دمشق، سوريا، 13 مارس، (تيم العكس، أخبار الآن) –

“ألف دولار مبلغ قليل، عليك أن تزيد السعر قليلاً، هذا ابن تاجر”، جمل افتتاحية تبدو مألوفة في سوق غير مألوفة، البضاعة فيها أشخاص من لحم ودم، مخطوفون على حواجز طيارة تقيمها مجموعات مسلحة في مناطق كثيرة على الأراضي السورية، مجموعات من دون هوية، أو أن هويتهم تتحدد حسب الزبون، فإذا كان موالياً ينتحلون صفة الجيش الحر، وإذا كان معارضاً فإنهم بلمحة عين يصبحون من الشبيحة أو اللجان الشعبية أو ما يسمى بالدفاع الوطني.

عصابات مطعّمة بعناصر مخابرات
تتكون هذه المجموعات في الأغلب من الطامحين إلى ثراء سريع بالشراكة مع أصحاب سوابق (جنائيين) ويختلف قوام هذه المجموعات حسب مناطق عملها، ففي المناطق التي يسيطر عليها النظام، تكون هذه المجموعات مطعّمة بعناصر من أجهزة المخابرات، يعملون على إدارتها ضمن استراتيجية إرهاب المدن، فتقوم بخطف المدنيين، وتتعامل مع عصابات في مناطق ومحافظات أخرى، فتبيع لهم المخطوفين في حال تعسرت مفاوضات الفدية، أو أنها تدفع بالوسطاء الذين تتعامل معهم لإنجاز صفقات فك المخطوفين مقابل مبالغ مالية تصل إلى 20 مليون ليرة سورية في حالات كثيرة. وفي حال عدم اتمام هذه الصفقات، يدخل المخطوفون في سوق البيع والشراء مع مجموعات أخرى، بعضها يرتبط بعصابات دولية لتجارة الأعضاء.
أما في المناطق المحررة فيبدو عمل هذه المجموعات أكثر سهولة، في ظل الفوضى الشاملة، وكثير من أفرادها جنائيون وقتلة مأجورون ازدهرت أعمالهم في السنتين الأخيرتين، يتخذون من الحاجة للتمويل غطاءً لعمل مجموعاتهم. إلا أن هذه الظاهرة بدأت تتراجع في المناطق المحررة نتيجة ضغط الجيش الحر، وفي المقابل فإنها تتزايد في مناطق سيطرة النظام.

خطف في الحجر الأسود
“وسيم ح” كان أحد ضحايا هذه المجموعات في الحجر الأسود جنوب دمشق، لم يشفع له أنه كان أحد الداعمين بالأغذية والأدوية لفصائل الجيش الحر المتواجدة في المنطقة، لا سيما وأنه يمثل صيداً ثميناً بحكم إدارته شركة هندسية مقرها على أطراف الحجر الأسود من ناحية السبينة. يقول وسيم ” لم أرى وجوه الخاطفين طوال فترة احتجازي، ولكنني كنت دائماً أسمع أحاديثهم، عندما اقتادوني من الحاجز، اعتقدت أنهم من الجيش الحر، لكنني عرفت لاحقاً أنهم ليسو كذلك، ليس هناك ما يدل على أنهم يقاتلون على جبهة ما، هدّدوني بالقتل أو بالبيع لجبهة النصرة، كانت الفدية التي طلبوها في البداية هي مليون دولار، لكنهم بعد أن تأكدوا أنني أدير الشركة ولا أملكها تراجعوا وقبلوا بثلاثة ملايين ليرة سورية، كان معي في المكان الذي احتجزوني فيه شخص اشتروه من الغوطة الشرقية بنصف مليون ليرة، وهو من سكان دمشق، وبعد فترة من الإفراج عني، عرفت أنهم عصابة خطف معظمها من الغرباء عن المنطقة “. تتراوح أسعار المخطوفين بين المئتي ألف ليرة والخمسة ملايين ليرة، وقد تصل في حالات خاصة إلى أكثر من 20 مليون ليرة إذا كان المخطوف من أبناء الأسر الغنية أو رجال الأعمال.

تم بيعه مرتين
قد يحدث في حالات كثيرة أن يعجز الخاطفون عن التعامل مع أهل المخطوف، فيقومون ببيعه لمجموعة أخرى، وهذا ما حدث مع (عمر. د) ، كان قد اختطف على طريق دمشق السويداء، وتم بيعه مرتين، الأولى لمجموعة تعمل في ريف دمشق، ومرة أخرى لمجموعة تعمل في ريف درعا الشرقي، وفي المرتين يقدمه البائعون على أنه ابن تاجر، في المرة الأولى كان سعره ألف وخمسمائة دولار فقط، وفي المرة الثانية بيع بألفين وخمسمائة دولار، قبل أن تتمكن عائلته الفقيرة من افتدائه بمبلغ خمسمائة ألف ليرة سورية، يقول عمر: ” بعد أن خطفوني اكتشفوا أنني من عائلة فقيرة، فقرروا بيعي بأسرع وقت ممكن، وكنت أتلقى منهم معاملة شديدة السوء لكوني فقيراً، وخلال 24 يوم التي اختطفت فيها لدى المجموعات الثلاث قدموا لي وجبة واحدة كل يومين، لم يخطر لي أن الناس يمكن أن تباع وتشترى بهذه الطريقة “.

تنتهي على يد الجيش الحر
تزداد هذه التجارة في مناطق التماس الطائفي لتغذي بشكل دائم مخطط النظام في توسيع الشرخ بين مكونات المجتمع السوري، ويرى كثيرون أن هذه الجماعات مرتبطة مباشرة بالأجهزة الأمنية أينما كانت، وهذا ما أكده أبو عبادة الحمصي أحد قادة الجيش الحر في درعا: ” لا يخلو الأمر من وجود عصابات خطف في أماكن مختلفة، قبضنا على أكثر من مجموعة بعد تكرار حالات خطف، وبعد التحقيق تبين أن بينهم دائماً أحد عناصر أمن النظام، هناك مخطوفون في مناطق أخرى تم بيعهم لهذه العصابات، وقد حررنا عدداً منهم كانوا قد خطفوا في ريف دمشق وحمص والسويداء، وحولنا أفراد هذه العصابات للمحكمة الشرعية “. ليس متوقعاً أن تتوقف هذه الظاهرة في المرحلة الحالية، لكن جهات كثيرة مهتمة بإعادة تنظيم العمل المدني والقضائي في المناطق المحررة، تلاحق هذه الظاهرة وتتعاون مع الجيش الحر الوطني للقضاء عليها.