أخبار الآن | ريف إدلب – سوريا (هاديا المنصور)

تعاني القرى النائية في محافظة إدلب من صعوبات وصول الخدمات الطبية إليها وبالتالي حرمانها من أبسط مقومات العلاج اليومي، ناهيك عن الحالات الطبية التي تحتاج إلى متابعة وربما جراحة وما إلى ذلك.

قام اتحاد المكاتب الثورية في كفرنبل بتشكيل عيادة طبية نسائية متنقلة لتقوم بدورها الطبي والصحي في ريف إدلب لمرحلة ما بعد التحرير، كمحاولة فعالة لتغطية النقص الحاد في الخدمات الطبية لتلك القرى.

طاقم العيادة المتنقلة

الطبيبة "هلا الخطيب" 28 عاما مسؤولة ومديرة العيادة النسائية المتنقلة، طبيبة عامة إضافة لاختصاصها بأمراض العين وجراحتها. تقول عن المشروع: "بدأت العيادة عملها في 26/8/2015، العيادة عبارة عن طاقم طبي نسائي متكامل مؤلف مني ومن طبيبة عامة وممرضة خريجة معهد طبي وسائق، السيارة مجهزة بالعديد من الأجهزة الطبية منها جهاز لفحص الأذن، إيكو، جهاز أوكسجين جهاز إرذاذ، جهاز لتحليل السكر، جهاز لقياس الضغط، وهناك أدوات جراحية ومواد اسعافات أولية".

تبدأ جولات العيادة الطبية يوميا، ففي بداية كل يوم هناك رحلة إلى إحدى القرى النائية تبدأ بالانطلاق من المكتب الطبي في "كفرنبل" من الساعة التاسعة صباحا وحتى الثانية ظهرا من السبت حتى الأربعاء، ويتم مراجعة القرى نفسها في الأسبوع التالي لمراجعة المرضى ثم الانتقال الى قرى جديدة.

تقول الطبيبة هلا: "إن الإقبال على العيادة كبير جدا من قبل المرضى في هذه القرى وعدد المراجعين اليومي للعيادة وصل لأكثر من ثمانين حالة مرضية من نساء وأطفال، وأغلب الحالات المرضية هي عبارة عن أنفلونزا، كريب، التهاب لوزات وبلعوم، التهاب مجاري بولية، التهاب معدة وأمعاء، التهاب كولون، التهاب كولون عصبي، إضافة لآلام المفاصل والأمراض العضلية والديسك والأمراض العينية، أيضا هناك إمكانية لتوليد الحالات المستعجلة في العيادة وإلا فيتم تحويلها لإحدى المشافي في حال حاجتها لعملية قيصرية أو ما شابه".

القرى المستهدفة وآلية العمل

تشير الطبيبة الخطيب أنهن زرن إلى الآن خمسة قرى في سهل الغاب وهي الفقيع، نير، راشا، كوكبة وبلين. وقد ترافقت زيارة العيادة لقرية "راشا" مع قصف طائرات النظام لها، في 2/9/2015 فقام الطاقم الطبي النسائي بمساعدة الجرحى والمصابين من النساء والأطفال وذلك بتقديم الإسعافات الأولية لهم وإجراء عمليات تطهير الجروح وخياطتها.

يتم الإعلان عن وصولهن من خلال النداء على المآذن في الجوامع، ويبدأ التوافد من قبل الأهالي إلى العيادة.

وعن المشاكل التي تواجه عملهن ترى هلا أن أهم المشاكل هي مشكلة الازدحام حول السيارة من قبل المرضى والعدد الغفير من الناس وهذا ما يمكن أن يعرضنا للخطر نتيجة استهداف طيران النظام الحربي للتجمعات.

الممرضة براءة العبدو(22عاما) تقوم بدورها بتنظيم الدور وفض الازدحام بترك الحالات الملحّة وصرف الحالات العرضية بعد منحها الدواء اللازم، حيث تعرض الحالة على الطبيبة، وتقوم براءة بصرف الدواء اللازم الذي توصفه الطبيبة لكل حالة.

أما الأدوية المتوفرة داخل العيادة فمعظمها أدوية أطفال مثل مضادات التهاب، مسكنات، موسعات قصبي وغيرها.

تقول براءة عن فكرة العيادة المتنقلة بأنها ممتازة: "لأن المناطق التي يقصدونها هي مناطق نائية خالية تماما من الخدمات الطبية، ما إن يسمع الناس بوصول السيارة حتى يهرعوا إليها وقد بدا على وجوههم سمة المعاناة من الفقر والمرض."

