هل تهدأ جبهة شرق سوريا؟ بيانات متناقضة من عشائر الفرات وقسد مطالبة بالاستجابة لمطالب الأهالي

أهلاً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع من المرصد نغطي فيها الفترة من ٢٨ أغسطس إلى ٣ سبتمبر ٢٠٢٣. في عناوين هذه الحلقة:

  • توافق نادر في مناطق هتش والمعارضة المدعومة تركياً على ضرب الأكراد؛ فيما يحذر خبراء من إضعاف جبهة مقاومة داعش
  • كيف ينتهك قرار حظر ”العباية“ في المدارس الفرنسية علمانية الدولة؟ حقوقية فرنسية تتحدى القرار بسؤال: هل ينطبق الحظر على الماكسي؟!
  • تخاذل أممي في مواجهة انتهاكات الصين لحقوق الإيغور

ضيف الأسبوع، عمر أبو ليلى، الخبير السوري المتخصص في ديناميات الحوكمة والأمن في شمال سوريا، ورئيس تحرير موقع دير الزور 24 الإخباري.

جبهة سوريا الشرقية

في أحداث المنطقة الشرقية من سوريا، مجديٌ أن نسرد الحقائق أولاً.

في 27 أغسطس، اعتقلت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) رئيس مجلس دير الزور العسكري أحمد الخبيل أبا خولة – أحد ممثلي المكون العربي في المنطقة. الاعتقال تمّ في مدينة الحسكة حيث قيل إن الرجل استُدرج إلى هناك. في يوم 30 أغسطس، قالت قسد في بيان إنها عزلت أبا خولة لأسباب جنائية تتعلق باستغلاله منصبه لمصالح خاصة وأخرى تتعلق ”بالتنسيق مع جهات خارجية معادية للثورة.“ قسد كانت عينت أبا خولة على هرم المجلس في 2016.

وهكذا بدأ القتال بين قسد وعشائر عربية لما رأوا أنه تطاول كردي على المكون العربي يُضاف إلى امتعاض شعبي متأزم منذ سنوات. العرب في المنطقة يرون أن قسد غير جادين في شراكة حقيقية.

المرصد رقم 208 | داعش يتفرج على الاقتتال شرق سوريا ويوجه أنصاره إلى الحشد

وفيما قالت قسد إنهم يمشطون المنطقة – دير الزور ومحيطَها – ضمن عملية أمنية لملاحقة خلايا داعش؛ قالت العشائر إنهم يقاتلون معركة مصيرية ضمن ”انتفاضة عربية.“

بعد أيام من القتال، تدخل التحالف الدولي بقيادة أمريكا ”لمناقشة أوضاع دير الزور والتدخلات الخارجية فيها.“ بيان حول اجتماع بين التحالف وقسد وشيوخ عشائر بتاريخ ٣ سبتمبر قال إن الجميع يقف ”في صف واحد ومتفقين.“

وفيما بث موقع قسد رسائل من عشائر عربية ضمن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تدعو إلى التهدئة؛ ظهر شيخ من عشيرة العكيدات اسمه إبراهيم الهفل مكذباً انعقاد جلسة المفاوضات تلك مع التحالف ومعتبراً أن لجنة هو أسماها هي التي تمثل العشائر في أي اتفاق مع التحالف ”إذا حدثت مساعي جادة للبحث عن حلول“ لما يجري.

من ناحية أخرى، وبشكل مفاجئ ولافت، نشرت ذات الحسابات الموالية للهفل بياناً من شيخ آخر من العكيدات هو هفل عبود شيخ جدعان الهفل، يدعو فيه إلى وقف إطلاق النار شرق الفرات وذلك ”بعد التشاور“ مع أبناء عشيرته.

اعتبر هفل عبود أن ”استمرار القتال بين الطرفين لن يؤدي إلا إلى الفوضى وتمكين للجهات الخارجية والأطراف الأخرى المتربصة في تحقيق مشاريعها الخاصة.“ هذا الكلام لم يرق لمعارضي قسد، كما سيأتي لاحقاً.

