أخبار الآن | قدسيا – دمشق – (جابر المر)

ليست المرة الأولى لكنها المرة الأشد، قدسيا والهامة في الريف الغربي لدمشق ترزحان تحت حصار قوات الأسد التي تخسر المنطقة تلو المنطقة فتستضعف المدنيين وتسعى إلى ذلهم بكافة الوسائل الممكنة.

حكاية كل عيد

في كل عيد منذ أن تحررت الهامة وقدسيا يسأل المواطنون في المنطقتين إن كان الأسد سيغلق عليهما الطريق أم لا، وقد اعتاد المدنيون إغلاق الطرقات التي تصل المدينتين المحررتين بما هو خارجهما عقب عيدي الفطر والأضحى، وبالفعل لم يفاجئ النظام أحدا بأن الطريق أغلق ومنع الدخول والخروج من وإلى البلدة، كما أنه منع إدخال المواد الغذائية والطحين للمنطقة التي يقطنها أكثر من نصف مليون نسمة.

يبدو للمراقب الخارجي أن ما يجري في البلدتين هو حدث تقليدي اعتيادي، خصوصا أن ما نشرته وسائل إعلام النظام المرئية والمسموعة وحتى ما هو منها على مواقع التواصل الاجتماعي كان مفاده أن جنديا من جيش الأسد قد دخل المنطقة واختفى بعد أن سلمه مسلحو قدسيا لمسلحي الهامة حسب تعبير هذه القنوات، ولذلك فإن النظام مضطر للضغط على المسلحين بحصار المنطقتين من أجل الإفراج عن العسكري وإعادة الهدنة إلى مجاريها.

تشير الوقائع بأن الحصار الحالي هو الأشد على المنطقتين منذ تحريرهما عام 2012، حيث لا مدخل ولا مخرج للمدينتين إلا وقد تم إغلاقه ومنع كل المواطنين على اختلاف فئاتهم من الخروج والدخول، تقول "أم محمد": "خرجنا أنا وزوجي لمعايدة الأقارب أول أيام العيد في مدينة جديدية عرطوز وما زلنا إلى الآن عالقين خارج قدسيا، حيث بات حتى الدخول إليها ممنوعا".

أما "أبو فؤاد" المقيم في الهامة فيخبرنا التالي: "نحن معتادون على الحصار الذي مهما طال أمده، فإن الموظفين يبقون قادرون على جلب الخضار والمواد الغذائية أثناء نزولهم إلى دمشق، هذه المرة بات الوضع خانقا في ظل نقص المواد"".

الحصار الأصعب

حصار الهامة وقدسيا هذه المرة اتخذ شكلا غير تقليديا مما يجعله يبدو حصارا حقيقيا أكثر من كل المرات السابقة إذ أن سببان حقيقيان يمنعان النظام من فك الحصار ألا وهو موقع هاتين البلدتين بالعلاقة مع التطورات الأخيرة المرتبطة به في المشهد السورين حيث تتوسط الهامة وقدسيا جبالا تسيطر عليها قوات النظام والمدنيين الموالين له حتى التخمة.

أول الأسباب التي تجبر النظام على الإمعان في حصار قدسيا والهامة هي المحاولة الفاشلة التي غرق فيها هو وحزب الله في معركة استرجاع الزبداني القريبة والمحسوبة أيضا على الريف الغربي، فالنسبة العظمى من الريف الغربي محررة ولا ناقة ولا جمل للنظام فيها، و وهناك معسكرات ومناطق صمود للثوار لا تقل اهمية عن الغوطة الشرقية، نذكر منها على سبيل المثال عاصمة الصمود درايا والتي تكاد الزبداني أن تؤسطر صمودها بالطريقة التي صمدت فيها داريا.

إذا فالغوطة الغربية خارج السيطرة إلا في بعض معاقل النظام ومريديه الذين باتوا يدركون أخطار ماهم فيه من جغرافيا.

النقطة الثانية وهي احتجاجات أهالي اللاذقية من مريدي النظام وطائفته على سليمان الأسد الطفل المدلل الذي قتل ضابطا في الجيش، وخشية النظام من انتقال الاحتجاجات إلى مناطق تواجد مريديه في دمشق إذ بدا هو ضعيفا أمام خصومه ومعرضا حياة مريديه للخطر.

ومن هاتين الزاويتين بالعلاقة مع جغرافيا الهامة وقدسيا كما أسلفنا ومن حيث لا يجرؤ النظام على فتح معركة جديدة في الغوطة الغربية امام التهتك الذي أصاب بنيانه العسكري، ولا يجرؤ أيضا على تناسي كم الاحتجاجات والإحباط الذي يشعر به مريديه تجاهه كان لابد من فعل يقوم به ليثب أنه مازال قادرا على فعل شيء، فأتى الانتقام من الهامة وقدسيا بحصارهما، وهنا كان الحصار هو الحل لا المعارك التي لم يعد النظام قادرا على خوضها وقد انتقل إلى الدفاع بدلا من الهجوم منذ وقت طويل.

من هنا يكون حصار الهامة وقدسيا هذه المرة هو أخطر الحصارات لأن النظام بات يحاصر ليثبت أنه قادر فقط، لا لسبب سياسي أو عسكري حيث تعتبر المنطقتين ساقطتين بالمعنى اللوجستي للكلمة وهما محاصرتين سلفا بمعسكرات النظام ومعاقل شبيحته فيما يعجز عن التقدم داخلهما خطوة واحدة.