أخبار الآن | الرقة – سوريا – (عزام الحاج)

لا يكاد يصدر عن ذهنية داعش، كثقافة، حتى اليوم ما يخالف الصورة العامة له في عقول من تابعوه ودرسوه من أجل فهمه كظاهرة طارئة على مجتمعات وثقافة المنطقة. داعش الدموي يحتل اليوم أجزاءً شاسعة من سورية والعراق، ويحاول أن يقوم بما تقوم به النظم السياسية من بناء لمؤسسات الدولة دون نجاح يُذكر حتى الآن.

علوم ومعارف داعشية

آخر محاولات داعش في خلق كيان سياسي متميز ثقافياً واجتماعياً عن محيطه هو طرحه لمناهج تعليمية، يفترض أنها ستكون أساساً لصناعة هوية الأجيال الصاعدة في المجتمعات التي يحتلها اليوم. بطبيعة الحال، فإن ذهنية داعش، تمثل أسوأ ما أفرزته الحركات النكوصية في العصر الحديث من انغلاق فكري وتحجر عقائدي، تقيم فصلاً بين علوم ومعارف شرعية وأخرى مفيدة واجبة التعلم من قبل النشء، وعلوم ومعارف كفرية تحظر تعليمها وتُكفِّر دارسيها ومدرسيها.

وبالفعل فقد تعامل داعش مع كل معلّمي ومدرّسي المناطق التي احتلها بهذه الذهنية واعتبرهم نتاج ومنتجي "التعليم الكفري"، ولذا أخضع من يود الاستمرار في التعليم تحت سطوته وفي مدارسه لدورة "شرعية"، حسب مفهومه، وأقصى عن التعليم كل الكادر البشري الخبير والمؤهل في مناطق احتلاله ممَنْ لم يجاريه في سياساته تلك.

الكتب المدرسية .. تخريج خزان داعشي

حصل موقع "أخبار الآن" على القليل من الكتب المدرسية طرحها داعش للتعليم في مدارسه. إلّا أن هذا القليل يقول الكثير عن فلسفة التعليم الداعشية. ففي "دليل المعلم" لدرس في القراءة مخصص للصف الثاني الابتدائي ومُكرَّس لإيصال مفهوم العائلة والترابط العائلي حسب فلسفة داعش نجد النص التالي:

(أنا أعيش مع عائلتي. أبي يحبني وأنا أُحبه. وأُحب أمي وأخوتي).

النص محاط بخمس صور: صورة طفل رضيع كُتب إلى جانبها كلمة "مولود"، وصورة ثلاثة أطفال ذكور، لا قسمات واضحة لوجوههم، كُتب إلى جانبها كلمة "أطفال"، ثم صورة امرأة منقبة بالكامل، لا يظهر من ملامحها أي شيء تحت ردائها الأسود بالكامل، وكُتب إلى جانبها كلمة "أم"، وصورة أخرى لرجل وامرأة ومعهما طفلين تحت النص السابق لمساعدة الطفل على تكوين تصور عن "العائلة" بوصفها مجموع الأب والأم والأطفال. ولا وجود لأخت أنثى في هذا الدرس. وبطبيعة الحال، توجد صورة الأب أيضاً، وقد رَسمتْ رجلاً ينتصب واقفاً، وقد أطلق لحية طويلة وحلق شاربيه دون أن تبرز قسمات واضحة لوجهه.

الرجل يرتدي ما يُعرف بالزي الأفغاني، وكي تكتمل الصورة، وما له أهمية ودلالة أكبر هنا أنه يحمل بين يديه بندقية حربية لتكتمل الصورة النمطية للجهادي السلفي الجوال منذ تبلورها في أفغانستان منذ أكثر من 25 عاماً. صورة الأب الحامل لبندقيته هي فقط ما يشير إلى دور ووظيفة يقوم بهما، بخلاف المناهج القديمة التي كانت تظهر أفراد الأسرة، الأم والأب خاصة، في أدوار اجتماعية كأفراد عاملين ومنتجين.

يقول مرشد نفسي كان يعمل في إحدى ثانويات مدينة الطبقة في محافظة الرقة، رفض الكشف عن اسمه، أن: "مناهج داعش هذه ستكون مثل كرة الثلج إذا تم وضعها قيد التداول وإذا قبل الأهالي إرسال أطفالهم إلى مدارس الدواعش .. فالأطفال مثل العجينة، يمكن تشكيل عقولهم بسهولة .. وغرس قيم العنف فيها".

فكلما زاد أمد بقاء داعش جائماً على صدور الناس في المناطق التي يحتلها، زادت معه احتمالات تقبّل الأطفال والأُسر للأدوار والوظائف الاجتماعية التي يرسمها داعش لأفراد المجتمع. وبناءً عليه، سيسهل تحول: "أعداد كبيرة من الأطفال الذكور إلى مقاتلين تماهياً مع صورة الأب وفق الآليات المعروفة في علم النفس التربوي وعلم النفس الاجتماعي".

وبذلك يحوِّل داعش كل الأطفال الذكور في مناطق سيطرته إلى احتياطي بشري لجهادييه الجوالين، وتالياً لن تقف أضرار هذا التعليم على المجتمعات المحتلة من قبله حالياً، بل قد تتعداها مستقبلاً إلى مناطق أخرى.

مناهج التعليم الداعشية .. صناعة الغزاة

تكريس "عقلية الغزو"

صورة الأب، ودوره الاجتماعي الوحيد كجاهدي، يكشف أيضاً عن الذهنية العامة لداعش الإرهابي وما شابهه، حسب المرشد النفسي. هذه الذهنية التي ترى "في الغزو والقتال دوراً ووظيفة دائمتين"، ما يجعل المجتمع مجتمع قتال وصراع دائمين، بغض النظر عن وجود تهديد له من عدمه. إنها "عقلية الغزو"، حسب وصفه. فيجب على الناس أن تبقى في حالة حرب دائمة، ولذلك فإن "داعش يرى وجوب تطبيع صورة الجهادي الغازي الجوال عبر المنهاج الدراسي وتحويل التلاميذ الصغار إلى حامل لهذه الفلسفة".

لم تجد مناهج داعش هذه طريقها إلى حقائب الصغار في مناطق احتلاله في سورية والعراق بعد، نظراً للمقاومة السلبية التي يبديها سكان هذه المناطق، ونظراً ربما إلى أولويات داعش الحالية في تقديم العسكري والأمني على الاجتماعي والتعليمي، لكن مجرد وضع هذه المنهاج يعني أن خطراً شاملاً يتهدد جيل بكاملة. خطر تحوّل أطفال هذه المناطق إلى خزان بشري ضخم يرفد سياسة العنف هذه.