أهلاً بكم إلى حلقة هذا الأسبوع من مرصد الجهادية نغطي فيها الفترة من 5 إلى 11 سبتمبر 2021. العنوان الرئيس هذا الأسبوع: 

– في الذكرى العشرين لهجمات سبتمبر، هل تبحث القاعدة عن زعيم؟ 

– وكيف خدع بن لادن الملا عمر ليبرئ نفسه من جريمة تدمير أفغانستان؟

أي نوع من الرجال كان أسامة بن لادن؟ نعيد اليوم مقابلة أجريتها سابقاً مع الباحث الأردني الخبير في الجماعات الجهادية، حسن أبو هنية. يحدثنا أبو هنية عن نرجسية بن لادن وعن أخطائه في القيادة.

بن لادن خدع طالبان

يوم السبت ١١ سبتمبر ٢٠٢١، مر عشرون عاماً على هجمات نيويورك. تأتي الذكرى في وقت عاد فيه طالبان إلى حكم أفغانستان وهم الذين طردتهم أمريكا لأنهم وفروا الحماية لأسامة بن لادن عراب التفجيرات. فكان لهذا اليوم أهمية غير معتادة. أنصار القاعدة أعدوا لهذا اليوم منذ مدة. أطلقوا نسخة من مجلة “ذئاب منهاتن” وأعادوا نشر مذكرات أبي بصير الوحيشي من تلك الأيام. في هذه المذكرات المنشورة في ٢٠١٦ نقرأ كيف أن أسامة بن لادن خدع الملا عمر. قال بن لادن إن الملا عمر أذن له بالهجوم. لكن سياق الكلام يتحدث عن “مهاجمة اليهود” وفيما يتصل بصور من فلسطين أصرّ بن لادن على تمريرها للملا. لكن بن لادن كان خطط للهجمات وانتهى. بل إنه كان يسعى لتأخير موعد تنفيذها. فكان يعتقد أن أمريكا ستغزو أفغانستان، وتأخير الهجوم بالطائرات سيبدو رداً على الغزو. هذا كان هم بن لادن. أن يبدو للعالم نداً لأمريكا.

والحقيقة أن أمريكا لم تكن تعد لهجوم، فكانت أخذت وعداً من جلال الدين حقاني، نائب الملا عمر، بأن القاعدة وبن لادن “تحت السيطرة” وأنه لن يهاجم مصالحها. هذا بعد تفجير سفارتي نيروبي ودار السلام، كما جاء في مقال للصحفي الاستقصائي المتخصص تام حسين. 

بن لادن لم يأبه للملا عمر أو الأفغان. يروي الوحيشي أن مصطفى أبا اليزيد، كان من الذين اختلفوا مع بن لادن على جدوى الهجمات، وطلب الرجوع إلى “أمير المؤمنين” كشرط شرعي قبل التنفيذ. فرد بن لادن أن “أمير المؤمنين” سمح له بضرب اليهود وأن “الأمريكان هم الوجه الآخر لليهود.” ولم يبد بن لادن آبهاً بالملا عمر، فقال  إن “”الاستئذان من الأمير سيؤخر”  القتال. 

وبالعودة إلى مقال تام حسين، نقرأ أن الملا عمر واجه بن لادن بسؤال إن كان ضالعاً في هجمات سبتمبر، فنفى كاذباً؛ وصدقه عمر. وهكذا حمى طالبان بن لادن لأنه لم يكن لديهم دليل على تورط بن لادن؛ وبالتالي فإن “الضيافة الأفغانية” لا تسمح بتسليم ضيف خاصة إن كان مسلماً. 

