أخبار الآن | سان بطرسبورغ – روسيا (محمود طه)

في شهر نوفمبر من عام ١٨٩٣م لفظ الموسيقار الفذ تشايكوفسكي أنفاسه الأخيرة في غرفة بمنزل ما بضواحي مدينة سان بطرسبورغ، تاركا خلفه إرثاً موسيقياً خلده التاريخ بحروف من ذهب.

رحيل تشايكوفسكي ظل لغزاً للجميع رغم أن التقارير الرسمية تشير إلى وفاته بمرض الكوليرا، ولكن ذهبت بعض التحليلات إلى وجود شبهة الانتحار معللة ذلك بآخر أعماله.

ولا عجب في ذلك حيث كانت سيمفونيته السادسة هي آخر ما خط قلمه على نوتته الموسيقية، وهي السيمفونية اللغز التي حيرت العالم، موسيقى سوداء مقبضة عجز الجميع عن تفسيرها.

وتشير المراجع التاريخية أن تشايكوفسكي كان مكتئباً بشدة في عامه الأخير، وذلك بسبب شعوره بنضوب خياله وتبخر موهبته، ولكنه في إحدى الأمسيات وأثناء عودته بالقطار بدت له الفكرة متراقصة في الظلام من النافذة المجاورة له، ليُخرِج مفكرته ويكتب كلمات خالدة موجهة إلى أخيه موديست: ”سوف تبقى لغزًا للجميع، ولسوف يحطمون أدمغتهم عليها.. ولكن بلا جدوى“.

وبالفعل جاءت سيمفونيته الأخيرة هكذا، مؤثرة مخيفة غامضة، لم يتم فك طلاسمها حتى يومنا هذا مهما كثرت محاولات التأويل.

وعندما تستضيف الأراضي الروسية المونديال، لابد للطابع الأوبرالي الملحمي أن يترك أثره على مجريات البطولة الكروية الأكبر في العالم، لا سيما مع تتابع سقوط الكبار في بحر مفاجآت هائج لا يرحم.

وها هو ميسي يواصل كتابة سيمفونيته الأرجنتينية الخاصة التي برع في تأليفها على مدار سنوات، في كل مناسبة دولية يبرز السؤال: متى سيفك البرغوث عقدته بقميص المنتخب ويقود رفاقه نحو سلم المجد؟ وتأتي الإجابة المعتادة بكل ألم وحسرة.

سيمفونية حزينة سوداوية لا تقل عن سيمفونية تشايكوفسكي السادسة في الغموض، ويشهد المونديال الروسي آخر فصولها الذي كان هو الأكثر مأساوية، المنتخب الأرجنتيني فشل في تحقيق أي فوز خلال جولتين من دور المجموعات، تعادل مخيب أمام أصغر أمة في العالم تشارك لأول مرة في المونديال، وخسارة ثلاثية مذلة أمام الكروات وضعت ميسي ورفاقه على أبواب الخروج المبكر من أصغر أبواب روسيا.

ربما سيكون هذا هو المونديال الأخير لميسي، ومع نهايته ستتبخر آخر آماله بالتتويج بلقب لمنتخب بلاده، وربما شعر اللاعب الفذ في بعض اللحظات بنضوب الموهبة وتبخر الإبداع مثلما شعر تشايكوفسكي من قبله، وإن كان هذا الشعور الزائف لا يسيطر عليه إلا بقميص التانغو فقط.

ولكن الأكيد بعيدا عن ميسي والبحث في حقيقة إذا ما كان يعاني مع لاعبين عادة ما يجرونه إلى طريق الهزيمة، أو إن كان بناء الخطة الأرجنتينية دائما ما يكون لإرضاء اللاعب مع اغفال جماعية الأداء ووحدة التنظيم، فإن الفشل الدائم لميسي مع منتخبه سوف يبقى لغزاً للجميع، ولسوف يحطمون أدمغتهم عليه ولكن بلا جدوى، مثلما قال تشايكوفسكي منذ ١٢٥ عاما. 

اقرأ ايضا:

مصر والسعودية.. معركة ستالينغراد وفن البناء بعد السقوط

إيران بدون أحذية رياضية في كأس العالم

الحضري أمام فرصة ذهبية لكسر رقم قياسي جديد بكأس العالم