق الكثير من الغزاة، والكثير من المشاريع السياسية والدينية، لكن بقيت هوية المدينة واضحة وثابتة ولا يمكن المساس بها. لكن يجب أن يتم الالتفات إلى ما يجري من تشييع منظم، عندما نتخلص من النظام ستعود دمشق كما كانت"، هكذا يرى "ع. م" الباحث الشاب في التاريخ وعلم الآثار، منوها أن المشاريع السياسية المتكئة على الجانب المذهبي مصيرها الفشل، كما يحدث مع النظام الطائفي الذي يحتلنا.

دمشق اليوم تتشح بشعارات وأغان مستفزة، فنادق مليئة بالبراقع الإيرانية السوداء، شوارع لمسلحين من رايات مذهبية مختلفة، ميليشيات عراقية وإيرانية وأفغانية يجمعها الرابط المذهبي. وكأن دمشق أصبحت ساحة تصفية مظلوميات مذاهب باطنية، ما فتئت تساند القاتل والمجرم، وتشاركه حصته من دمنا.

وسط كل هذا الخراب والاحتلال الجديد، تصدر التصريحات الوقحة عن "قطاع السياحة" والقائمين عليها حول "عوائد مالية" واقتصادية، وكأننا نعيش نحن هنا في دمشق على هامش ما يجري كل يوم من انتهاكات بحق تاريخنا.