داعش يتفرج

إذاً، هذه حقائق. أبرزها الامتعاض العربي من معاملة قسد وهو الذي يُجير للكرد. حقيقة أخرى، هي أنه رغم هذا الخلل الفادح، تظل المؤسسات العسكرية والمدنية المشتركة – عرباً وكرداً وأرمن وسريان –  تشكل جبهة قوية ضد داعش أثبتت نجاحها في تحرير شمال سوريا: تل أبيض وعين عيسى في 2015 وصولاً إلى تحرير الرقة ودير الزور في 2017؛ وقبل هذا حصن هذا التعاون المدن والبلدات الكردية خاصة بعد مجزرة كوباني في رمضان 2015.

أهل المنطقة من كوباني إلى البوكمال يدركون جيداً ومن التجربة الأليمة أن داعش لن يستغرق طويلاً قبل أن يجد ثغرة ينفد من خلاها. وهذا ما حذر منه باحثون بغض النظر عن موقفهم من هذا الطرف أو ذاك.

المرصد رقم 208 | داعش يتفرج على الاقتتال شرق سوريا ويوجه أنصاره إلى الحشد

الباحث تشارلز ليستر من معهد Middle East Institute قال:  ”هذا ليس صراعاً عربياً كردياً؛ ولا انتفاضة قبلية ضد التحالف الذي تقوده أمريكا. إنما هو دليل فشل في الاستجابة المعمّقة والواجبة للغضب الذي عاشته دير الزور. لم يفت الوقت لإنقاذ الموقف. للدير دور محوري في مكافحة داعش.“

آرون زيلين من معهد Washington Institute أبدى امتعاضه من بيان أمريكي بخصوص الاجتماع مع قسد وشيوخ العشائر وقال: ”يعني لم تقدموا لهم حلاً وإنما قدمتم لهم أجندة اجتماع لن تغير المسار الحالي؛ فيما يقبع داعش متحيناً الفرصة.“ زيلين كان حذر في دراسة مستفيضة مطلع العام من خطر عودة داعش في حال وجود فراغ أمني يبدأ بانسحاب محتمل للقوات الأمريكية وتآكل لقوات قسد. (المقابلة مع الدكتور زيلين في الحلقة 195من هذا البرنامج.)

بالفعل، داعش ينتظر. صحيفة النبأ الأسبوعية الصادرة عن ”ديوان الإعلام المركزي“ في التنظيم وفي عددها رقم 406 بتاريخ  31 أغسطس 2023، سخرت من الاقتتال الحاصل وقالت: ”فبعد أن كانوا بالأمس القريب يقاتلون كتفا إلى كتف … ها هم اليوم أنفسهم يقتل بعضهم بعضا ويلعن بعضهم بعضا.“ داعش دعا أنصاره إلى انتهاز الفرصة باستقطاب أبناء المنطقة ليعودوا سيرتهم الأولى.

تحالف ضد الكرد

في حالة نادرة، توافق أنصار هيئة تحرير الشام ومعارضوها على مساندة العشائر العربية ضد الأكراد في المنطقة الشرقية.

هيئة تحرير الشام من خلال جناحها ”المدني“ نشرت بياناً بعنوان ”الانتفاضة العربية في دير الزور“ اعتبرت فيه أن ”حزب العمال الكردستاني“ تسلل إلى المنطقة ”ليدفع أجندته تجاه العبث بهوية المنطقة وثقافتها؛“ ودعت إلى خروج مظاهرات في الدير والحسكة دعماً للعشائر.

القيادي في الهيئة، عبدالرحيم عطون، دعا لعشائر دير الزور ”وعموم المنطقة الشرقية“ بوحدة الكلمة.

وكذلك معارضو الهيئة اجتمعوا على مناهضة قسد.

حساب أبو يحيى اعتبر أن ثمة فرصة  ”لتحرير“ دير الزور من قسد. حساب أس الصراع في الشام كتب أن ”قسد أخطر من الأسد“ على أساس أن ”الأسد يطالب بوحدة سورية … (لكن قسد) تريد الانفصال.“

رغم هذا التوافق بين أنصار الهيئة ومعارضيها حول معاداة الأكراد، إلا أن كلاً منهم وجد مدخلاً لضرب الآخر.

