أخبار الآن | دمشق – سوريا (آية الحسن)

"داعش" الذي كلما راهنت نفسك على أنه استنزف القبح بإصداراته، يفاجئك بأنك لا تعرف عن القبح إلا النذر اليسير. فقد أصدرت ولاية حمص في داعش مؤخرا إصدارا مرئيا بعنوان "سياحة الأمة" هو الإثبات على إمكانية تجسيد السريالية واقعيا.

دواعش أجانب

مقاتلان ألمانيان من داعش يوجهان لألمانيا رسالة بلغتهم، يبدأ أبو عمر الألماني بحمد الله الذي وفقه إلى هذه الهجرة، ويضيف أنه وبالفعل كما قال النبي محمد عليه السلام إن الجهاد هو سياحتنا، ويتابع الحديث عن أنه يجلس الآن بواحدة من أجمل مناطق الشام "تدمر!"، حيث يتمتعون بالنظر إلى أرض الله وخلقه. ويضيف بعد أن ينصح مسلمي ألمانيا بالالتحاق بالجهاد أنه من لا يتمكن منهم من ذلك فعليه أن يهاجم الكفار في بيوتهم مستشهدا بالنص القرآني {واقلتوهم حيث ثقفتموهم}.

في هذه اللحظة تبدأ باسترجاع ذكرياتك مع مدينة تدمر التي أول ما يخطر ببالك هو حرها الشديد، وجفاف مناخها، فتضحكك فكرة أن رجلا ألمانيا جاء من بلاد الخضرة ليعرّف عن تدمر بأنها أجمل مناطق الشام، ويتبادر إلى ذهنك السؤال، ألم ينتزع عنك الجهاد استشراقك بعد؟ أم مازلت ترى المشرق بادية وواحات؟.

المشهد التالي يظهر أبو عمر ومقاتل آخر يتم التعريف به على أنه أبو أسامة يقفان فوق رأس رجلين مقيدين في العقد السادس من عمرهما ويبدو أنهما من أبناء المنطقة الذين لا يفهم عمومهم اللغة الألمانية، هنا يتسلم أبو أسامة الكلام متابعا الخطاب المعتاد الذي يرسله عادة الدواعش للكفار حسب تعريفهم للآخر، لكن اللافت هنا أن أبو أسامة يعيد جملة أبو عمر وهو يؤكد عليها مخاطبا مسلمي ألمانيا: "لا تحتاج إلى الكثير من أجل ذلك، خذ سكينا كبيرا واخرج إلى الشارع واذبح كل كافر تلقاه". الجملة المنقولة حرفيا تقال ببداهة من  يطلب من المسلمين توزيع الحلويات في الشوارع. وتسأل نفسك لماذا أتى هذا الرجل طالما الأمر بهذه البساطة؟ لم لم يحارب الكفر في ألمانيا بذبح الناس في الشارع؟.

يتابع أبو أسامة خطابه بينما تمر ست دراجات هوائية في عمق الكادر وبشكل متقطع بعضها يقودها أطفال توحي بأن الحياة مستمرة حتى بالنسبة للمدنيين في المكان الذي يعدم به رجلين لا يعلم أحد إلى الآن من هما وما جرمهما.

قتل وسياحة

خلال الخطاب الألماني تذهب الكاميرا لأخذ لقطات سياحة لتدمر القديمة، ورؤس أعمدتها الرومانية، فعلى ما يبدو أن المصور الأجنبي ما زال مبهورا بجمال الآثار التي كان أبناء بلده يزورونها في الصيف ونسي أن تصنيفها الآن يندرج تحت مسمى "أصنام" وجب تحطيمها.

يوجه أبو أسامة كلمة للكلبة القذرة ميركل، حسب وصفه، واعدا إياها بالانتقام، ثم تبدأ اللقطات المقربة(Close up) على السلاح وعلى بروفايلات المجاهدين، لتأتي لحظة إطلاق النار على الرجلين، هنا وهنا فقط يظهر على الشاشة كلمة "قتل اثنين من جنود الردة" وهذا هو التعريف الوحيد بالمقتولين والذي لا يلعب دور التعريف بقدر ما يلعب دور الإرشاد الإخراجي في مشهد سريالي. إذ أن لحظة القتل "لقطة الذروة" في إصدارات داعش تم تسريعها وكأنها أكثر أمر "عادي" في كل ما جاء.

الخيال كواقع

إذن فإصدار داعش الجديد يلعب على محورين رئيسيين أولهما هو إثبات السريالية، وأن الدولة المزعومة واقع وقد تكررت هذه الجملة أكثر من مرة في الإصدار، وهي دولة مختلفة حتى بشكل الحياة فيها فالدراجات الهوائية تمر على بعد أمتار من مكان إعدام رهينتين لا أحد يعرف من هما وقاتليهم يتحدثون بكلام لا يفهمه أصحاب الدراجات وهنا يتم تصدير المشرق كحالة غرائبية Exotic. ومن زاوية أخرى التأكيد على أن القتل كفعل، هو أبسط ما يمكن أن يقوم به الإنسان، من خلال الدعوة لقتل الألمان بالشارع المسبوقة بكلمة "لا تحتاج الكثر من أجل ذلك"، ومن خلال قتل الداعشيين لرجلين كبار في السن لا نعرفهما ولا يتم التركيز على قتلهما أصلا خلال الإصدار. لكن الرسالتين بدتا بغاية السريالية لأن المقاتلين والمصور مازلوا مستشرقين وفق المعنى التصوراتي لكلمة مستشرق بالعلاقة مع كل ما حولهم.

هكذا يثبت داعش أنه الأول في العالم الذي إن استنفذ عنفه ولم يعد من طريقة للقبح يفاجئك بها، فسيبدأ صدمته لك بأن يريك السريالية وقد استحالت واقعا.