لماذا فشل تمرد فاغنر ومن سرب خطة السيطرة على موسكو؟

  • زعيم فاغنر وصل إلى بيلاروسيا بعد تدخل لوكاشينكو
  • بوتين وصف بعض جنود فاغنر بأنهم “وطنيون”

لا تزال أصداء الساعات التي تحركت فيها جنود فاغنر نحو موسكو تتردد؛ ليس فقط في العاصمة الروسية، ولكن في عدد من دول العالم التي تهتم بالشأن الروسي، خاصة بعد الكلمة التي ظهر فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ متهمًا قادة تمرد فاغنر بالرغبة في “رؤية روسيا غارقة في صراع دموي”.

بوتين الذي تعهد في خطاب مقتضب حافل بالانتقادات اللاذعة، بتقديم منظمي التمرد “إلى العدالة”، وصف جنود فاغنر المنتظمين بأنهم “وطنيون”، وأنه سوف يسمح لهم بالانضمام إلى الجيش، أو التوجه إلى بيلاروسيا، أو العودة إلى ديارهم.

ولم يسم بوتين في خطابه رئيس فاغنر يفغيني بريغوجين، الذي نفى في وقت سابق محاولته للإطاحة بنظام بوتين، فكيف سيتعامل بوتين مع “الخونة” وفقا لبيانه الأخير، هذا ما ناقشته حلقة الخميس من برنامج “ستديو أخبار الآن”.

من ناحيتها قالت د. علا شحود، الصحفية المتخصصة بالشأن الدولي والروسي، إن “تمرد” يفغيني بريغوجين رئيس مرتزقة فاغنر كان صدمة كبيرة للدولة الروسية، وليس فقط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشيرة إلى تعامل الأخير مع التمرد بالكلمة الإعلامية التي أدلى بها وتطرقت إلى “خيانة” المرتزقة.

بوتين يعيش صدمة تمرد فاغنر.. فما هي خطوته المقبلة؟

وأضافت في حوارها مع “ستديو أخبار الآن”، أن تمرد فاغنر لم يكن متوقعًا من قبل القيادة الروسية. مضيفة: “كان هناك أخطاء كبيرة من قبل القيادة الروسية مع وجود بريغوجين ومجموعته في الأراضي الأوكرانية، حيث إن الدولة الروسية أعطت بريغوجين مزايا وخصائص لم تعطها لأي قائد من قبل، ولا لأي وزير، ولا حتى لوزارة الدفاع، خاصة وأن روسيا موّلت فاغنر بمبالغ مالية كبيرة جدا وصلت إلى مليار دولار.

وأكدت “شحود”، أن هذه المزايا جعلت لدى بريغوجين طموحات في استلام مناصب في الدولة الروسية، وتحدثت الكثير من التقارير عن رغبته في تولي منصب وزير الدفاع الروسي بعد الانقلاب على سيرغي شويغو.

ورفضت الصحفية المتخصصة بالشأن الدولي والروسي، المزاعم التي تحدثت عن رغبة زعيم فاغنر في الإصاحة ببوتين وتولي المسؤولية بدلا منه، خاصة وأن تارخه لا يسمح له بهذه المكانة، حيث قضى من عمره 10 سنوات داخل السجن.

من جهته، أوضح ديميتري بريجع، المحلل السياسي والباحث في جامعة الصداقة بين الشعوب، إن ما حدث من تمرد، يعد خللا في المنظومة السياسية، مشيرًا إلى اعتماد الدولة الروسية على فاغنر، على الرغم من أنها شركة غير مرخصة، ولا تعد جزءا من المنظومة السياسية الروسية.

وأضاف “بريجع” في حواره مع “ستديو أخبار الآن”، أن “ما فعله يفغيني بريغوجين كان محاولة لإرسال رسالة للقيادة العسكرية الروسية، وهي القيادة التي تعرضت في الأساس لتمرد رئيس فاغنر، عندما بدأ الحديث عن فعالية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وأنه كان هناك طرق دبلوماسية لحل الأزمة مع الرئيس الأوكراني، كما تحدث عن الفساد داخل الجيش الروسي”.

وأكد المحلل السياسي، أن ما فعله بريغوجين سيغير من المنظومة السياسية الروسية، خاصة وأن روسيا مقبلة على انتخابات تشريعية في شهر سبتمبر المقبل، وانتخابات رئاسية في العام المقبل. مضيفًا: “بوتين بسبب هذا الموقف يمكن أن يغير من بعض الخطط في الداخل الروسي”.

