أخبار الآن | درعا – سوريا ( أسامة زين الدين)

تنفّس مزارعو درعا الصّعداء بعد صدور قرار مجلس محافظة درعا بحلّ المشكلة المستعصية التي شكّلت عليهم عبئاً ثقيلاً طوال الأشهر الماضية.

فقد أعلن المجلس عن تمكّنه من تحصيل التّمويل اللّازم لشراء محاصيل القمح من الفلّاحين بعد اتّفاقية بينه وبين وحدة تنسيق الدّعم جاءت في اللّحظات الأخيرة، حيث طرح شراء القمح بأسعار تضاهي أسعار حكومة النظام التي تحاول جاهدة وبأي ثمن أن تضع يدها على قمح المناطق المحرّرة عبر وسطاء بينها وبينهم.

قُدّر محصول القمح لهذا العام في درعا  بين 70-80 ألف طن، وهي تنتج ما مقداره 55-60 ألف طن من الطّحين، وهذا ما يؤمّن اكتفاءً ذاتيّاً لمحافظة درعا من الطحين لمدة عام كامل

جذور وخلفيات المعركة

لم تكن حرب القمح قد تسعّرت بين النّظام وقوى الثّورة في الأعوام الأولى للثورة، ولكن مع ازدياد رقعة الأراضي المحررة، ونشوء كيانات للإدارة المحليّة، تمثّلت بمجلس محافظة درعا، بدأ الصّراع بين الطّرفين من أجل وضع اليد على محاصيل القمح بما تمثّله من أمن غذائيّ لكلا الطّرفين. فأعلن مجلس محافظة درعا في فترة سابقة عن استعداه لشراء مخزون هذا العام من المزارعين، بعد أن وُعد بتمويل من الحكومة المؤقّتة، ومن بعض المنظّمات المانحة.

فوجئ الفلّاحون بعد أن بدؤوا بتسليم محاصليهم لمخازن مجلس المحافظة بإعلانه التّراجع وصرّح بعدم قدرته على شراء هذه المحاصيل لعدم وصول الدّعم الذي وُعد به من الحكومة المؤقتة، فاضطر البعض منهم لبيع محاصيلهم إلى النّظام عبر وسطاء، وسهل النّظام الطّريق للقمح ليصل إلى أماكن تمركزه في إزرع والصنمين، كما أن الحواجز سهّلت مرور القمح دون أيّ تعرّض لها، إلى أن جاءت الاتّفاقية الأخيرة بين المجلس ووحدة تنسيق الدّعم لتنقذ الموقف.

  موقف حرج للنظام

عانى النّظام في العامين الماضيين من خروج معظم الأماكن الزراعيّة عن سيطرته، ففشل على مدى عامين في شراء محصول القمح المحليّ، رغم أنّه طرح في هذا العام أسعارا لشراء الطنّ الواحد فاقت أسعار العام الماضي ب 59 دولارا.

ورغم توقّع حكومة النظام باستلام مليوني طن من إنتاج سوريا الحالي المقارب ل 3 مليون، إلا أنها لم تتسلّم إلا 300 ألف طن فقط، ليبقى 90 بالمئة من المحصول في يد التجار و"داعش" وقوى الثّورة.

لذلك سعى النّظام بعد هذه الخسارة الكبيرة في مخزونه الاستراتيجي من القمح إلى استيراده من فرنسا عبر وسطاء دوليين بأسعار تصل ل 250 دولار للطن الواحد، كما أنه عمد في بعض المناطق إلى إحراق المحاصيل التي يتأكد من عدم قدرته على السّيطرة عليها.

يذكر أن إنتاج سوريّة من القمح وصل نهاية تسعينيّات القرن الماضي إلى خمسة ملايين طن، بدأ في التّراجع إلى نحو 3.5 مليون عام 2011. ولم تكن حاجة البلاد، في ذلك الوقت، تزيد على 2.5 مليون، فيما كانت تصدّر الحكومة الكميات المتبقية

تحديات إدارة ملف القمح في المناطق  المحررة

شهد ملف القمح في محافظة درعا تحديّات واضحة، كان أبرزها إعادة تأهيل الصّوامع التي تم تحريرها بعد معركة جنيف حوران 2014، وإعادة تأهيلها وتشغيلها بإدارة وخبرات مدنيّة تحت إشراف مجلس المحافظة، إضافة إلى وضع آليّات عادلة لتوزيع القمح على المناطق المحررة عبر مجالسها المحلية حسب حاجاتها وتغيّر الظروف الميدانية نتيجة النّزوح المستمر الناجم عن المعارك. كما أنّها نجحت في تحييد العسكرييين عن التّدخل في هذا الملف بشكل كامل بعد صراعات بينهم وبين المدنيين حسمتها دار العدل بقرار منها لصالح المدنيين، بعد ضغط شعبي ومدني متواصل.

لا تتوافر حاليا في المناطق المحرّرة مطحنة بقدرات إنتاجية عالية، لذا يعمد مجلس المحافظة بالتنسيق مع الحكومة المؤقّتة إلى شراء مطحنة بقدرة إنتاجيّة قدرها 50  ألف طن يوميا، ويواجه صعوبات لوجستية في إدخالها لمناطق سيطرته حسب تصريحات المهندس "رياض الربداوي" مدير الحبوب في مجلس محافظة درعا.

يذكر أن إنتاج درعا من القمح قد تأثر بسبب الأوضاع الجارية، حيث يعاني الفلاّحون من ارتفاع أسعار المحروقات الكبير، وصعوبة التّنقل والتّسويق، وصعوبة الحصول على السّماد المناسب والمبيدات الحشرية؛ إضافة إلى قصف مزارعهم من قبل النظام وانتشار النيران فيها بشكل متسارع بشكل تعجز قوى الدفاع المدني عن التعامل معها.