تحرش جنسي واغتصاب بين فرق الناشئين في الغابون

تنتشر بين حين وآخر فضائح تصل إلى جرائم ترتكب بحق الأطفال خاصة في الصالات الرياضية والملاعب.. وفي الغابون تواجه الهيئات الإدارية لكرة القدم اتهامات بالفشل في حماية لاعبين صغار السن وقعوا ضحايا للاعتداء الجنسي.

وأجرت “بي بي سي” لقاءات مع أكثر من 30 شاهدًا تحدثوا عن وجود شبكة مارست ذلك في جميع مستويات اللعبة لمدة ثلاثة عقود.

وتعود مزاعم الاعتداء الجنسي في دولة الغابون الواقعة في وسط إفريقيا إلى أوائل التسعينيات، ووصف أحد الضحايا، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، ما حدث له عندما كان مراهقًا في معسكر لكرة القدم تحت سن 17 عامًا، وقال إنه أُيقظ هو وأحد أصدقائه المقربين في منتصف الليل ونقلا إلى غرفة ذات أضواء حمراء مليئة بالرجال العراة.

وأضاف: “بدأوا يلمسونني أنا وصديقي ولم أفهم الأمر. بدأت أستغيث، أردت الخروج، لكن الباب كان مغلقا.. أمسكوا بي وألقوني على الأرض.. وكان هناك رجلان من رجال الأمن، بدا الأمر كما لو أنهم كانوا مستعدين لكل شئ”.

وأضاف “رأيت كيف بدأوا في اغتصاب صديقي. نظرت في عينيه، فنظر إلي كما لو كان يقول: “دعنا نسايرهم وننتهي من الأمر. بكيت وصرخت وارتفع صوتي بالبكاء والصراخ”.

وتابع “أخبروني أنه لن يتم اختياري للعب مرة أخرى أبدا، وأنه إذا تجرأت على التحدث إلى أي شخص عما حدث، فسوف تُقتل عائلتي”.

(لم يلعب الضحية لمنتخب الغابون مرة أخرى)

الغابون.. فضائح الاستغلال الجنسي للأطفال في كرة القدم

تجاهل التحذيرات

أضاف التقرير أنه كانت هناك عدة محاولات لتنبيه السلطات إلى ما كان يحدث على مر السنين.

ففي عام 2019، عاد اللاعب الغابوني الدولي السابق بارفيه ندونغ إلى وطنه ليؤسس أكاديميته لكرة القدم في الغابون، برصيد 45 مباراة دولية ومسيرة كروية لامعة في أوروبا، فهو شخصية محترمة في كرة القدم الغابونية. وعندما علم بما حدث، قال إنه أبلغ السلطات.

وقال لبي بي سي “لقد اتخذت كل الخطوات الممكنة”، مضيفًا أنه تحدث إلى رئيس الدوري، ورئيس الاتحاد الوطني لكرة القدم، ووزير الرياضة في ذلك الوقت.

وأضاف أنه بعد تجاهل هذه الجهود، لجأ إلى وسائل الإعلام المحلية، لكن “لم يرغب أحد في سماعه”.

ولم يُقبض على أربعة من المدربين إلا بعد أن أبلغت صحيفة الغارديان البريطانية عن الانتهاكات في ديسمبر/ كانون الأول 2021. ولا يزال ثلاثة منهم في السجن.

وكان في قلب تلك الاتهامات الأكثر ضررًا المدرب باتريك أسومو إيي، المعروف على نطاق واسع باسم “كابيلو”. لعقود من الزمن، كان هو المدرب الرئيسي لمنتخبات الشباب الوطنية في الغابون. والأهم من ذلك، أن كابيلو كان هو من يحدد من سيلعب في الفريق الوطني على هذا المستوى.

وقال ندونغ: “لقد كان يشغل منصب الإله إذا صح التعبير، لأن الجميع كانوا يعظمونه ويطلبون رضاه. أقصد المسؤولين عن مراكز التدريب والأكاديميات”.

توقيف كابيلو

في ديسمبر/ كانون الأول 2021، بدأت لجنة الأخلاقيات المستقلة التابعة للفيفا إجراءات التحقيق الأولي في تقارير الاعتداء الجنسي التي يُزعم أن كابيلو الغابوني ارتكبها، وأوقفته عن جميع الأنشطة المتعلقة بكرة القدم. وتولت قيادة هذا التحقيق على الأرض لجنة الأخلاقيات التي أُنشئت حديثا حينها، وأطلق عليها اسم فيغافوت.

وفي مايو/ أيار 2022، قامت غرفة التحقيق التابعة للفيفا بإضفاء الطابع الرسمي على التحقيق الأولي.

وشكّل أمر السماح للجنة الأخلاقيات بقيادة التحقيق في البداية، بالنسبة لـ “لويك ألفيس”، المستشار القانوني الأول في الاتحاد العالمي للاعبي كرة القدم المحترفين “تضاربًا في المصالح على كل المستويات”.

إذ “كيف يمكن للضحايا أن يثقوا في نفس المؤسسة التي أساءت إليهم؟”.

الغابون.. فضائح الاستغلال الجنسي للأطفال في كرة القدم

واعترف كابيلو بتهم اغتصاب واستمالة واستغلال اللاعبين الشباب ويقبع حاليا في السجن في انتظار الحكم. وينفي المدربون الآخرون المعتقلون الاتهامات الموجهة إليهم.