بوتين يعيش صدمة تمرد فاغنر.. فما هي خطوته المقبلة؟

وعن تعامل الرئيس الروسي مع “التمرد”، قال “بريجع” إن الكرملين لم يستطع التعامل بشكل مناسب مع أزمة تمرد فاغنر، حيث خرج الأمر عن نطاق سيطرة الرئيس الروسي، واستدعى تدخل رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، للتوسط لحل الأزمة.

وعن طبيعة عمل شركة فاغنر على مدار السنوات الماضية، قال المحلل السياسي إنه تم استخدامها على مدار سنوات في أمور تجارية في سوريا وليبيا وغيرها، إلا أن الأمر تطور في أوكرانيا، حيث تم الاستعانة بها في معركة صعبة لم يستطع الجيش الروسي على حسمها، وهي المعركة التي خسرت فيها مرتزقة فاغنر الكثير من الجنود، وهو الأمر الذي حمله بريغوحين للقيادة العسكرية الروسية.

وجماعة فاغنر هي جيش خاص من المرتزقة قاتل جنبا إلى جنب مع الجيش الروسي النظامي في أوكرانيا.

وادعى بريغوجين، في بيان صوتي مدته 11 دقيقة، أن التمرد الذي لم يدم طويلاً – والذي شهد استيلاء مقاتلي فاغنر على مدينة روسية كبرى قبل التوجه شمالًا نحو موسكو في طابور من المركبات العسكرية – كان ردًا على خطط الحكومة للسيطرة المباشرة على فاغنر.

وفي يونيو/حزيران الماضي، قالت روسيا إنها سوق تطلب من “التشكيلات التطوعية” للمقاتلين الروس في أوكرانيا التعاقد مع وزارة الدفاع في خطوة يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها تهديد لسيطرة بريغوجين على فاغنر.

وقال قائد المرتزقة الروسي أيضا إن تحرك قواته نحو العاصمة موسكو في إطار حركة التمرد جاء احتجاجا على أخطاء وقع فيها مسؤولون في وزارة الدفاع أثناء الحرب في أوكرانيا.

لكنه شدد على أن تحركات فاغنر كانت ولا تزال تستهدف تحقيق مصالح روسيا.

كانت هذه هي أول تصريحات علنية لبريغوجين منذ إبرام صفقة لوقف التمرد، والتي يقال إنها تشمل ذهابه إلى بيلاروسيا مع إسقاط جميع التهم الجنائية الموجهة إليه – على الرغم من أن وسائل إعلام روسية ذكرت، نقلاً عن مسؤولين، أنه لا يزال يخضع للتحقيقات.

وقال إنه أنهى التمرد “حقنا لدماء الجنود الروسيين”، زاعما أن بعض المدنيين في روسيا أصيبوا بخيبة أمل لتوقف زحفه نحو العاصمة.

لكنه حاول جاهدا التأكيد على أنه لم يكن ينوي محاولة الإطاحة بالسلطات الروسية المنتخبة.

وكانت تصريحات رئيس فاغنر صوتية فقط، لذا لم يعرف أين كان أو ماذا فعل بعد أن أدلى بها.

وقال بوتين في خطابه المقتضب للشعب الروسي إن الذين نظموا الزحف إلى موسكو أثناء التمرد “سوف يقدمون إلى العدالة”، واصفا حليفه السابق بريغوجين بأنه “طعن روسيا في ظهرها”.

واستخدم بوتين هذا الخطاب المتلفز كوسيلة للرد على وجهة النظر السائدة فيما حدث، والتي تروج لأن استجابة الرئيس الروسي للتمرد تعكس الكثير من الضعف.

وكان الغضب يسيطر على الطريقة التي تحدث بها بوتين أثناء هذا الخطاب المتلفز المقتضب المسجل، إذ كان يطبق شفتيه كثيرا أثناء الحديث من شدة الغضب.

بوتين يعيش صدمة تمرد فاغنر.. فما هي خطوته المقبلة؟

وبعث الرئيس الروسي في خطابه برسالة إلى الشعب تتضمن أن منظمي هذا التمرد خانوا بلادهم وشعبهم – وكانوا يقومون بعمل يريد كل أعداء روسيا أن يتحقق لجر البلاد إلى سفك الدماء والانقسام.

