أخبار الآن | درعا – سوريا (أسامة زين الدين)

رغم تأخّر قصف الطّيران الروسي لدرعا عن غيرها من المحافظات السّورية، إلا أنّه أتى عنيفا ومستهدفا لمرافق عامة وأماكن تجمعات للمدنيين، استهدف متعمّدا فيها رزقهم وأماكن عملهم ومشافيهم وما بقي لهم من مقوّمات حياتهم البائسة بفعل قصف النّظام السابق.

استهدفت هذه الضّربات تجمّعا للمدنيّين على بئر مياه، وسوقا شعبيّة ومعصرة زيتون، وأماكن سكنيّة ومواقع عسكريّة، ونجم عن ذلك عدة مجازر أزهقت أرواح عدد كبير من المدنيّين قدّر عددهم بثلاثمائة بين شهيد ومصاب.

دقّة الضربات التي لم يعتد عليها المدنيّون زادت من شكّ الرّاصدين بأن هذه الغارات هي غارات لطائرات روسيّة، في ظلّ عدم القدرة على التأكّد منها بشكل دقيق نتيجة ضعف الإمكانات وغياب أجهزة الرّصد. الأمر الذي حدا بعض مؤسّسات الإعلام الثّورية للامتناع عن تحديد هويّة هذه الضربات، فيما أكّدتها هيئات إعلاميّة أخرى.

طريق الهجرة بين داعش والقصف والمهربين

"محمد" شاب من درعا، ضاق ذرعا بأجواء الرّعب التي بات يحياها هو وأسرته الصغيرة في درعا نتيجة هذا التصعيد، وضاعف من همومه ضيق ذات اليد وإعالته لأسرته ووالدته المريضة، فلم يجد بدّا من أن يبيع كل ما بقي له من متاع على قلّته، ويستدين من هنا وهناك، عازما أمره على السّفر إلى تركيا، علّه يؤمن يعيش يوما آمنا لا يفتتح صباحه ببرميل، ولا يختتمه بقصف صواريخ "الفيل" التي أصبحت حدثا يوميّا يترقّبه برعب أهل درعا.

يدرك محمد أن طريق التّهريب محفوف بالمخاطر، فمن جشع المهرّبين واستغلالهم لحاجة الناس، والاضطرار إلى السّير ليلا بطرق قريبة من قطع عسكريّة للنظام تتربّص بالمارّين وتضع لهم الكمائن بشكل متكرر، إلى المرور بمناطق داعش وخوفه من أن يجد أحدا يعلم بعلاقته مع الجيش الحر.

تمتد رحلة التّهريب هذه لمدّة قد تصل إلى خمسة عشر يوما، يضطّر فيها المهاجرون إلى المشي وسط الصّخور والصّحراء لعدة ساعات يتملكهم فيها الرّعب من تعرّضهم لأيّ كمين، ولا يفارقهم الخوف من تخلّ المهرّبين عنهم بأي لحظة فيما لو شعروا بأي خطر قريب، يزداد هذا الخوف بعد وصولهم لمناطق داعش، والتي يستهدفها التّحالف والرّوس بغارات متكرّرة سقط على إثرها عدد من المهاجرين في منطقة الميادين.

ونتيجة طول الطّريق ووعورته فإنهم يمتنعون عن حمل أي متاع زائد معهم، ممّا قد يعرّضهم للهلاك جوعا أو عطشا.

الأردن خيار الهجرة القريب البعيد

لا يفضّل محمد الهجرة للأردن، فإضافة إلى غلاء المعيشة الفاحش وصعوبة تعليم الأولاد وصعوبة تأمين علاج والدته، يقول محمد أن الأردن لا تسمح لأحد بالمرور لأراضيها إلا للمخيّمات وللنّساء فقط، وحتى لو رغب بذلك وسمحت له فإن ذلك سيضطّره للمرور بالسّويداء حيث تكثر حواجز اللّجان الشعبيّة، ولذا فإنه يفضّل تكبّد مشاق السّفر لتركيّا على أن يفكر بالذّهاب للأردن رغم قربها النّسبي.

انتعاش سوق المهربين

رغم أن بعض فصائل الجيش الحر تنظر للمهرّبين كمتاجرين بالبشر لا يهمّهم سوى المال ويتخلون عن المهاجرين لأدنى سبب، إلا أنّ "عبد الله" شاب من درعا امتهن التّهريب يقول أن ما دفعه لهذا العمل هو مساعدته للنّاس التي انقطعت بها الأسباب وضاق عليها الحال، ولم تجد بدّا من السفر، وأن مهمّته تنتهي بإيصال المهاجرين للمهرّبين البدو الذين يشكّلون سلسلة توصل النّاس للرقّة ومنها لتركيّا، وأنّ ما يتقاضاه لا يقارن بما يتقاضاه المهرّبون الذين يمصّون دم النّاس، على حدّ وصفه.

يذكر أن تكاليف الرّحلة إلى تركيّا وصلت إلى مائتي ألف ليرة سورية يتقاسمها المهرّبون فيما بينهم وهي في ازدياد مضطرد، كما أنها تستغرق أسبوعا كاملا بشكل وسطي، في حين أن تكاليف الرحلة قبل الثورة كانت لا تزيد عن ثلاثة آلاف ليرة، وتستغرق عدة ساعات فقط.

تشهد هذه الرّحلات حاليّا إقبالا غير مسبوق لا يفوت الناظر في درعا، حيث يمكنه أن يلحظ أماكن تجمّعات هؤلاء المهاجرين، وسعي المهرّبين لوضعهم في سيّارات شبه مغلقة كانت تستخدم لنقل المواشي لعدم لفت النظر إليهم، وقد خُصّص بعض هذه السيارات للعائلات وأخرى للشباب.