أخبار الآن | غازي عنتاب – تركيا – (عزام الحاج)

تعرض المجتمع السوري إجمالاً، وضمنه المجتمع الرقي لتغيرات عميقة وهزّات كبيرة منذ اندلعت الثورة في البلاد منتصف شهر آذار 2011.

ولعل أكثر هذا التغيرات وضوحاً هي دفع الملايين من السوريين للنزوح من بيوتهم نتيجة اشتداد العنف وتقلب الأحوال الأمنية والسياسية على الأرض. وقد شكلت تركيا الملاذ الأقرب والأسهل لما يقرب من مليوني سوري، حسب آخر إحصاءات نشرتها الحكومة السورية المؤقتة ومقرها في غازي عنتاب التركية.

ينتمي معظم اللاجئين السوريين في تركيا إلى المحافظات الشمالية(اللاذقية وإدلب وحلب) والشمالية الشرقية(الرقة ودير الزور والحسكة) نظراً إلى قرب مدنهم وقراهم من الأراضي التركية وتقبّل السلطات التركية لوجودهم كلاجئين أو مقيمين أو عمال دون الكثير من التعقيدات القانونية.

استطلعنا في هذا التقرير جوانب محددة من رؤية الرقيين لأسباب نزوحهم وظروفهم في منفاهم التركي "المؤقت"، كما يفضل معظمهم وصفه، إضافة إلى تصوراتهم عن شروط العودة عبر صوتين لناشطين من جيلين مختلفين.

موجات اللجوء

يقدر هذان الناشطان عدد اللاجئين القادمين من محافظة الرقة بـ300,000 شخصاً، أي أقل قليلاً من ثلث سكان المحافظة تقريباً. وتتركز أكثرية هؤلاء في مدينتي أورفا وغازي عنتاب وفي بلدة آقجي قلعة، وهي بلدة مقابلة لبلدة تل أبيض السورية.

ويتفقان من حيث المبدأ أن الأسباب الجوهرية لنزوح هذا العدد من سكان محافظة الرقة هي الأمن والأحوال المعيشية والتعليم ونمط الحياة. وأن هذه الأسباب مرتبطة بالعمق بتغير القوى المقاتلة المسيطرة على أرض المحافظة.

يقول السيد "ج. ف" إن نزوح الرقيين إلى تركيا حدث: "عبر عدة موجات، الأولى بعد سيطرة الجيش الحر على الرقة وكان سبب النزوح عدم ثقة النازحين بقدرة الجيش الحر على إدارة المحافظة وخوفاً على مصالحهم ونمط حياتهم وغالب النازحين في تلك الفترة هم من "الميسورين والمناوئين للثورة"، كما نزحت دفعة أخرى نتيجة "قصف النظام للرقة".

بعدها حدثت موجة نزوح كبيرة أخرى إثر سيطرة "داعش" على المحافظة ومعظم نازحي هذه الموجة هم من "الناشطين والإعلاميين ومعارضي النظام ومنتسبي الفصائل العسكرية".

لكن ممارسات "داعش" دفعت الكثيرين ممن لا علاقة لهم بالشأن العام إلى النزوح أيضاً حفاظاً على نمط تربية أبنائهم وأسلوب عيشهم ومستوى حرياتهم الاجتماعية المعهود، ناهيك عن شبان نزوحوا بحثاً عن فرصة عمل أو لإتمام تحصيلهم العلمي أو تحيناً لفرصة الهجرة إلى أوربا؛ ولهذا فإن المستوى العلمي مرتفع نسبياً في أوساط هؤلاء النازحين.

أما موجة النزوح الكبيرة الثالثة فكانت عقب سيطرة مقاتلي حزب PYD على بلدة تل أبيض وريفها، إذ نزح من هذه المنطقة عشرات الآلاف، كما تدفع ممارسات القوات الكردية هذه الكثيرين إلى النزوح بشكل ممنهج وهادئ.

كما يعتبران أن تركيا محطة انتظار لنسبة لابأس بها من شبان الرقة الراغبين في الهجرة نحو أوربا؛ ويُقدر الناشط "علي الملاوي" نسبة هؤلاء بين 40 و50%، بينما يربطها السيد "ج. ف" بقدرتهم المالية على توفير تكلفة السفر ويقدِّر أن أكثرية النازحين تود الهجرة إلى أوربا، "ما لم تتوفر لهم فرصة العودة إلى البلد".

مشكلات الرقاويين في تركيا

يرى الملاوي أن مشكلات الرقيين في تركيا على نوعين، مشكلات اجتماعية ومشكلات اقتصادية. الاجتماعية تتمثل في اختلاف العادات والتقاليد وصعوبة الاندماج في المجتمع التركي والتأقلم معه، أما الاقتصادية فتظهر في ندرة فرص العمل، وخاصة بعد أن استنفد النازحون ما جلبوه معهم من مدخرات أو بعد بيعهم "بيوتهم وسياراتهم"، والأمر يزاد سوءاً كل يوم نتيجة اضطرارهم للاستدانة بغية الاستمرار في الحياة. أما مَنْ وجدوا فرص عمل، ولا تزيد نسبة هؤلاء عن 50% في أحسن الأحوال، فيتوزعون على "منظمات حكومية وغير حكومية وفي التجارة والتعليم".

أما عن احتمالات العودة وشروطها فترتبط بحسب السيد "ج. ف": "بتوفر الأمان وحد متواضع من الخدمات"، فيما يربطها الناشط الملاوي بخروج "داعش من المدينة وعدم دخول قوات YPG أو"بإقامة منطقة عازلة شمال سورية، أو بتحرير الرقة أو تل أبيض"، ويرى أن هذه الاحتمالات واردة بدرجات متفاوتة قبل نهاية هذا العام، على أن تكون المحافظة في عهدة "جيش حر يعمل تحت راية الثورة وفي ظل حماية من قصف النظام".

لا يبدو أن دوافع الرقيين لهجرة مدنهم وقراهم تختلف عن دوافع وأسباب عموم السوريين، الأمن والأمان والمحافظة على سوية تعليمية وتربوية اعتادوا عليها لأبنائهم والسعي لفرص عمل بعد تعطل دورة الاقتصاد في بلادهم، وهذه تجمع بينهم بغض النظر عن توجهاتهم الفكرية وآرائهم السياسية.

إلّا أن ثمة سمة تبدو غير ظاهرة ولم تنل حظاً حتى الآن من الدراسة تتبدى في أن فعل النزوح في أساسه ومبتغاه هو فعل رفض للأمر الواقع وفعل مقاومة مدنية لجأوا إليه مُكرهين.