حساب أبو هادي المعارض اعتبر أن تأييد الهيئة للعشائر العربية غير حقيقي وقال: ”من كانت عينه على اعزاز … فهذه منبج تنتظر من يحررها.“ منبج تقع ضمن الإدارة الذاتية.

حساب أبو يحيى الشامي علّق على منشورين من تاريخ 17 و30 أغسطس تباعاً. الأول عن تجميد الهيئة مهام أبي ماريا القحطاني ”لإساءة تواصلاته“ والثاني عزل قسد أبا خولة ”لتواصله مع جهات خارجية.“ علّق أبو يحيى: ”طريقة واحدة لتنحية رفاق الدرب الملطخ بالموبقات.“

في المقابل، علّق حساب إدلب بوست الموالي للهيئة على حراك الجيش الوطني المدعوم تركياً تجاه العشائر وكتب ”الجيش الوطني ينصر دير الزور بفتح معبر، أما فتح معركة فهذا ما من اختصاصهم.“ الهيئة تعارض الجيش الوطني السوري الذي يؤيده معظم معارضيها.

حتى عبدالله المحيسني، الشرعي المستقيل من الهيئة والمعتزل العمل ”السياسي“، كتب عن ”ثورة جديدة“ شرق سوريا توسّع ”مناطقنا المحررة.“

حصة القاعدة

في إعلام القاعدة الرديف، لم نرصد كثيراً من ردود الفعل. برز ما جاء في قناة اليقين وفيه أن ”ما يحصل في الشام يدفع للتفاؤل الحذر … فقيام العشائر العربية هذا القيام، قد يعيد لها الثقة بالنفس في مواجهة الأكراد والخوارج، …. وما يدفع للحذر هو الخوف من أن يكون الأمر مجرد حالة من الهياج غير المنضبطة.“

فرنسا تتخبط من الحجاب إلى العباية

إذ تنشغل فرنسا في اختبار تجارب السخافة؛ دخل حيزَ التنفيذ يوم الاثنين ٤ سبتمبر، قرارٌ فرنسي يحظر على الطالبات المسلمات ارتداء ”العباية.“

هذا القرار لا يزال جدلياً في فرنسا التي حظرت على الطالبات ارتداء الحجاب منذ العام 2004 وعلى الرياضيات منذ العام الماضي 2022. معارضو القرار اعتبروا القرار إجراءً آخر ضمن حملة ”الإسلاموفوبيا.“

وفيما تقول الحكومة الفرنسية واليمين المتطرف إن القرار يعزز ”علمانية“ الدولة، يلفت المعارضون إلى أن القرار فيه مخالفة تنتهك أصل الفصل بين الدين والدولة.

تلفت في هذا الإطار سلسلة تغريدات للباحثة القانونية الفرنسية، ريم سارة علوان، التي تطرح مسألة تعتقد أنها ستحيّر القانونيين الفرنسيين مستقبلاً. تتساءل ريم سارة: ”ما الذي يحدد ما هو العباية كفستان طويل فضفاض؟ هل سيخضع الأمر للتنميط وهو أمر مخالف للقانون؟ أم أن المدارس مطالبة بأن تكون شرطة أزياء؟ … إذا ارتدت طالبة مسلمة وأخرى غير مسلمة فستان ماكسي (طويل) نفسَه، فكيف يكون منطق التعامل مع الاثنتين؟ هل ستُطرد الطالبة المسلمة دون سواها؟“

وهذا يقود ريم سارة إلى جدلية تعريف العباية. فتعرض صور فساتين طويلة فضفاضة وتسأل: ”هل هذا عباية أم لا؟“ تجيب: ”هذا فستان من ماركة Dolce & Gabbana … (وذاك) من ماركة H&M.“ وتخلص إلى أنه ”إن اتبعنا منطق الحكومة الفرنسية، فإن ارتدت المسلمة هذا الفستان خالفت قانون العلمانية.“

وعليه فإن قرار الحكومة هذا إنما ”يعمّق الفوارق في المجتمع الفرنسي.“

وتزيد: ”إن قررت الطالبات المسلمات ترك المدارس الحكومية إلى مدارس خاصة، اتُهمن بالفصل (العنصرية).“

