ارتفاعات عشوائية في سوق العملة والذهب والسلع الاستهلاكية بمصر

خفضت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية، مؤخرا، نظرتها المستقبلية لمصر من “مستقرة” إلى “سلبية”، كما حذرت وكالة فيتش من تأثير الاضطرابات الإقليمية على وضع مصر الائتماني وسط تعقيدات عدة يواجهها الاقتصاد المصري.

تراجع مستمر لقيمة الجنيه المصري في السوق الموازي، لكنه يقابل بتقرير لبلومبرغ يؤكد أن الرهانات على تخفيض كبير في قيمة العملة المصرية بداية عام 2024، تراجعت، وذلك مع اقتراب القاهرة من التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، بشأن حزمة مساعدات أكبر.

خفضت مصر من قيمة عملتها 3 مرات منذ مطلع عام 2022، مما تسبب في فقدان العملة المحلية لنصف قيمتها أمام الدولار الأمريكي في السوق الرسمية حيث بلغ السعر الرسمي للدولار عند حاجز 30.9 جنيها، إلا أنه يصل في السوق السوداء إلى حوالي 70 جنيها.

كما ارتفع سعر الذهب ارتفاعًا كبيرًا- مثله مثل باقي السلع والخدمات- مما جعل الدولة تقوم بحملات لضبط المتسببين في ارتفاعه.

الاقتصاد المصري إلى أين؟ خبراء يجيبون لـ"أخبار الآن"

تحديات عدة

وواجهت مصر عدة تحديات أثرت على قدرتها على الوفاء بالتزاماتها الدولارية، من بينها انخفاض عائدات قناة السويس بنسبة 70% في الأسابيع الأولى من عام 2024، وهي أحد مصادر العملات الأجنبية في مصر، وانخفاض عوائد السياحة، وتحويلات العاملين للخارج، ووجود سوق سوداء للدولار بفارق كبير عن السعر الرسمي، مما أثر على سوق العملات الأجنبية لمصر.

وأدت الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة، وأعمال عنف مرتبطة بها في الشرق الأوسط، إلى تعرض مصر ولبنان والأردن، وهي دول جوار لطرفي الصراع، “لأضرار اقتصادية جسيمة”، وفقا لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

لذلك أعلنت مصر، عن استئناف جلسات “الحوار الوطني” وبدء مرحلة ثانية بالتركيز على الأوضاع الراهنة للاقتصاد الذي يواجه أزمة عميقة.

وقال المنسق العام للحوار الوطني، ضياء رشوان، إن “الحوار سيبداً فورا بالاستجابة لدعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي موخراً بأن يركز الحوار خلال بداية مرحلته الثانية، على تناول عميق وشامل للأوضاع الراهنة للاقتصاد المصري، للتوصل إلى توصيات وإجراءات محددة ومفصلة”.

كيف يقرأ الخبراء الوضع الاقتصادي؟

تقول الدكتورة وفاء علي، أستاذ الاقتصاد والطاقة، إن منسوب المخاطر الاقتصادية يرتفع عالميا، وللإبحار بعيداً عن الخطر لابد لكل دولة أن تضع سيناريوهات عدة للأداء الاقتصادى خلال الفترة المقبلة مع الأخذ في الاعتبار الظروف العالمية التى ليست على ما يرام.

وتضيف علي، في تصريح خاص لـ”أخبار الآن”، إن أسعار الفائدة التى فرضها الفيدرالي الأمريكي كانت بمثابة ضربة اقتصادية لدول العالم، ولم تكن مصر بمنأى عن هذا الحراك العالمى الذى أدى إلى ارتفاع أسعار الذهب كملاذ آمن بعدما اضطر البنك المركزي المصري لرفع أسعار الفائدة لمحاولة الفرار من الآثار الاقتصادية المتلاحقة بفعل صعوبة الضغوط وخروج الأموال الساخنة وراء فائدة الفيدرالي الأمريكي.

