أخبار الآن | دبي – الإمارات العربية المتحدة ( وكالات )

منذ الإعلان عنه،  شغل فيلم بلاك بانثر الرأي العام الأمريكي والعالمي فهو يحطم الصورة النمطية للأبطال الخارقين حيث يظهر البطل الخارق ببشرة سمراء ويهيمن الممثلون ذوو الأقلية العرقية على طاقم العمل، وفي أقل من مرور شهر على بدء عرضه في صالات السينما  فاق نجاح  الفيلم الذي أنتجته ديزني ومارفل "، وهو من بطولة تشادويك بوزمان وإخراج ريان كوجلر، التوقعات الأساسية حيث يتجه نحو تحقيق إيرادات قيمتها 235 مليون دولار خلال عطلة نهاية الأسبوع . 

وكان من المتوقع أن يحقق الفيلم -الذي بلغت ميزانيته 200 مليون دولار- ما بين 100 و120 مليون دولار عندما ظهرت التقديرات الأولى يوم 25 يناير.منذ ذلك الحين لم يعد الفيلم مجرد مشروع ناجح فحسب بل أصبح حدثاً ينبغي رؤيته فيما يقترب من تحطيم أرقام قياسية. وبلغت إيرادات عرض الفيلم التمهيدي يوم الخميس 25.2 مليون دولار وهي أكبر إيرادات لعرض تمهيدي ليلة الخميس خلال شهر فبراير وثاني أكبر إيرادات عرض تمهيدي لفيلم من شركة مارفل.واستمر الفيلم في تحطيم التوقعات منذ ذلك الحين.

ويُعد فيلم "بلاك بانثر" (النمر الأسود)، الذي يتناول قصة أحد الأبطال الخارقين، عملاً سينمائياً ذا طابع ثوري، بل ويختلف عن الأفلام الأخرى المناظرة له بشكلٍ كامل وعلى العديد من المستويات، كما يرى الناقد السينمائي نيكولاس باربر.

لم يبدد صناع الفيلم وقتهم عبثاً، كما لم يتسم عملهم بالعشوائية. فمنذ أن بدأت شركة "مارفل" قبل عقدٍ كامل تقديم أفلامٍ تتناول أبطالها الخارقين الذين يظهرون في قصصها المصورة، كان هناك الكثير للغاية من الشخصيات الضخمة، بيضاء البشرة، التي تهيمن على أدوار البطولة، بينما تُسند أدوار الشخصيات المُساعِدة إلى أشخاصٍ سود البشرة، أو ينتمون لأقلياتٍ عرقية، أما هذه المرة، فقد اختارت الشركة أن يحمل الفيلم اسم شخصية ملكٍ أفريقي يُدعى "تي تشالا"، يجسد دوره الممثل تشادويك بوزمان. ويحظى هذا الملك بقوةٍ وسرعةٍ مذهلتيْن بفضل جرعةٍ من دواءٍ سحري ورداءٍ مدرع يغطي جسده بالكامل.

ومن شأن ذلك، في حد ذاته، جعل هذا الفيلم ثوري الطابع، ولذا كان يمكن أن يشكل ذلك مسوغاً لأن يقرر مخرجه رايان كوغلر الذي شارك أيضا في كتابة السيناريو أنه ما من حاجة لكسر أي حواجز أخرى، وأن يحيط البطل "تي تشالا" بممثلين مساعدين بيض البشرة، ويجعله يحارب وحوشاً على الأراضي الأمريكية.
لكن ذلك لم يحدث، فقد كان لدى كوغلر – الذي أخرج من قبل أيضا فيلم "كريد"- وفريقه رؤيةٌ أكثر راديكالية بحق من أي تصور مماثل تبناه من قبل أي فيلم كبيرٍ أنتجته هوليوود.

فبداية، تدور غالبية أحداث "النمر الأسود" في "واكاندا"، وهي دولةٌ أفريقية مفترضة تشكل مسقط رأس البطل. وكما نعلم من مقدمة تمهيدية نُفذت بأسلوب الرسوم المتحركة، فإن هذه الدولة شُيّدتْ على جبلٍ من معدنٍ فريد الخصائص، إلى حد أنني لم أفهم كل مميزاته تماماً، ويُطلق عليه اسم "فايبرانيوم".