وقد أثيرت أسئلة حول من هي السلطات التي كانت على علم بالأمر ومتى علمت به.

أليكسيس، اسم مستعار لأحد اللاعبين حماية لهويته، صعد من خلال صفوف الشباب في الغابون واستمر في اللعب في أوروبا. وقال لبي بي سي إن السبب الوحيد الذي جعله يتحدث علانية هو أنه لم يعد في البلاد. أما إذا كان مايزال هناك فإن حياته ستكون في خطر.

وأضاف “لذلك، اعتقلوا كابيلو، لكن منذ متى عرفوا ولم يفعلوا أي شيء حيال ذلك؟ لقد توقفوا عند المستويات الدنيا، في حين أن الأمر يصل إلى القمة، لكنهم سيفعلون أي شيء للتستر عليه. كابيلو هو كبش فداء”. إن الرؤوس التي في الأعلى هي التي يجب أن تتدحرج.”

وقال لاعب كرة قدم آخر، أطلق عليه اسم “جوليان” إنه تعرض أيضا للإساءة منذ أن كان في الرابعة عشرة من عمره، وقد لعب مع منتخب الغابون الوطني لعدة سنوات ويعتقد أنه من الصعب معرفة عدد الأولاد والفتيان المتضررين.

وأضاف “لا أعرف عدد المدربين الذين يسيئون معاملة الأولاد، ولكن للحظة دعونا ننظر إلى كابيلو وحده. إنه الأكثر شهرة وكان يفعل ذلك طوال الـ 25 أو 30 عاما الماضية. كل عام أمامه الكثير من اللاعبين. 50 فتى على الأقل، إن لم يكن أكثر”.

ويُعد اللاعب الدولي الغابوني السابق ريمي إيبانيغا،، الذي أنشأ أول اتحاد للاعبي كرة القدم المحترفين في البلاد في عام 2014، – مثل ندونغ – أحد الشخصيات القليلة في كرة القدم الغابونية التي تشعر أنه قادر على التحدث بصراحة. هو نفسه لم يتعرض للإيذاء لكنه قال إن لديه العديد من الأصدقاء الذين تعرضوا للإيذاء.

وقال “النظام القضائي المحلي قام بسجن رئيس الاتحاد، والفيفا لم يفعل شيئا. لماذا لم يتم إيقافه أيضا بينما التحقيقات مستمرة كما حدث مع كابيلو؟”.

وأضاف “لقد استمر في إدارة الاتحاد أثناء وجوده في السجن. لا أعتقد أن هذا حدث في أي مكان آخر على الإطلاق”.

الغابون.. فضائح الاستغلال الجنسي للأطفال في كرة القدم

وفي مايو/ آيار 2022، أوقف الفيفا رسميا كابيلو ومدربين آخرين ورئيس اتحاد كرة القدم، لكنه لم يعاقب مونغوينغوي.

وفي الوقت نفسه، قال الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف) إن مونغوينغوي يعتبر بريئا حتى لم تثبت إدانته وكتب إلى وزير الرياضة الغابوني آنذاك فرانك نغويما في أبريل/ نيسان 2022 للتشكيك في الاعتقال. ثم زار رئيس الاتحاد الأفريقي باتريس موتسيبي رئيس فيغافوت في السجن بعد أربعة أشهر.

وبعد ما يقرب من ستة أشهر في السجن، أطلق سراح مونغوينغوي مؤقتًا. وبعد ثلاثة أسابيع، في افتتاح بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 في قطر، تم تصويره وهو يعانق رئيس الكاف.

حظي مدرب فيغافوت، بيير آلان مونغوينغوي بترحيب حار من قبل رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم كاف في حفل افتتاح كأس العالم في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.

بالنسبة لإيبانيغا، فإن الدعوة التي وجهها رئيس الفيفا جياني إنفانتينو إلى قطر جعلت الأمر يبدو كما لو كان الاتحاد الدولي لكرة القدم راضيا عن أداء فيغافوت: “هل هذا ما تسميه عملا متقنا؟ ألا يفعل الاتحاد أي شئ بشأن الاعتداء الجنسي؟”.

وقبل ثلاثة أشهر، أعيد انتخاب مونغوينغوي على أعلى المستويات في الكاف كعضو في لجنته التنفيذية، وفي الأسبوع الماضي، التُقطت له صور إلى جانب المسؤولين التنفيذيين في الاتحاد الإفريقي لكرة القدم في القاهرة لحضور إعلان استضافة كأس الأمم الأفريقية.

الغابون.. فضائح الاستغلال الجنسي للأطفال في كرة القدم

مدرب فيغافوت، بيير آلان مونغوينغوي

وبعد مرور ما يقرب من عامين على كشف هذه الاتهامات في وسائل الإعلام الدولية، لا يزال العديد من الشخصيات البارزة في فيغافوت في السلطة.

قال إيبانيغا: “أعتقد أن النظام كان قادرا على الاستمرار، وأنه لا يزال قادرا على الاستمرار لأنه لم يتغير شيء”.

هناك خوف حقيقي بين العديد من الأشخاص الذين تحدثوا لبي بي سي حول الانتهاكات المزعومة من أن الأطفال ما زالوا معرضين للخطر.

قال جوليان: “أنا مقتنع بأن الانتهاكات لا تزال تحدث”.