الاقتصاد المصري إلى أين؟ خبراء يجيبون لـ"أخبار الآن"

وتضيف علي: “نحن أمام معادلة اقتصاددية شديدة التعقيد ولا أحد يستطيع التظاهر بأن الأمر سهلا ولكن لابد من أن يضع الكل أدواته وآلياته للانخراط فى المستقبل مهما كانت الظروف”.

وعن اعتبار البعض أن مصر وقعت في فخ صندوق النقد الدولي، تقول علي: “الأمر طبيعى وكان لابد للدولة من التحرك مبكرا لتحفيز اقتصادها، ومواجهة التضخم من أهم التحديات والتنبؤ الوقائى لتقليل الآثار المالية والاقتصادية والوصول لمكاننا الطبيعى بين اقتصادات العالم”.

روح اشتراكية في مناخ رأسمالي

أما المحلل السياسي والاقتصادي الدكتور عمرو الهلالي، فيرى أن المشكلة الاقتصادية الحالية سببها الأساسي دخول الدولة في الأزمة بتحولها إلى أكبر مستهلك للدولار بسبب الالتزامات الدولارية عليها لتسديد القروض وفوائدها مما أدى إلى اتخاذها العديد من الإجراءات السيادية التي أدت في النهاية إلى تحكمها في تحويلات الدولار للخارج ورغبتها في السيطرة الكاملة علي هذا السوق الذي من الصعب جدا السيطرة عليه بسبب الانفتاح الاقتصادي ونسبه الاستثمار الخاص فيه.

وأضاف الهلالي، في تصريح خاص لـ”أخبار الآن”، إنه عندما تتحول الدولة نفسها صاحبة السلطة إلى أحد أطراف المعادلة الاقتصادية يسقط السوق الرأسمالي وتحدث هذه الأزمة، موضحًا: “مشكلة حكومتنا أنها تتعامل بروح الدولة الاشتراكية وسط مناخ رأسمالي، وسبب الأزمة هو هذا الأمر بالخصوص”.

الاقتصاد المصري إلى أين؟ خبراء يجيبون لـ"أخبار الآن"

ويوضح الهلالي أن الحكومة تبحث سنويًّا على أكثر من خمسين مليار دولار لدفع فوائد وأقساط الديون الخارجية، ومثلهم تقريبا لتوفير السلع الغذاىية والتموينية والأساسية، ومواردها الدولارية تنخفض نتيجة ظروف خارجية وداخلية.

ويستكمل الهلالي: “التضييق الذي استخدمته الدولة في تحويل الدولار أدى إلى طرق أخرى غير رسمية التجأ إليها المستوردين للحصول علي الدولار من الداخل والخارج، ومن هنا تفاقمت الأزمة التي أدت إلى طلب شره للدولار وتحوله إلى سلعة فارتفع سعره ومن بعده كل السلع والمنتجات حتي التي لا نستوردها، وأدى ذلك إلى تكالب المواطنين على شراء حافظات الثروة التقليدية مثل العقارات والذهب مما أدى إلى ارتفاعات غير منطقية في أسعارها ودخولنا في دائرة مفرغة من الارتفاعات التي لن تتوقفز

عشوائية مفرطة

أما الخبير الاقتصادي، الدكتور كريم عادل، فيرى أن الاقتصاد المصري في الفترة الحالية يعاني من مجموعة من الأزمات المزمنة، وهي نتيجة لعدة أمور من السياسيات النقدية والاستثمارية غير الصحيحة في الآونة الأخيرة.

واعتبر عادل، في  تصريح خاص لـ”أخبار الآن”، أن مجموعة من السياسات غير الصحيحة أدت إلى الوضع الحالي، وعلى رأسها أزمة الفرق بين السوق الرسمية والسوق الموازي في سعر الصرف.

الاقتصاد المصري إلى أين؟ خبراء يجيبون لـ"أخبار الآن"

وأشار عادل إلى أن هناك عدة أسباب أخرى تسببت في ذلك من بينها خروج الاستثمار وتراجع العديد من مؤشرات الدولة في مؤسسات العالمية، وخطأ التعامل مع ملف الصناعة وملف الاستثمار وملف الزراعة.

