أخبار الآن | بيشاور – باكستان – (وكالات)

بعد شهر على المجزرة التي ارتكبتها حركة طالبان الباكستانية في مدرسة في بيشاور واسفرت عن 150 قتيلا معظمهم من التلاميذ بدأت نخبة مثقفة في المدن الباكستانية تجمع صفوفها بهدف "استرداد باكستان" من براثن التطرف والعنف، كما يقول ممثلوها، ويعتبر مشهد هؤلاء الناشطين الذين يحملون لافتات وشموعا خلال تجمعاتهم ضد التعصب الديني غير مألوف في بلد اعتاد على التظاهرات الحاشدة التي تنظمها الجماعات المتشددة  وتسير على وقع الهتافات التي تردد الموت للغرب او الهند.

يقول محمد جبران نصير، وهو محام في السابعة والعشرين من عمره لعب دورا رئيسيا في تنظيم مثل هذه المسيرات، انه يشعر وكثيرون غيره انهم ما عادوا قادرين على الوقوف متفرجين بعد مقتل الطلاب في شمال غرب البلاد في 16 كانون الاول/ديسمبر، ويضيف "لم اشعر يوما بهذا القدر من العجز. شعرت بالضعف كانسان وكمسلم وكباكستاني. شعرت بانني، صغير، صغير جدا".

وفي حين يخوض الجيش الباكستاني حملة في المنطقة القبلية شمال غرب البلاد ضد الحركات المسلحة المتمردة وعلى راسها طالبان، يرى المعارضون التقدميون ان على الدولة بما فيها الجيش والاحزاب السياسية ان تفعل اكثر لضبط الجماعات المتطرفة التي كانت تقليديا تتلقى الدعم من السلطات.

وسعيا لاظهار معارضتهم لذلك، نظم نصير الذي كان في اسلام اباد عندما وقع الهجوم على مدرسة بيشاور، اعتصاما احتجاجيا مع غيره من الناشطين امام المسجد الاحمر الذي رفض امامه مولانا عبد العزيز المعروف بتأييده لمواقف طالبان ادانة الهجوم، وكان مولانا عبد العزيز قاد تمردا مسلحا ضد الجيش في 2007 لكنه برىء من كل التهم الموجهة اليه في 2013 في ما يعتبره محللون دليلا على وجود ثغرات في النظام القضائي الباكستاني وتعاطف مع المتطرفين في اوساط المؤسسة الامنية.

وحققت حركة "استرداد" باكستان نصرا صغيرا عندما تمكنت من اعادة فتح تحقيق بحق هذا الامام، وفق نصير، ويقول المحامي الشاب لفرانس برس "هناك مذكرة توقيف بحقه، والشرطة تقول انها تحقق"، مضيفا انه "يأمل ان يؤدي مزيد من الضغط الى تحرك ملموس"، ويقول المحامي انه يتعرض اليوم للتهديد عبر الهاتف ليس من قبل امام الجامع الاحمر فقط وانما كذلك من قبل جماعة الاحرار وهي فصيل تابع  لطالبان الباكستانية. ولكنه يؤكد انه لم يعد قادرا كمسلم ملتزم ان يلزم الصمت امام تشويه معتقداته.
                            
لقيت هذه الحركة اقبالا عبر وسائل التواصل الاجتماعي ولا سيما موقع فيسبوك وبدأت المجموعات التي تشترك في تفكيرها في المدن الرئيسية مثل لاهور وكراتشي بتنسيق تحركاتها وادانة المجموعات المتشددة الناشطة في هذه المناطق، ويرى محللون ان بعض الجماعات المتشددة تلقى دعما من مؤسسة الدولة لأنها يمكن ان تستخدم لتوسيع نفوذ باكستان في الهند وافغانستان، وهي استراتيجية يريد التقدميون وضع حد لها.
              
ويقول تيمور خان المقاول البالغ من العمر 36 عاما والذي انضم الى حركة "استرداد" باكستان في اسلام اباد، "نحن اناس مهتمون بانسانيتنا. ان لم نتخذ موقفا ما قد نبقى احياء ولكننا سنفقد انسانيتنا بسبب خمولنا. هذا يجعلنا شركاء"، ولكن التقدميين لا يشكلون سوى اقلية محصورة بالنخبة المثقفة في الطبقتين المتوسطة والعليا، الأمر الذي يجعل نصير يشعر بالأسف عندما يقارن الحشود التي تضم المئات في تجمعات "استرداد" مع مليون و600 الف شاركوا في مسيرة التضامن مع اسبوعية شارلي ايبدو في باريس بعد ان اعتدى عليها متطرفون باسم الاسلام.
              
ويقول "هناك حالة من عدم الاكتراث في باكستان، في حين تحرك الملايين في باريس. لقد جعل ذلك مقتل 12 شخصا محط اهتمام العالم بأسره"، يضيف "اودى الارهاب بحياة 55 الف شخص لدينا ولكننا نناضل من اجل اقناع العالم باننا نفعل ما يكفي للقضاء على الارهاب"، ولكن نصير متفائل بامكان توسيع حركته لتشمل الطبقة العاملة. وفي 16 كانون الثاني/يناير، بعد شهر تماما على هجوم بيشاور، نظمت حركة "استرداد" كبرى تجمعاتها عبر مدن باكستان الرئيسية.

 ومن بين بضعة الاف شاركوا في هذه الأنشطة نساء يعملن في حملة التلقيح ضد الشلل تعرضن لهجمات طالبان، واقرباء جنود قتلى، ووالد وابن عاملة مسيحية حرقت حية لاتهامها بالتجديف بالاسلام مع امها، في اسلام اباد عرض المحتجون نعوشا باسماء الاطفال القتلى في بيشاور، وقالت سندس هورين، وهي محامية في التاسعة والعشرين من لاهور، ان الحدث قد يشكل منعطفا، واضافت "نشهد انضمام مزيد من الناس الينا لأنهم يتفقون معنا في الراي. بدأت أصواتنا تصل الى من هم خارج فئات النخبة. لم يعد بوسع الناس ان يحتملوا اكثر عندما يتعرض الأطفال للقتل".