أخبار الآن | دمشق – سوريا – (سيف الدين محمد)

لم يزل المتابع لما يحدث في مدينة دمشق يضع التخمينات لما سوف تؤول إليه عاصمة الأمويين بين ليلة وضحاها. ثمة مشروع عمراني اليوم يثير حفيظة سكان المدينة، وهو قرار الحكومة السورية بإخلاء منطقة "شرقي المزة" الشهيرة لتنفيذ مشروع إيراني يقضي ببناء ضاحية سكنية كبرى.

قرار إزالة ..

لم ينسَ المهتم بالشأن العمراني في مدينة دمشق، ما حصل في العام 2005 عندما حاول النظام تسليم شارع الملك فيصل في منطقة العمارة لشركات إيرانية ومحاولة إجبار أهالي المنطقة على بيع بيوتهم.

فشل ذلك المشروع وقتها بفعل تدخل المهتمين والناشطين وتحذيرات منظمة اليونسكو في الحفاظ على التراث من خطورة تلك الخطوة، لكن تلك المحاولات لم تنته بعد.

قامت دوريات تابعة لمحافظة دمشق، مدعومة بدورية من فرع الأمن العسكري الشهير "2015"، بالتوجه إلى منطقة شرقي المزة "البساتين" وإخطار السكان هناك بضرورة إخلاء بيوتهم في مدة لا تتجاوز الشهرين.

تعد منطقة بساتين المزة التي تقع في شرق أوتستراد المزة الشهير، امتدادا من خلف السفارة الإيرانية ومشفى الرازي، من المناطق الشعبية في العاصمة، بالرغم من مركزها خلف أكثر  المناطق شهرة وعمرانا. وكانت حكومة النظام قد تبرعت بمساحة واسعة مطلّة على حرم الجامعات للسفارة الإيرانية لتبني عليها "المركز الثقافي الإيراني".

يعيش أهالي المنطقة هناك، كما المناطق الهامشية في المدينة، على الأعمال الحرفية ناهيك عن بعض الأراضي التي كانت لبعض العائلات والتي تم تدميرها "بساتين الصبار" منذ بداية الثورة مع تمركز قوات الجيش والشبيحة في المنطقة.

عنف قانوني .. وقتل

لا يبدو ما يحدث في المنطقة، ومحيطها أيضا بشكل خاص منطقة "كفرسوسة"، مجرد "عنف" قانوني غير مبرر وحسب، فمن الناحية القانونية لا يستقيم وجود قرار بتهجير سكان المدينة من دون وعود بأن المنطقة المراد تحديثها عمرانيا سيعودون للسكن فيها لكن الإرادة والقرار الاقتصادي، كما القرار السياسي والعسكري، بات بيد السلطات الإيرانية.

المهندس المدني "وائل. ح" يرى أن: "قرارات بناء ضواحٍ سكنية جديدة ضرب من الجنون في ظل التهديد بسقوط دمشق بين ليلة وضحاها، مضيفا أن القرار نابع من مصلحة الشركات الإيرانية بهدف الربح حتى على حساب تشريد الأهالي".

"أبو محمد" رجل خمسيني من سكان المنطقة يرى أن تعويض النظام لهم عن بيوتهم التي سوف تُصادر هو أمر غير واضح مما يجعلهم في مهب الريح.

لم يتوقف الأمر عند ذلك، فيروي أهالي المنطقة قصة الرجل الذي قُتل بسبب التعنت ورفض بيع بيته، ويُحكى أن من قام بقتله أحد المقاتلين الإيرانيين المتواجدين في سورية.

تغيير عمراني وديمغرافي ..

لا يمكن اعتبار قرار الإزالة وترحيل السكان فائدة اقتصادية لشركات إعمار أو غيرها فقط، بل إن الأمر الأكثر خطورة هو الشكل الفجّ، من خلال قرارات مشابهة، العمل على تغيير معالم مدينة دمشق من الناحيتين العمرانية والديمغرافية "السكانية".

يعرف أهالي دمشق، وأهالي منطقة شرقي المزة تحديدا، أن منطقتهم باتت محط أنظار ميليشيات إيران في سورية، متنبهين إلى تزايد عدد الإيرانيين في العاصمة.

يقول الشاب "س. أ" وهو طالب في جامعة دمشق: "خلال شهرين سنكون من النازحين في دمشق، ونسلم بيوتنا مقابل تعويضات لا تكفي لشراء منزل مقابل بناء وحدات سكنية للغرباء المحتلين للمدينة".

ويعتقد الباحث الاجتماعي "أحمد. س" أن: "الخطورة تتمثل في ناحيتين: الأولى هي تغيير شكل المدينة من حيث وجود ضواحي تناسب شكل العمران في المدن الإيرانية وهو ما يختلف عن شكل المنطقة وحداثتها، والثانية تكمن في تغيير التركيبة السكانية للمدينة، إذ من المتوقع أن القاطنين في هذه المنطقة سيكونون من فئات اجتماعية محددة غريبة ووافدة على المجتمع السوري".

لا يكترث النظام السوري اليوم بنتائج تهجير كتلة سكانية كبيرة من جذورها، كيف لا وقد قام بتهجير ملايين السوريين داخل وخارج سوريا تحت المسمى الهزيل المدعو بـ"محاربة المسلحين والإرهاب".

وسط هذا، ماذا تبقى لسكان المدينة من انتماء وهم ينظرون إلى مدينتهم وهي تُسلم مفاتيحها إلى محتل جديد.