أخبار الآن | دمشق – سوريا – (هلا البلخي): 

هناك من لديه في طريقه ما لا يقلّ عن أربعة حواجز يومياً، ما يعني زمنياً ثلاث ساعات، هذا الوقت قد يقضيه المواطن العالق بزحمة الحواجز في التفكير بمصيره ومصير عائلته والقيام بالعمليات الحسابيّة لتوزيع المصروف الشهريّ أحياناً !

“نور” طالب في كليّة الزراعة يقول: “في أيام الامتحانات لا أنهي كلّ ما هو مطلوبٌ مني إنهاؤه للامتحان في المنزل، أستيقظ باكراً وأتوجّه إلى الكليّة، وهناك على الطريق وبفضل الزحمة الشديدة يكون لديّ متسّعٌ من الوقت لأكمل دراستي ! “.

 اعتاد أهالي دمشق التحايل على الطرقات لتجنّب زحمة الحواجز ما أمكن، لا سيّما سائقي سيارات الأجرة الخبيرين بالحارات والشوارع والذين باتوا يطلقون عليها على الحواجز اسم (الخوازيق).

 ولكن في نهاية المطاف لابدّ من الوقوف على الحاجز وإشهار البطاقة الشخصيّة وتلقّي الأسئلة الفضولية من العساكر والضبّاط مثل: “لوين رايحين؟ .. شو بتشتغل؟ .. شو رايح تعمل هنيك ؟”

 “أكرم” سائق سيارة أجرة يقوم ببيع الجوارب لزبائنه في السيارة يقول:”كان عندي محلّ جرابات بزملكا، قدرت طالع البضاعة منه قبل ما أنزح و ببيعها للزباين ونحنا ناطرين دورنا على الحاجز .. كلما انعجقت بطالع الكيس من تحت الكرسي وبسأل الزبون يلي معي .. لازمك جرابات أخي ؟ “.

يَصِف السّوريون مدّة الانتظار قبل الوصول إلى الحاجز العسكري بالجحيم، ويقول أحدهم: ” كلّما اقترب دوري على الحاجز، أتفقّد بطاقتي الشخصية كالمجنون، ضارباً يدي على جيوبي بقوّة في كلّ مرة، وغالباً ما تكون البطاقة أمام عيني على ( التابلو ) حيث وضعتها بعد آخر حاجزٍ ، منذ دقيقتين فقط !”.

 يبقى الخطّ العسكري على الحاجز -طريق مخصص لقوات النظام- هو حلم السوريين، ينظرون إليه كالمحرومين وهم في طريقهم إلى الخط المدنيّ المزدحم.

 هو خطّ للعسكريين فقط، ولكنّ السنوات الثلاث التي مضت علّمت الناس التحايل على كل ما هو صعب لتجاوز المحن والبقاء على قيد الحياة في ظلّ الظروف المادية والمعنوية السيئة.

 ومن هنا جاءت فكرة ( الهويّات البديلة و كلمة السر )، فيقول أحدهم: “لستُ عسكرياً، إلّا أنني أمرّ على الخطوط العسكرية دائماً، يستلزم الأمر فقط بطاقة غير البطاقة الشخصيّة، كبطاقة نادي أو نقابةٍ ما، يتمّ إشهارها في وجه الضابط برشاقة وثقة مع عبارة توحي بأنك من مؤيدي النظام أو من جماعته كعبارة: ” كيفك يا غالي ؟ ” أو ” مرحبا يا حبيب ” باللهجة الساحلية. ويضيف بثقة متخمةٍ بالسخرية: يحتاج الأمر إلى بعض الجرأة والمجازفة والكاريزما ليس إلّا .

 هي هيستيريا الخوف من المفاجآت ما زالت تعمّ أرجاء مدينة دمشق، ويعرف الأهالي جيداً بأن انتظار دورك على الحاجز كثيراً ما يتسبّب بموتك نتيجة انفجارٍ سيارة مفخخة أو قذيفة هاون طائشة أو أن ينتهي بك الأمر معتقلاً على الحاجز نتيجةً لتشابه الأسماء، أو أن تعبر بسلامٍ ، قابضاً أنفاسك مرةً أخرى بانتظار الوصول إلى الحاجز التالي.

– الرسم للفنان أحمد جلل “كفرنبل”