ولفت من تعليقات مشايخ الجهادية على هذا اليوم، ما قاله السعودي ماجد الراشد أبو سيّاف في حسابه التلغرام. قال إن هدف بن لادن كان “جر أمريكا لغزو أفغانستان” وأن يقارعها في “حرب استنزاف لسنين،” هو وطالبان. لكن لا طالبان ولا القاعدة صمدوا. يتابع الراشد أنه “بحسب ظني أن طالبان لم تكن موافقة على العملية. والملا عمر حذر (بن لادن) من اي عملية خارجية، فلما حدثت العملية شعر طالبان أن البلد سيهدم وأن الناس سيقتلون، فطلب من المهاجرين العودة إلى بلادهم والتفرق في الأرض.” ولنذكر أن جماعة بن لادن ذهبوا إلى إيران فيما استقر هو في عزبة في أبوت أباد. 

 

الظواهري غائب رغم حضوره

ترقب أنصار القاعدة أمراً “ضخماً” يأتي من “العملاقة” السحاب الذراع الإعلامية للقاعدة المركزية – القيادة؛ ولمّا يأتِ هذا الأمر رغم إصدارين في ٢٤ ساعة. عشية الذكرى العشرين، نشرت السحاب إصداراً للظواهري. ولكن لخيبة أمل الأنصار كان كتاباً “جديداً” من ٨٥٢ صفحة، ليس فيه ما يتعلق بالمناسبة التي يعدها الجهاديون وغير الجهاديين معلماً غيّر العالم. الكتاب عن “الفساد السياسي” عبر تاريخ المسلمين يبدو حصيلة بحث انشغل به الظواهري طوال سنوات. وهذه الصفحات الـ ٨٥٢ هي المجلد الأول فقط. أهم ملاحظتين على أول ١١ صفحة: 

أولاً، تأريخ المقدمة بأبريل ٢٠٢١، هو بمثابة “إثبات حياة” أن الظواهري حيّ على الأقل في ذلك التاريخ. وسنعود لهذا الأمر بعد قليل. 

ثانياً، في الفقرات الأخيرة من المقدمة، يخلي الظواهري مسؤولية أي “شخص أو هيئة أو جماعة” عمّا جاء في الكتاب وأن الكتاب يمثله كشخص. وهنا نسأل: إذاً، لماذا تنشره السحاب وتروج له إن كان لا يمثل القاعدة؟ وهل فيه ما يعرض أفكار التنظيم؟ ولماذا يتصرف الظواهري كمؤلف وليس كقائد؟ 

ظل أنصار القاعدة متأهبين لإصدار آخر يوم ١١ سبتمبر. وبالفعل، بثت السحاب فيديو ظهر فيه الظواهري. لكن الرجل ظهر في عنوان لا يمت للذكرى بصلة. ولا يتعرض للحدث التاريخي وهو عودة طالبان للسيطرة على أفغانستان. الفيديو الذي امتد أكثر من ساعة كان استمراراً لحملة “القدس لن تُهوّد” وهو عنوان قديم تجدد خلال الأعوام الثلاثة الماضية مع نقل أمريكا سفارتها من تل أبيب إلى القدس. كما هي مرئيات الظواهري، لم يتعدّ الفيديو كونه سرداً تاريخياً، وإن كان معد تقنياً بشكل جيد. 

لكن لفت في هذا السرد أن ذكر الظواهري حوادث تنفي شائعات وفاته. ذكر هجوم حراس الدين في تل السمن فجر اليوم الأول من يناير ٢٠٢١. وأشار إلى إنسحاب أمريكي من أفغانستان، الذي هو على الأرجح إشارة إلى إعلان الرئيس الأمريكي الانسحاب في أبريل الماضي؛ لا الانسحاب في ٣١ أغسطس. وإلا فالأولى هو الإشارة إلى دخول طالبان كابول ورفعهم العلم. وهذا يتسق مع تأريخ مقدمة الكتاب الآنف الذكر. نستطيع أن نؤكد إذاً أن الرجل على قيد الحياة على الأقل حتى أبريل الماضي. 