وبفضل هذا المعدن، تمكنت تلك الدولة من تحقيق قفزاتٍ تكنولوجية هائلة. ولكن وباعتراف الجميع، ليس على نحوٍ أكثر تقدماً بكثير من تلك القفزات التي حققتها شخصياتٌ خيالية أخرى تنتمي إلى عالم شركة "مارفل يونيفيرس" للإنتاج السينمائي، مثل شخصيتيْ توني ستارك، وبروس بانر.
بغض النظر عن كل ذلك، نعلم من سياق الأحداث أن "واكاندا" تُخفي عجائبها عن العالم الخارجي، الذي تبدو له مجرد دولة عتيقة يسودها الركود ويضربها فقرٌ مدقع، ويقطنها رعاة ماعزٍ يسكنون الأكواخ.

لكن الأمر يختلف في الواقع، فتحت قبةٍ ثلاثية الأبعاد، تقبع عاصمة هذا البلد، وهي عبارة عن نموذجٍ لمدينة فاضلة "يوتوبيا" فائقة التطور والحداثة، ترى فيها مركباتٍ أنيقة مضادة للجاذبية تمرق وهي تصدر أزيزاً من فرط سرعتها، بين ناطحات سحابٍ لامعة تكسوها نباتات خضراء وارفة.

وهنا يمكن أن تسأل نفسك عن آخر مرة شاهدت فيها فيلماً روائياً – سواء من إنتاج هوليوود أو غيرها – طرح فكرة أو افترض أن دولةً أفريقية، ربما تكون البقعة الأكثر سعادة وازدهاراً وتطوراً من الوجهة العلمية في العالم بأسره.

بجانب ذلك، يبدو العمل مُفعماً بفخرٍ وسرورٍ غير عادييْن بطابعه الأفريقي، بدءاً من الأنسجة المنقوشة الملونة التي اسْتُخْدِمت في أزياء الممثلين، والهتافات القبلية التي تصاعدت في بعض المشاهد، فضلاً عن قرع الطبول الذي تمت الاستعانة به في الموسيقى التصويرية، وصولاً إلى لغة الخوسا التي تحدثت بها الشخصيات في بعض الأحيان. ومع أن الممثلين أمريكيون وبريطانيون وليسوا أفارقة، فإن غالبيتهم سود البشرة.

ومن بينهم، لوبيتا نيونغو، التي تلعب دور الحبيبة السابقة لـ"تي تشالا". وهي في هذا العمل، تظهر أخيراً على الشاشة شحماً ولحماً، بعد سنواتٍ جرى خلالها الاستعانة بها لتقديم الأداء الصوتي فقط؛ إما لحيوانٍ ظهر على الشاشة باستخدام الخدع الرقمية في فيلم "ذا جانغل بوك" (كتاب الغابة)، أو لكائنٍ فضائي شاهدناه في فيلم "ستار وورز: ذا فورس أواكينز" (حرب النجوم: صحوة القوة)، وكلاهما من إنتاج شركة "ديزني".

كما تشارك في "النمر الأسود" الممثلة داناي غوريرا مُجسدةً شخصية الحارس الشخصي لـ"تي تشالا"، وأنغيلا باسيت التي تؤدي دور والدته، جنباً إلى جنب مع لوتيشا رايت، التي تسرق الأضواء في مشاهدها من الممثلين الآخرين، عبر تجسيدها لشخصية الشقيقة الصفيقة للبطل، التي تجري أبحاثاً بشأن الأسلحة.

وإذا ابتعدنا قليلاً عن مسألة الأصل العرقي لفريق العمل، فإننا سنلحظ أنه يضم عدداً هائلاً من الشخصيات النسائية ذات السمات المميزة والقدرة على الإمساك بزمام المبادرة والمباغتة، وهو ما يجعل من "النمر الأسود" عملاً يختلف بشكل جذري عن أقرانه، في ما يتعلق بطبيعة الأدوار التي تُسند إلى ممثلات.

في المقابل، من الملحوظ قلة عدد الرجال في فريق العمل. من بينهم دانييل كالويا بطل فيلم "غيت أوت" (أخرج من هنا)، وهو يؤدي هنا دور المسؤول عن الأمن الداخلي في "واكاندا"، وكذلك فورست ويتيكِر الذي يجسد شخصية المرشد الروحي لـ"تي تشالا"، يمكنك هنا أن تسأل نفسك ثانيةً عن آخر مرة شاهدت فيلماً أمريكياً، يضم كل هذا العدد من الممثلين سود البشرة، ممن لا يوجد منهم من أُسْنِدَ إليه دور أحد رجال العصابات، أو مدمني الكوكايين.

اقرأ أيضا: 
"بلاك بانثر" بطل خارق أسود يأمل في تغيير هوليوود