أخبار الآن | السويد – متابعات (عادل سليمان)

لا تزال رحلة اللجوء السورية والعربية صوب أوربا تنتج من الحكايات والقصص ما لم نكن نراه إلا في الروايات والأفلام. لقد تشتت الشعب السوري بعد أن تم تهجيره من قبل نظام أبى إلا أن يرسم واحدا من أسوأ سيناريوهات تاريخ القمع والعنف والإرهاب.

توزّع السوريون، مثلهم العرب ممن يقعون تحت يوميات العنف اليومي، في بقاع الأرض بحثا عن مصير جديد، ريثما يعيدون ترتيب أوراق الزمن الصعب الذي يعيشونه، وربما سيحلمون بالعودة يوما إلى أرضهم ليرووا تفاصيل غربة وتشريد من قبل نظام؛ يقف العالم وهو يرى إليه يمارس تعنته وعنجهيته دون رادع دولي.

قصص باتت ترافق السوريين أينما حلوا واستقبلتهم البلاد التي لا تشبههم. منها ما كان خارج مستوى التفكير.

رسائل الحرب التي لا تنتهي

هنا في السويد، تداول الإعلام السويدي منذ أيام مضت قصة شهدنا مثلها في الأفلام السينمائية والأعمال الدرامية فقط، رسالة حب من شاب لاجئ مرسلة إلى حبيبته واضعا اسمه في نهايتها.

فقد نشرت صحيفة "Aftonbladet" السويدية خبرا مفاده أن مراسلها الموفد إلى جزيرة ساموس لتغطية أحوال اللاجئين السوريين، قد عثر مصادفة على رسالة وقعت من شاب سوري بعد وصوله الجزيرة.

الرسالة موجهة إلى فتاة يرتبط بها الشاب "حمودي" كما كتب اسمه أسفل الصفحة. وقد جاء في الرسالة وعودا من الشاب إلى الفتاة بالمعاهدة على بقاء الحب وعدم النسيان والفراق.

الخبر الذي ظهر في الصحيفة السويدية وتناقلته وسائل إعلام أخرى، ربما يظهر الوجه الآخر للشاب السوري الذي يحلم بالعيش بسلام، يحب ويحلم بغد مشرق مع حبيبته. وتدفع في ذات الوقت الانطباع النمطي الذي بات يتشكل حول السوريين وارتباطهم كلاجئين بمجتمعات حاضنة للعنف.

الصحيفة السويدية نشرت الخبر على لسان مراسلها، لكي ترد الرسالة إلى صاحبها وتساعد في العثور عليه، وقد جاء في الخبرة ما يلي: "بمساعدتك نريد الوصول الى أحد اللاجئين الذي فقد رسالة حب على إحدى الجزر اليونانية "ساموس" خلال الأسابيع الماضية. وجدنا الرسالة على الارض ؛تماما على الحد الفاصل بين الشاطئ والمنحدرات الجبلية، حيث يصل كل ليلة العديد من اللاجئين المحملين بقوارب مكتظة من تركيا للطرف الاخر من البحر. الشخص الذي فقد الرسالة لا بد أنه كان مضطرا لتسلق المنحدرات حيث فقدها".

وتنقل الصحيفة على لسان الصحفي إريك: "أنا من وجد الرسالة، اسمي "إريك فيمان" وأعمل صحفيا في صحيفة سويدية تدعى "Aftonbladet". جئت لجزيرة "ساموس" للتغطية الإعلامية وللمساهمة بمشروع سويدي لإنقاذ الأرواح من البحر المتوسط".

ويذكر عن ذلك بالتفصيل وبنزاهة الصحفي: "للوهلة الأولى ظننت أن الرسالة كتبت لأحد المهربين، وأن بإمكاني استخدامها لمشروع صحفي جيد، ولكن حين قمنا بترجمتها تفاجئنا بأنها رسالة حب شعرية من شاب الى صبية".

وفي لفتة تحسب للصحفي والصحيفة على حد سواء، فإن "إريك" يعتذر عن نشر أول سطرين من الرسالة " اذا كنت أنت من قمت بكتابتها أرجو أن تعذرنا لنشر أول سطرين منها"، فالرسالة خاصة جدا لكن الرغبة في إيجاد صاحبها حتمت على الصحفي نشر بعض الكلام منها، علّ صاحبها يقرأها ويتعرف إليها.

رسائل الحب في زمن الحرب .. ذاكرة اللاجئين

اللاجئون السوريون والعرب .. روايات يومية

الكاتبة السورية "لينا عبد الرحمن"، لاجئة في السويد، ترى بأن قصة "حمودي" ورسالته تحمل من الألم الكثير: "كيف تحولت حياة شبابنا من حلم الحب والاستقرار إلى حلم الهجرة والأمان بعيدا عن العنف والقتل اليومي. لم يخطر ببالي كتابة قصة مشابهة، فلم أتوقع أن يحتفظ شاب يغامر بحيته برسالة حب سيرسلها إلى من يحب. إنها قصة تذكرنا بقصة الحب في فيلم "تايتانك" وغيره الكثير".

أما "عبد الرحمن" 22 سنة، لاجئ من مدينة حلب فإنه يرى أن الحياة تفاجئنا دائما: "كنت أحب مشاهدة الفيلم العربي "رسائل البحر" لكني أراه اليوم متجسدا في هذا العاشق".

وقد تداعب هذه الرسالة مخيلة الفنانين، فهي مادة تفتح مساحات كبيرة للعمل عليها والاستفادة على جانب فني وإعلامي وأدبي. وفي هذا يقول الفوتوغرافي السوري المقيم في ألمانيا "مروان حماد": "هذه الرسالة تعد معرضا فنيا بحد ذاتها، قد أستوحي منها مشروع عمل قادم لي. الأهم من كل هذا هو ما يمثله هذا الشاب من صورة غير نمطية للشباب اللاجئ، وهو ما نحن بحاجة إلى إظهاره".

سيأتي يوم قريب، ربما نكتشف فيه من هو صاحب الرسالة وما هي ملابسات احتفاظه بها، لكن يبدو أن نصف الحقيقة يبقى أجمل وأكثر غنى منها. فبحسب الطبيب "عبيدة الخطيب" فإن: "هذه الرسالة هامة جدا لأنها سوف تؤثر في الرأي العام السويدي والأوربي، فمن لا يهتم بالسياسة عندهم يلفت انتباهه فلسفة الحياة والرغبة في المحبة والتسامح وهو ما تنضوي تحته هذه الحادثة".

وربما لا نستطيع الكلام بعد ما جاء في تعليق الصحفي السويدي: "معاني هذه الأسطر لها أهمية كبيرة لمن اضطر أن يترك بلاده وحياته خلفه، لمحاولة البداية بحياة جديدة في مكان آخر في هذا العالم".