أخبار الآن | دمشق – سوريا (آية الحسن)

عدة أحياء في دمشق تشعرك بمجرد دخولك إليها أنك انتقلت من بلد إلى بلد آخر، على الرغم من أن مسافة السير على القدمين بين هذه الأحياء ومركز المدينة لا تتجاوز العشر دقائق بكل الأحوال.

كان حي أبو رمانة والمالكي من معالم دمشق الحديثة في الخمسينيات وارتبط لفترة بالبرجوازية الوطنية، قبل أن يتم احتلاله من قبل الضباط البعثيين.

تشبه تلك الأحياء حي والمزة (فيلات غربية) وتنظيم كفرسوسة، التي هي إنجاز محدثي النعمة والضباط المقربين من النظام، فهناك البيوت التي تتجاوز أسعارها حدود الخيال والتحصينات الأمنية التي تبقيها بمنأى عن الحرب الدائرة من أعوام والتي لم تهب ولم تذر.

الاستيلاء على البيوت

ومع خروج السوريين جماعات وأفراد خلال العام الحالي إلى أوروبا بحثا عن الملاذ الآمن خرج أيضا الصناعيين وأصحاب رؤوس الأموال بحثا عن بيئة أنسب لأعمالهم بعد أن طالت الحرب ولم يعد يبدو لها نهاية.

خرج أهالي هذه الأحياء بأكثر الطرق أمانا حيث لا تعوزهم النقود إلى المخاطرة برا وبحرا، حتى باتت هذه الأحياء شبه خالية من سكانها الأصليين ولا يعيش فيها إلا من استأجر بيتا بأبهظ الأثمان نتيجة قدومه من المناطق الساخنة. وبالتزامن مع هذا تقول محكمة جنانيات النظام أنها تلقت 1000 دعوة سرقة في المناطق آنفة الذكر فيما يجعل الموضوع يبدو كما لو أنه ممنهجا.

النظام هو السارق

"النظام هو السارق" جملة لا يتردد "أحمد" أحد سكان المالكي القدماء ولا يرف له جفن وهو يطلق اتهاما كهذا وبالدقة والوضوح اللتين تشير لهما الجملة، ليعود معلقا: "حواجزهم تعرف أوقات دخول وخروج النمل من منازل الحي، فهم لا يسهون عن متابعة أي تحرك يشكون به، فكيف تسرق أغلب بيوت المنطقة دون أن ينتبهوا أو يتدخلوا، إنهم لا يستقوون إلا على المدنيين الذين لا حول لهم ولا قوة".

من ناحية أخرى يأتي كلام أحمد منطقيا حيث لم يعد النظام يتعامل مع بلد ينتمي لها ويديرها. فعلى الرغم من سلوك جيشه مسلك الاحتلال منذ اقتحامه أول المناطق التي داهمها مع انطلاق الثورة السورية، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك كان النظام ينازع كي يبقى حاكما للناس ومستعبدا لهم. أما بعد التدخل الروسي فقد أنهكت نفسية النظام وبات يعرف أنه حتى لو انتصر المحور الذي يحارب معه، فإن البلد لم تعد له بحال من الأحوال، سيأخذ الروسي ما تبقى منها ومن المحتمل ألا يوظفه كمندوب سامي حينها، ومع إدراك ضباط النظام لهذه التفاصيل، بدأوا ينهبون حتى البيوت "الأرقى" في دمشق من أجل تجميع ثروة سريعة في مناخ مافيوي لم يعد حديث الوطن فيه حاضرا.

دمشق الألم

ما من حي بات قابلا للسكن في دمشق اليوم، من كان حظه جيدا وكان المال متوافرا بين أيديه كي يستأجر بواحد من هذه الأحياء، لم يعد يأمن العيش هنا، في أحياء دمشق الأرقى حسب تعبير السوريين.

دمشق اليوم مقسمة بين مناطق يسيطر عليها الجيش الحر يقصفها النظام ويرسل إليها المفخخات ويحاصرها بانتظام، ولا يحركه نحو ذلك إلا رغبة واحدة منه هي الانتقام، وهناك أحياء ومناطق تسيطر عليها ميليشات الدفاع الوطني والمقاتلين الشيعة على مختلف الدول التي أتوا منها، والتي بات حتى أهاليها الأصليين الذين يدعمون الأسد يشتكون من عصاباتها، والمناطق الراقية التي دخلت ضمن المناخ المبكي لدمشق وبات الموت فيها على إثر عملية سرقة منظمة أمر وارد الحدوث في أية لحظة.

جميع أهالي دمشق يتساءلون اليوم، أما من منجى من كل هذا عدا الموت في البحر؟ هل مر في التاريخ نظام قاتل شعبه بحقد مشابه؟.