أخبار الآن | دمشق – سوريا (أحمد الدمشقي)

تعيش العاصمة دمشق على وقع المعارك التي تدور حولها منذ أكثر من ثلاثة أعوام، وأجبر أهلها على التعايش مع واقع فرضته قوات الأسد في المدينة، لإحكام السيطرة عليها، ومنع أي فصيل من الثوار من التقدم إليها من خلال عدد من الخطوط الحمر المرسومة حولها، والتي تحولت إلى ثكنات عسكرية كبيرة يتمركز فيها العشرات من قوات الأسد وشبيحة الدفاع الوطني والميليشيات الشيعية التي تغزو العاصمة. 

وتخوض قوات المعارضة شمال العاصمة معارك ضخمة أسفرت عن إغلاق الطريق الدولي الواصل بين دمشق وحمص وحماة وحلب، والسيطرة على عدد كبير من الخطوط الحمراء التي وضعها نظام الأسد، وشكل هذا العمل الكبير أكبر تهديد على نظام الأسد المتمترس في دمشق لكن هل هي المحاولة الاولى للولوج الى داخل العاصمة ؟

التخطيط للهجوم

إنها ليست الأولى فقد قام الثوار منذ الارتقاء بالثورة للعمل المسلح بمحاولة اقتحام دمشق أكثر من مرة، كان آخرها في مثل هذا اليوم منذ عام كامل حين تسلل عدد من ثوار جنوب دمشق إلى قلب العاصمة في محاولة منهم لتحرير مساحات كبيرة منها، ونجحوا في التمترس في عدد من الأبنية وهاجمو قوات الأسد قبل انسحابهم تحت وابل القصف العنيف، وأخطاء بتقدير الموقف قبل بدء العمل. 

التقت أخبار الآن بأحد المقاتلين ممن كانوا في معركة الاقتحام وهو "محمود الشامي"، الذي تحدث عن تفاصيل العملية كاملة ومراحل تنفيذها:

"تم التخطيط للعملية وتنفيذها من قبل عدد من فصائل جنوب دمشق، واستمر التخطيط وحفر الأنفاق اللازمة للعملية لأكثر من أربعة أشهر، وتم الاستنفار لمدة يومين قبل العملية دون معرفة السبب، ومُنع المقاتلين من التحدث عبر الجوال أو إرسال الرسائل منه حفاظاً على سرية العمل، وفي اليوم الثالث علمنا أن عملاً عسكرياً كبيراً على الأبواب، وتم إبلاعنا لتحضير أنفسنا بعد تسليمنا لبعض المعدات وأكياس النايلون لتغليف السلاح بشكل جيد تفادياً لتعرضه للمياه".

لم يكن أحد يعلم بأن العملية سيتم تنفيذها بعد المرور عبر شبكات الصرف الصحي إلا قبل موعد العملية بساعات قليلة، فتم الاستعداد جيداً تحسباً لليوم المنتظر من قبل كافة المقاتلين، وهو يوم الدخول إلى العاصمة دمشق وسط سعادة كبيرة وحماس بين صفوف المقاتلين.

يستطرد الشامي: "إن المجموعات بدأت بالدخول عبر شبكات الصرف الصحي من داخل مخيم اليرموك، وبترتيب معين، "موضحاً" أن  أكثر من 1000 مقاتل من جنوب دمشق حشدوا للمشاركة في هذا العمل وبلباس عسكري موحد، ووضعت على الرأس أشرطة كتب عليها نفس العبارات التي تستخدمها الميليشيات الشيعية ك "يا حسين" و"يا زينب" للتمويه والتنكر بزي مشابه لزي حزب الله، ونوه محمود إلى أن الخطة كانت محكمة".

اختراق خاصرة دمشق الجنوبية

بدأ الدخول الساعة الثامنة مساء عبر نفق ترابي يبلغ طوله حوالي 50 متراً، ومن ثم المتابعة زحفاً، وببطء شديد عبر نفق آخر ضيق جداً كي لايتم اكتشافهم.

"كنا نتنقل تحت حواجز النظام مباشر، كحواجز الميدان والقاعة"، يقول ويلفت إلى صعوبة التنقل بعد دخول شبكة الصرف الصحي فبقي المقاتلين ينتظرون على أقدامهم لأكثر من 6 ساعات مع أسلحتهم والذخائر التي يحملونها، حتى جاء أمر التقدم وزاد منسوب المياه تدريجياً حتى بات يغمر أكثر من نصف المقاتل، لكن بقي التفكير محصوراً بالنصر وبالدخول الى دمشق.

"لم يفكر أحد من المقاتلين بالانسحاب رغم كل الصعوبات التي رافقت المهمة، وتابعنا المسير عبر شبكة الصرف الصحي حتى وصلنا إلى أماكن لا يمكن عبورها إلا بوضعية الاستلقاء ثم الزحف نظراً لضيقها، ومن ثم وصلنا إلى منطقة تقاطع في شبكة الصرف، والتي تكمن فيها خطورة كبيرة جداً، بسبب ضغط المياه المتدفقة العالي، فتم تجهيز حبل يستطيع المقاتل تثبيت نفسه من خلال التشبث به، وهو المسافة الأخيرة قبل الوصول إلى المنطقة المقرر الخروج منها وهي الزاهرة القديمة، وخرجت أولى المجموعات بتعداد حوالي 50 عنصراً، لكن كثافة الحضور الأمني للنظام في المنطقة عجل في الاشتباك المباشر مع قوات الأسد، وهو ما أفسد سير العملية، فأمر القادة بانسحاب باقي المقاتلين حفاظاً على أرواحهم بعد اكتشاف النظام لطريقة الدخول والدفع بتعزيزات ضخمة جداً حاصرت المنطقة وبدأت بقصفها بالأسلحة المتوسطة".

عاد المقاتلون أدراجهم بعد قضاء أكثر من 13 ساعة تحت الأرض، أما من خرجوا أولا فتحصنوا في بعض الأبنية واشتبكوا مع قوات الأسد، وتمت مهاجمة عدد من الحواجز، ما أدى إلى سقوط عدد كبير من القتلى بين صفوف قوات الأسد، وأسر 3 منهم وواحد من كبار قيادات الشبيحة في المنطقة واستشهاد 15 مقاتل من الثوار، فيما انسحب المتبقون عبر نفس الطريق بعد معارك استمرت لثلاثة أيام.

يوضح "الشامي" أن العملية كانت رداً على حصار النظام لجنوب دمشق ولقطع المياه عن مخيم اليرموك، وعدم الإفراج عن المعتقلين، فتحقق جزء من أهدافها كاستهداف الحواجز في الميدان والزاهرة، والتي تقوم بقصف الجنوب فيما فشلت بالسيطرة على منطقة الزاهرة المتاخمة لحي الميدان بشكل كامل. 

 ليوم، لا يزال الثوار في كل سوريا يتربصون بالعاصمة دمشق لقناعتهم بأن تحريرها كفيل بالقضاء على رأس الأفعى بشار الأسد المتحصن داخل أسوارها.