تونس ، 28 يناير 2014 ، أ ف ب  –

وقع رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان في تونس الاثنين دستور “الجمهورية الثانية” الذي صادق عليه المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) بأغلبية ساحقة ليلة الاحد الاثنين، وذلك بعد مضي ثلاث سنوات على اندلاع “الثورة” في تونس مهد “الربيع العربي”.
والثلاثاء سيصوت المجلس التاسيسي على منح الثقة لحكومة مستقلة برئاسة المهندس مهدي جمعة يفترض ان تحل محل الحكومة المستقيلة التي تقودها حركة النهضة الاسلامية، وتسيّر البلاد حتى اجراء انتخابات عامة.
             
والاثنين تم التوقيع على الدستور الذي يشتمل على “توطئة” و149 فصلا، خلال جلسة عامة استثنائية انعقدت بمقر المجلس الوطني التأسيسي وحضرها ممثلو دول وبرلمانات أجنبية ومواطنون.
             
ووقع الدستور رئيس الجمهورية محمد المنصف المرزوقي ورئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر ورئيس الحكومة المستقيلة التي تقودها حركة النهضة الاسلامية، علي العريض.
             
وخلال توقيع الرؤساء الثلاثة على “دستور الجمهورية الثانية” (وفق تعبير مصطفى بن جعفر) سادت فرحة عارمة داخل المجلس التأسيسي حيث تعالت زغاريد نائبات، ومواطنات حضرن الجلسة الاستثنائية.
             
وقبل توقيع الدستور، قال الرئيس التونسي في خطاب توجه به الى اعضاء البرلمان ان المصادقة على هذا النص تمثل “انتصارا” لتونس وللشعب التونسي على “الدكتاتورية” في اشارة الى نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي الذي اطاحت به “ثورة” 14 كانون الثاني/يناير 2011.
             
وأكد المرزوقي “هذا يوم اكتمال انتصارنا على الدكتاتورية المقيتة التي أطحنا بها. وهذا اليوم هو تواصل لانتصارنا على الارهاب الذي حاول عبر اغتيال شهيدي الشعب شكري بلعيد ومحمد البراهمي إيقاف مسلسل التحرّر الفكري والسياسي الذي يجسده دستورنا الذي نحتفل به”.
             
وفي 2013 قتل مسلحون المعارض اليساري البارز شكري بلعيد، المعروف بانتقاده الشديد لحركة النهضة الاسلامية الحاكمة، ومحمد البراهمي النائب المعارض بالمجلس التاسيسي وحوالي 20 من عناصر الأمن والجيش في عمليات نسبتها وزارة الداخلية الى الجماعة السلفية المتشددة “أنصار الشريعة بتونس” التي صنفتها تونس والولايات المتحدة تنظيما “ارهابيا”.
             
وفجّرت هذه العمليات ازمة سياسية حادة في تونس.
             
وتابع المرزوقي “هذا الدستور خطوة على الطريق..الطريق مازال طويلا..مازال أمام العقل الجماعي الذي كتب هذا النص، أمام الإرادة الجماعية التي فرضته، الكثير والكثير من العمل لتصبح قيم الدستور جزءا من ثقافتنا العامة والفردية ولتصبح مؤسساته الديمقراطية جزءا من تقاليد راسخة لا يهمها مجيء زيد ورحيل عمرو”.
             
وذكر الرئيس التونسي بأنّ بلاده التي وجدت نفسها “أحيانا بين فكي كماشة الارهاب والفوضى” ،خلال السنوات الثلاث الاخيرة، تمكنت من “تجنب ويلات العنف وعدم الاستقرار”.
             
من ناحيته قال مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي في خطاب، ان “التوافق” بين اسلاميي حركة النهضة واحزاب المعارضة العلمانية الممثلة في المجلس التأسيسي “كان خيارا استراتيجيا عند كتابة الدستور” الذي “يبني لدولة القانون والمؤسسات..والحكم الرشيد..ولدولة مدنية ديمقراطية حديثة” وفق تعبيره.
             
وأضاف بن جعفر “أمامنا الآن تحديان: بناء المؤسسات الديمقراطية، وربح معركة التنمية التي دونها يكون كل البناء مهددا وعلى حافة الخطر”.
             
وأشاد بقوات الجيش والأمن في بلادة من أجل “وقوفها مع +الثورة+ وتأمينها للمسار الانتقالي والتزامها بالحياد”.
             
وتابع ان المجلس التأسيسي سوف “يعمل في الايام القادمة على انجاز القانون الانتخابي وتحديد موعد الانتخابات” العامة المقبلة وذلك بالتعاون مع الهيئة المستقلة المكلفة بتنظم هذه الانتخابات.
             
وسينشر الدستور بعد توقيعه في الجريدة الرسمية للبلاد على ان يدخل حيز التنفيذ تدريجيا في انتظار انتخاب برلمان ورئيس جديدين.
             
وليل الاحد الاثنين صوت مئتان من اصل 216 نائبا شاركوا في عملية الاقتراع، بـ”نعم” على الدستور في حين صوت ضده 12 نائبا وامتنع اربعة نواب عن التصويت.
             
وهذا الدستور هو الثاني في تاريخ تونس منذ استقلالها عن فرنسا سنة 1956.
             
وإثر الاطاحة مطلع 2011 بنظام الرئيس السابق بن علي، علقت تونس العمل بالدستور الاول الذي صدر سنة 1959.
             
إلى ذلك يصوت المجلس التأسيسي الثلاثاء على منح الثقة لحكومة مستقلة برئاسة مهدي جمعة يفترض ان تحل محل الحكومة المستقيلة.
             
وقالت النائبة كريمة سويد مساعدة رئيس المجلس التاسيسي المكلفة الاعلام على حسابها في “تويتر” ان المجلس سيعقد الثلاثاء بداية من الساعة 11.00 (س 10.00 ت غ) جلسة عامة سيتم خلالها تقديم تشكيلة حكومة مهدي جمعة، على ان يتم “بعد الظهر” التصويت على منح  الثقة لهذه لحكومة.
             
وليلة الاحد، قدم جمعة (52 عاما) الى الرئيس التونسي محمد المنصف المرزوقي تشكيلة حكومة غير متحزبة تضم 21 وزيرا و7 كتاب دولة (وزراء دولة).
             
ولكي تحظى حكومة مهدي جمعة بثقة المجلس التأسيسي، يتعين ان تصوت لها “الاغلبية المطلقة” من النواب (109 نواب من إجمالي 217)، وذلك بحسب “التنظيم (القانون) للسلط العمومية” الصادر نهاية 2011.
             
وكان الرئيس التونسي كلف في 10 كانون الثاني/يناير 2014، مهدي جمعة بتشكيل حكومة مستقلين ستحل محل الحكومة المستقيلة التي تقودها حركة النهضة الاسلامية، وذلك وفقا لبنود “خارطة طريق” طرحتها المركزية النقابية القوية لاخراج البلاد من أزمة سياسية حادة.
             
وكانت 9 أحزاب سياسية (بينها حركة النهضة) من أصل 19 حزبا شاركت يوم 14 كانون الاول/ديسمبر 2013 في “الجلسة العامة للحوار الوطني” الذي ترعاه المركزية النقابية، صوتت على ترشيح مهدي جمعة لرئاسة حكومة مستقلة.

د. فتحية السعيدي عضو المكتب التنفيذي  للمسار الديمقراطي الاجتماعي