ومرة أخرى تسأل ريم سارة: ”ثم من يحدد إن كان مردُّ الفعل دينياً أم لا ديني؟“

ريم سارة، الباحثة القانونية، تحذر أيضاً من تحرك مقبل في فرنسا لحظر ”القميص“ الطويل على طلاب الجامعة المسلمين. تقول: ”قرار حظر ارتداء ما يدل على الدين في المدارس لعام ٢٠٠٤ لا يمتد إلى الجامعات.“

وفي المحصلة، ترى ريم سارة أن الحكومة الفرنسية تنشغل بما هو غير مجدي. تقول: ”تخيلوا لحظة لو أن الحكومة الفرنسية وجهت طاقتها نحو إنقاذ المدارس الحكومية وخدماتها من العفن كما هي تبذل الجهد لتمحيص الطالبات المسلمات!“ وتزيد أن محاولات السياسيين هذه تستهدف غالباً الرموز الإسلامية كمن يصب الزيت على نار التوتر والانقسام.

مظلمة الإيغور

أبدى حقوقيون ومسؤولون امتعاضهم وإحباطهم من سلوك الأمم المتحدة المتخاذل في مظلمة الإيغور المسلمين.

يأتي هذا بمناسبة مرور عام كامل على تقرير أممي رسمي خلص إلى أن الصين تمارس انتهاكات خطيرة وموثقة في حق الإيغور في إقليم شنجان بحجة مكافحة الإرهاب.

في الأثناء، تمكنت شركة ميتا (فيسبوك) من إزالة أكبر شبكة ترويج صينية تكتشفها منذ بدأت استقصاء هذه الشبكات.

المرصد رقم 208 | داعش يتفرج على الاقتتال شرق سوريا ويوجه أنصاره إلى الحشد

هذه الشبكة التي يصل أعضاؤها إلى الآلاف تتخصص في مهاجمة منتقدي السياسة الصينية؛ وضخ ما يبيّض موقف الصين. في المحصلة، تسود هذه الدعاية التي تتدفق بما يفوق قدرة الخوارزميات على التمييز بين ما هو زائف وما هو حقيقي. هذا الكم الهائل من الضخ يصل إلى حساباتنا شئنا أم أبينا.

لكن المعركة الإلكترونية مستمرة. حسابات صينية على منصة إكس (تويتر سابقاً) استهزأت بما حصل ولفتت إلى أن الصين تملك تيكتكوك؛ كما أن مالك منصة إكس نفسَه له مصالح تجارية مع الصين وبالتالي، ما لا يصل من خلال ميتا، يصل من خلال إكس.

نفاق داعش

غادرت دفعة جديدة من عائلات داعش مخيم الهول باتجاه الرقة. في هذا الملف، يلفت ما نشره حساب قناة فضح عباد البغدادي والهاشمي هذا الأسبوع إذ يتساءل عن منهجية الترحيل هذه ودور التنظيم فيها.

ينشر الحساب رسالة أرسلها مسؤول التعليم في المخيمات إلى ”ولاة الأمر“ في داعش بتاريخ 1 يوليو 2022. يقول الحساب إن الرسالة ”تعكس حجم الإحباط الذي يعاني منه المسؤول بسبب عدم اكتراث ‘الراعي‘ لطلبات رعيته … ما أدى الى ترحيل العديد من (الأخوات) وتفاقم أوضاعهن النفسية والأمنية.“

في الرسالة، يطلب السائل كلاماً من ولي الأمر يحسم تساؤلات ساكنات المخيم. هل يسجلن في قوائم الترحيل؟ هل يتركن أطفالهن عند ”الملاحدة؟“ كما يشيرون إلى الأكراد.

يذكر هذا بما حدث في الباغوز وغيرها من معاقل داعش إبان معارك تحرير الرقة والموصل عندما أفتى كبار داعش بتحريم خروج المدنيين إلى ”دار الكفر“ واتخذوهم دروعاً بشرية في مواجهة قصف التحالف.