أشار الظواهري إلى هجمات سبتمبر في موقعين اثنين فقط، من دون أن يتعلق ذلك بالمناسبة نفسها. كان حديثه عن الفعل عابراً. لا تزال السحاب عاجزة عن مواكبة الأحداث ومجرد التعليق على أحداث مفصلية وحاسمة. ويبدو أن الظواهري لم يعد آبهاً بالقيادة. هو منهمك في التأليف ويستخدم السحاب كدار نشر له. 

 

طالبان غائبة عن الظواهري 

لم يشر الظواهري إلى طالبان، لكنه أشار إلى أمرين سيسببان أزمة أخلاقية لدى أنصار القاعدة. 

أولاً، أشار إلى أن كل دولة تلتزم بميثاق الأمم المتحدة هي بالضرورة تعترف بإسرائيل باعتبارها عضواً في المنظمة الدولية. الآن، طالبان يسعون إلى الحصول على اعتراف دولي. وحاولوا في حكمهم الأول الانضمام إلى الأمم المتحدة. فماذا سيكون موقف الظواهري عندما يعيدون الكَرّة؟

ثانياً، يدعو “الأمة” إلى القتال متحدين “ففلسطين هي كشمير و .. إدلب هي كشقر، وكشقر هي وزيرستان.” كشقر هي أهم مدن إقليم شنجان أو تركستان الشرقية حيث يعيش الإيغور المسلمون شرق الصين. نقرأ هذا الكلام وطالبان لا يزالون يتمسحون بالصين ويرفضون الحديث عن اضطهاد الحزب الشيوعي الحاكم للإيغور.  

 

حكومة طالبان (الملاقراطية)

أعلن طالبان عن حكومتهم الانتقالية مؤلفة من ٣٣ وزيراً، كلهم باشتون إلا ثلاثة: طاجيكيان وأوزبكي. وليس منهم أي من الهزارة الشيعة. سبعة عشر منهم لا يزالون على قوائم الإرهاب الدولية ومنهم سراج الدين حقاني وزير الداخلية المطلوب أمريكياً.

رئيس الوزراء هو الملا محمد حسن أخوند وهو الرجل الذي دمّر تماثيل باميان التاريخية. الملا برادار عُيّن نائباً للرئيس. عارفون بالملف قالوا إن التشكيلة الطالبانية البحتة جاءت لتجنب اقتتال داخلي بين شبكة حقاني وجماعة دراني الذي ينتمي إليهم زعيم التنظيم هبة الله أخوندزادة والملا يعقوب ابن الملا عمر المؤسس، ومحمد حسن أخوند.  

 

طالبان وتعذيب الصحفيين

تعرض صحفيان أفغانيان للضرب والتعذيب على أيدي طالبان. صور التعذيب تشبه تلك التي يتناقلها السوريون لناشطين ومواطنين اعتقلوا في سجون هيئة تحرير الشام. أنصار القاعدة يتناقلون هذه الصور قدحاً بالجولاني. هذه تناقضات يتعين على الجهاديين أن يعترفوا بها. فهم من يقدمون أنفسهم على أنهم الأنقياء الذي سيخلصونا من شرورنا. 

وفي هذا الملف، انتشر هذا الأسبوع فيديو لشاب يتعرض للضرب عارياً في منطقة درع الفرات حيث الجيش الوطني الموالي لتركيا. بحسب الفيديو فإن الشاب كتب منشوراً على الفيسبوك يسيئ لأهل دير الزور. أبو محمود الفلسطيني الموالي للهيئة تحدث عن بلال عبدالكريم الصحفي الأمريكي الذي أثار جدلاً في الآونة الأخيرة بعد خصومته مع هيئة تحرير الشام وسجنه. بعد الإفراج عنه غادر بلال إلى مناطق درع الفرات. يسأل أبو محمود ساخراً: “لماذا يصمت (بلال) صمت القبور على فيديوهات التعذيب التي خرجت من سجون الجيش الوطني حيث يعيش؟”