بيروت، سوريا، 13 مارس، (مالك ابو خير، أخبار الآن) –

لا يهم بالنسبة لها أن تنظف منزلاً أو تقوم برعاية أطفال، بالرغم من أنها خريجة جامعية في علم اجتماع، لكن من المهم لها أن تكسب ثمن رغيف الخبز وأجرة الغرفة التي تسكن فيها مع والدتها في إحدى ضواحي العاصمة بيروت، قصة بدأت باعتقال استمر عدة أسابيع من قبل إحدى الأفرع الأمنية بدمشق وسبب اعتقالها كان لإستخدامها رهينة حتى يسلم أخوها نفسه كونه مطلوبًا من قبل الأمن السوري، وتم الإفراج عنها بعد تسليم أخيها نفسه.

وبعد وصول خبر وفاته تحت التعذيب خرجت هي ووالدتها وأختها الصغيرة إلى لبنان أملاً في بدء حياة جديدة خالية من رعب الاعتقال، استخدمت “سناء” اسمًا مستعارًا لكي تروي قصتها فتقول: “لا يهم انني اليوم أصبحت خادمة في المنازل لكن ما يهم أنني أنام في منزل وامتلك ثمن رغيف الخبز أنا ووالدتي وأختي، فنحن وصلنا هنا واضطررنا للنوم في الشارع تحت أحد الجسور حتى استطعت إيجاد غرفة تأوينا، ولا يوجد لدينا أي معيل، وحين أقوم بتنظيف المنازل لا أفكر بأنني طالبة جامعية حتى أن شكلي بات لا يوحي أنني في الرابعة والعشرين من العمر، بل تقاسيم وجهي باتت تبدو للجميع أنني تجاوزت الأربعين نتيجة القهر الذي يعيش في داخلي”.

“هناء” اسم مستعار هو الآخر لصبية باتت اليوم مسؤولة عن أربعة أخوة وأب مصاب بعجز نتيجة تعرضه لقذيفة، حالياً تسكن في ورشة للسيارات بمدينة طرابلس اللبنانية وهذا ما حولها من موظفة سابقة في احدى الدوائر الحكومية في سوريا إلى خادمة في المنازل ومربية أطفال فتقول:” من الطبيعي أن اعمل خادمة فلبنان لا يتوفر فيها فرص العمل للبنانيين فما بالك بمليون لاجئ سوري، لا أتعرض للذل أو الاهانة الحمد الله، لكن يكفيني قهراً أن اتحول من موظفة اتقاضى راتباً شهرياً الى خادمة في منزل، لم يعد امامنا كسوريين كثير من الحلول في دول  اللجوء بل علينا ان نتأقلم مع الواقع المفروض علينا ونتحمله، فلا يكفيني وفاة العديد من اقاربي واعتقال عدد أخر بالاضافة الى ان منزلنا تحول ركام بعد القذيفة التي دمرته واصابت والدي”.

“ربا” في السابعة والعشرين من العمر، الا ملامح وجهها تدل على انها في الخمسين واكثر، تظهر على وجهها آثار التعب والشقاء فيما يديها تعاني من حالة رجفان دائم بالاضافة إلى انها تعاني من هبوط في ضغط الدم، تعمل هي الأخرى في تنظيف إحدى المشافي بالرغم من انها خريجة ادب فرنسي:” في الثورة قدمنا كل ما نستطيع وسجن من سجن منا وكثير من أقاربي مازال مصيرهم مجهولاً لليوم منذ اعتقالهم، واليوم بعد نزوحي الى هنا اعمل في تنظيف المراحيض وفراش المرضى وغير ذلك كله في سبيل عدم مد اليد للغير والتسول، ولكن ما يؤلم ان كل من يجب أن يقوم براعيتنا وتقديم العون لنا تجدها بعيدة كل البعد عنا، فلا وجود او تمثيل لهم نذهب اليه ولا وجود لهم على ارض الواقع هم بالنسبة الينا مجرد مواد اخبارية نشاهدها على التلفاز لا أكثر وكأنه كتب علينا ان ندفع ثمن كل شيء وحدنا دون اي يقف معنا احد حتى من هم محسوبين على الثورة”.