أمراض ورفع الوعي الصحي

آلاء العكل(23عاما) طالبة الطب البشري في جامعة حلب، سنة ثالثة، تركت دراستها نتيجة تعرضها للاعتقال من قبل الأمن السياسي، تعمل ضمن الطاقم الطبي للعيادة النسائية المتنقلة. تتحدث عن أهالي القرى التي يقصدونها قائلة: "هذه القرى بحاجة لتوعية صحية وثقافية، نحاول القيام بهذه المهمة. هناك قلة وعي صحي فالمريض يترك حالته تتفاقم ولا يقصد أحد المشافي بسبب بعد هذه القرى عن المناطق التي تتوافر فيها خدمات طبية".

الطفلة مرح عمرها ثمان سنوات تعرضت لعضة أحد الكلاب، وبسبب نقص الثقافة الصحية لم يعرضها أهلها على أحد الأطباء، ظنا منهم أنها ستُشفى تلقائيا. حين عرفت الأم بقدوم العيادة، اصطحبت ابنتها فحولتها الطبيبة إلى مشفى أورينت في كفرنبل لإعطائها لقاحا ضد داء الكلب.

تقول آلاء: "هذا الفيروس ينتقل من لعاب الكلب لجسم الإنسان وهو خطير جدا ومعدي، إن لم يحصل المصاب على اللقاح بسرعة فهذا سيؤدي لحالات هياج لديه والتي ستفضي في النهاية إلى الموت المحتم".

أما أكثر الأمراض انتشارا في هذه القرى فهي الأمراض الجلدية كالجرب والتحسس الجلدي والقمل نتيجة قلة اهتمامهم بالنظافة، في البداية كان الأهالي محرجين من ذكر هذه الحالات ولكن بعد محاضرات توعوية وصحية من قبل الكادر الطبي بدأوا بالتحدث عن هذه الحالات والأعراض وقد تمت معالجتها وإعطائهم الدواء المناسب.

يعمل فريق العيادة المتنقلة أيضا على معالجة إصابات قصف طيران النظام، فيتم تغيير ضمادات الجروح والحروق، وإذا كانت حديثة يتم تعقيمها وخياطتها، خاصة وأن هذه القرى تتعرض لقصف متكرر من قبل الطيران الحربي لوجودها في سهل الغاب حيث تشتعل الجبهات هناك .

أم خالد(45عاما) من قرية راشا تعرضت لدخول شظية في قدمها نتيجة القصف، قام الطاقم الطبي بإسعافها وإخراج الشظية من قدمها، وهي سعيدة لتواجد العيادة في ساعة القصف، لأنها قامت بإيقاف حالات نزيف كثيرة، ومساعدة العديد من الجرحى.

أم يوسف(38عاما) من قرية كوكبة تتحدث عن حالة ابنها مرهف(10سنوات) قائلة: "كان مرهف يشكو من ألم في بطنه، ترتفع حرارته باستمرار ولم أكن أعرف ما يمكن أن أفعله نظرا لبعد المراكز الطبية عن قريتنا إضافة لقلة إمكانياتنا المادية، ولكن بعد وصول العيادة الطبية إلى قريتنا تم فحص مرهف من قبل الطبيبة واعطائه الدواء المناسب مجان، وهو الآن قد شفي بشكل كامل".

تشعر أم يوسف بالامتنان وتشكر كل القائمين والداعمين لهذا المشروع الإنساني.

أما أم محمد(35عاما) من قرية الفقيع فكانت تعاني من التهاب حاد في المجاري البولية، وبعد فحصها من قبل الطبيبة هلا وحصولها على الدواء أصبحت الآن في صحة جيدة.

الداعم لهذه العيادة هو اتحاد المكاتب الثورية في كفرنبل، والرواتب المخصصة للكادر مبدئيا هي 400 دولار للطبيبة هلا و 200 دولار لكل من الطبيبة آلاء والممرضة براءة.

رائد الفارس 40 عاما، عضو اتحاد المكاتب الثورية يتحدث عن المشروع فيقول: "نظرا لقلة الخدمات الطبية في القرى النائية، تم إنشاء مشروع العيادة الطبية المتنقلة وخصصناها بالنساء لأن معظم المتضررين في الحرب هم فئة النساء والأطفال، التكلفة الشهرية للمشروع هو 7000 دولار موزعة بين رواتب وأدوية ونفقات السيارة". ويؤكد رائد سعي المكتب للتخفيف ولو بشكل بسيط من معاناة شعبنا الذي أنهكته الأمراض والخوف والفقر والتشرد.