وأكد عادل إلى أن هناك أزمة حقيقية تتعلق بدخول المواد الخام وقيمة الضرائب والرسوم المفروضة والعديد من العقبات الأخرى التي كان يجب أن تكون كصر قد انتهت منها بالاتجاه إلى اقتصاد أكثر نموا.

ووصف عادل وضع السوق المصري على مستوى سعر العملة وسوق الذهب بأنه “يعاني من عشوائية مفرطة، بسبب عدة أسباب على رأسها انعدام الرقابة، وعدم وجود غطاء نقدي من الحصيلة الدولارية داخل البنوك حتى تستطيع الوفاء بمتطلبات المستثمرين والراغبين للسفر، كل هذه الأمور تسببت فيما نحن فيه، وأصبح الفارق 120% بين السوقين الرسمي والموازي في سعر العملة”.

وأكد عادل أن السوق الموازي للعملة طارد لللاستثمار، ومدمر لسوق السلع الرئيسية والاستهلاكية، موضحًا أن اضطرابات سوق الذهب تسببت في حجب التجار عن بيع السبائك والمشغولات الذهبية، ووصف الوضع بأنه “خرجنا من مرحلة جشع التجار إلى ممارسات احتكارية بحجب السلع الأساسية عن المواطن المصري”.

الخروج من الأزمة

ترى الدكتورة وفاء علي أن العالم كله فى ظروف استثنائية لم يشهدها منذ أمد بعيد والكل يبحث عن التغيير الجذري فى المنظومة الاقتصادية وهذا هو مربط الفرس، وأنه لا شك أن الكلفة الاقتصادية للمرحلة القادمة مهمة مع وضع إنذار مبكر لكل الأحوال سواء سارت الأمور كما نتمنى أو أن الصراع العالمى سيأخذنا إلى مناطق أخرى.

وتضيف علي أن الاقتصاد المصرى متنوع ولديه طواعية لتحسين المؤشرات، وبالنظر إلى الصورة العامة فالأمر مازال تحت السيطرة رغم كل التحديات العالمية، وأن مصر تحتاج فقط استعدال البوصلة الاقتصادية.

أما الدكتور عمرو الهلالي، فيرى أن الحل يتمثل في أن تعلن الحكومة فورا وقف استيراد السلع غير المهمة وغير الداخلة في مستلزمات الإنتاج لمدة سنة على الأقل، وأن توقف بشكل فوري مظاهر سحب العملات الأجنبية في هذه المدة ولمدة استثناىية لضبط السوق.

ويضيف أن على مصر التفاوض الجاد مع الدول والهيئات المدينة في تأجيل دفع الأقساط والديون وإعادة جدولة تلك الاستحقاقات ومبادلة الديون ببعض الاصول والشركات المراد بيعها.

ويرى الدكتور كريم عادل أن هذه الأزمة لن تنتهي، فهي أزمة مستمرة، حتى لو تم تحريك سعر الصرف بنسبة 25% أو 30% كما هو متوقع، فهذه الأزمة لن تنتهي إلا بوجود حصيلة دولارية تفي باحتياجات السوق داخل البنوك الرسمية.

وأوضح عادل أنه إذا تم رفع سعر الصرف الرسمي إلى 38-39 جنيه، وقتها سيرتفع سعر الصرف الموازي إلى 100 جنيه، إذا لم تكن هناك حصيلة دولارية.

لذلك طالب بتدخل سريع للحكومة والأجهزة الرقابية المعنية لضبط الأسواق وحيادية المنافسة ووصول السلع بأسعار عادلة، لأن الاستمرار في الوضع الحالي سيؤدي إلى أضرار يصعب علاجها.

وختم حديثه بقوله: “نأمل أن يتوصل المشاركين في الحوار الوطني الاقتصادي لحلول سريعة لمعالجة الأزمة الحالية”.