أخبار الآن | الرقة – سوريا – (عزام الحاج)

يبدو أن سياسة "داعش" في إحلال عناصره الأجانب في بيوت وأملاك أصحابها الشرعيين لا تقف عند حدود الخلاف السياسي أو التناحر العسكري وحسب، بل تتعداه إلى محاولة خلق مجتمع موال ومتجانس أيضاً. مجتمع لا مكان فيه لأي نوع من الاختلاف العقدي أو المذهبي أو الفقهي.

تهم مختلفة لمصادرة البيوت

يقول السيد "خليل حمسورك"، وهو فنان تشكيلي ومعتقل سياسي سابق في سجن صيدنايا بعهد الأسد الأب ويقيم الآن في فرنسا: "هناك نوعان من الاستيلاء مارسهما "داعش"، الاستيلاء على بيوت جميع الأكراد من سكان الرقة وعددهم بعشرات الآلاف، ويوجد حي كامل شمال سكة القطار اسمه حي الأكراد تم الاستيلاء عليه بكل ما فيه، أي لم يتم ترحيل الممتلكات [محتويات البيوت من أدوات وأجهزة وأثاث]؛ وكذلك جميع الأملاك لمالكيها من الطوائف أو الأديان الأخرى".

وهذا يمثل بعداً إثنياً في سياسة الاستيلاء الداعشية، حسب ما يُستنتج من كلام السيد حمسورك. لكنه يشير إلى بعد سياسي أيضاً لهذه السياسة "أما المعارضون فقد تم الاستيلاء على بيوتهم وممتلكاتهم كاملة وإن وجدوا [قُبض عليهم] شخصياً وقصت رقابهم".

والسيد "حمسورك" وأسرته ضحايا هذه السياسة الإحلالية الداعشية، إذ أن "داعش" استولى: "على بيتي بكل ما فيه وعلى بيوت أخوتي وأهلي كاملة وعلى بيوت جميع أصدقائي واستولى أيضاً على مرسمي وكسَّر لوحاتي. إنه لأمر سيء أنك ناضلت ضد حكم الأسد ليأتي مَنْ يستولي على ثورتك ويأخذ ممتلكاتك ويعتبرها غنائم. في عهد حافظ الأسد اُعتقلت في صيدنايا 7 سنوات، وفي عهد "داعش" نفذت رقبتي بالصدفة المحضة".

يتحفظ الناشط "ب. أ" المقيم الآن في تركيا، على ذكر اسمه لأسباب باتت معروفة، ويروي في السياق ذاته: "تجربة شخصية. منزلنا تمت مصادرته والتهمة أن كان مالكه كردياً، وكذلك منزل عمي والتهمة أنه يتستر على مالكه من طائفة أخرى؛ علماً أنه يوجد عقد شراء في الشهر 11 عام 2012". وبالنسبه للشعور، يقول الناشط، باختصار محتل يقيم في منزلك، ولكن كما يقال بالحجر ولا بالبشر والحمدلله".

سياسة إحلال لمنتسبي "داعش"

ويفسر المعارض والناشط المقيم في تركيا "محمد صبحي" سياسة استيلاء "داعش" على بيوت الناشطين ومقاتلي الجيش الحر بالحاجة: "إلى إسكان عدد كبير من منتسبي التنظيم مما أدى إلى مصادرة مساكن متروكة أو مؤجرة تعود ملكيتها إلى مَنْ غادروا وتركوا بيوتهم بضغط ظروف شتى. وهي ظاهرة عامة في الرقة عانى منها الكثيرون ممن نعرفهم. وﻻمبرر سوى الإيذاء المادي والمعنوي لصاحب البيت بذريعة إسكان عناصر "داعش" وحل مشكلاتهم في الزواج واﻻستقرار أو الإقامة. وليس أصحاب البيوت سوى اﻻنتظار أو العمل على إخراج "داعش" من المدينة ليتم استرداد هذه الممتلكات وصيانتها في حال لم يتم تدميرها بالكامل وفقدانها من جراء الحرب الدائرة وإصرار عناصره على التحصن فيها".

كذلك يرى الناشط "أحمد الحاج صالح"، المقيم بدوره في تركيا، متحدثاً إلى "الآن" وشارحاً ظاهرة الاستيلاء والإحلال الداعشية بقوله: "تبدأ ذروة انتشار المصادره بشهر 3 عام 2014 وتستمر حتى بداية 2015"، والمبررات أو التهم هي أن أصحاب هذه البيوت "مرتدين، مجتمع مدني، صحوات، كفار، عملاء للغرب، ولكن الحقيقة هم يريدون أي بيت فارغ لإسكان مقاتليهم". ويشير "الحاج صالح" إلى أن عدد البيوت المُستولى عليها من قبل "داعش" غير معروف، لكنه يقدره بـ 2000 منزل لعدم توفر إحصاء وتوثيق لهذه الظاهرة.

والسيد الحاج صالح بدوره أحد أوائل ضحايا سياسة الاستيلاء الداعشية، يقول: "نعم، تمت مصادرة بيتي كأول بيت يُصادر في منطقة تل أبيض، ولاحقاً جرت مصادرة بيوت 4 من أصدقائي، وهؤلاء جميعاً مطلوبين لـ"داعش" بسبب معاداتهم لفكره وكلهم خارج البلد أو معتقلين الآن لديه".

لكن القلق والمتاعب والبعد عن البيت والأرض لم تنته بالنسبة للسيد "الحاج صالح" بعد اندحار "داعش" وانحسار سيطرته عن منطقة تل أبيض، ويفسِّر: "بعد خروج "داعش" من تل أبيض اعتقد اثنان من أصدقائي أن بإمكانهما استعادة بيتهما الذي صادرهما داعش، ولكن [قوات PYD] استولوا عليها مرة أخرى. لا أريد أن يستولي أحدٌ على بيتي مرة أخرى".

وأخيراً يقترح السيد الحاج صالح خطة عمل من أجل توثيق سياسة الاستيلاء الداعشية هذه وتكوين ملف حقوقي يوثق ويكفل حقوق الناس في أملاكها؛ ويمكن أن يشكل [هذا الملف] أداة لملاحقة ومقاضاة "داعش" ومَنْ والاه وساعده من أبناء الرقة في يوم عساه قريب.