واتهم بوتين الغرب بأنه يريد من الروس أن “يقتتلوا”، لكن الرئيس الأمريكي جو بايدن قال في مؤتمر صحفي الاثنين الماضي إن الولايات المتحدة وحلفاءها لم يشاركوا في تمرد فاغنر الذي أُجهض بسرعة.

وذهب الرئيس الروسي إلى أن إدارته تلك الأزمة بنفسه جنبت البلاد كارثة محققة. لكن هذا قد لا يكون معبرا عما شاهده الكثير من الروس على مدار عطلة نهاية الأسبوع الماضي، ومن الصعب أيضاً أن يعتقد أحد أن هذا الأداء قد يقنع الشعب الروسي.

وقال بوتين: “أشكر هؤلاء الجنود والقادة في جماعة فاغنر الذين اتخذوا القرار الصحيح الوحيد، لم يمضوا في طريق إراقة دماء الأشقاء، وتوقفوا عند الصف الأخير”.

وأضاف: “اليوم، لديكم الفرصة لمواصلة خدمتكم لروسيا من خلال التعاقد مع (وزارة الدفاع) أو غيرها من الجهات العسكرية وجهات إنفاذ القانون، أو العودة إلى عائلاتكم”.

واستمر: “ويمكن لم يريد المغادرة إلى بيلاروسيا أن يفعل ذلك، وسوف أنجز وعدي فيما يتعلق بذلك”.

وبعد تأكيده على أن روسيا اتخذت “إجراءات لوقف سفك الدماء” في المراحل الأولى من التمرد، أشاد بوتين بوحدة المجتمع الروسي وشكر الزعيم البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، الذي قيل إنه توسط في الصفقة لإنهاء التمرد، على جهوده لحل الوضع سلميا.

التمرد فشل بسبب”خطأين”

وفي السياق كشف مسؤولون غربيون أن قائد مجموعة فاغنر العسكرية الروسية، يفغيني بريغوجين، كان يخطط لأسر قادة المؤسسة العسكرية الروسية مثل وزير الدفاع سيرغي شويغو، ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف، خلال تمرده الأخير.

وقال المسؤولون لصحيفة وول ستريت جورنال، إن بريغوجين بدأ في تنفيذ مخططه بشكل أسرع، بعدما كشفت وكالة الاستخبارات المحلية مساعيه.

وربما كان بدء مخططه بشكل مبكر أحد عوامل فشل التمرد الذي استمر لمدة 36 ساعة، إذ أنهى بريغوجين مسيرته المسلحة نحو موسكو، التي لم تواجه أي مقاومة تذكر، بحسب الصحيفة.

وأشار المسؤولون إلى أن قائد فاغنر خطط لأسر شويغو وغيراسيموف خلال زيارتهما إلى المنطقة الجنوبية على الحدود مع أوكرانيا، لكن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي اكتشف المخطط قبل يومين من تنفيذه.

كما نقلت الصحيفة عن مصدر مطلع، أن وكالات استخبارات غربية اكتشفت خطط بريغوجين مبكرًا، بعد تحليل اتصالات وصور عبر الأقمار الاصطناعية.

ويرى المسؤولون الغربيون أن الخطة كانت يمكن أن تنجح لولا تسريب تفاصيلها، ما جعل حليف بوتين السابق يرتجل خطة بديلة.

فيما أشارت مصادر مطلعة للصحيفة إلى أن تلك المعلومات الاستخباراتية تثير تساؤلات بشأن مدى قوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في أعقاب فشل موسكو في منع مجموعات فاغنر من التقدم، والاقتراب بشدة من موسكو، رغم علم الكرملين بتفاصيل المخطط.

ونقلت “وول ستريت جورنال” أيضًا أن مخطط بريغوجين كان يعتمد على انضمام جانب كبير من القوات المسلحة الروسية إلى التمرد، والانقلاب ضد قاداته، وأن الاستعداد لتنفيذ المخطط شمل تخزين كميات كبيرة من الذخائر والوقود والأسلحة الثقيلة مثل الدبابات والمدرعات وأنظمة الدفاع الجوي، قبل أيام من الهجوم.

وبحسب المعلومات الاستخباراتية الغربية، فإن بريغوجين بعد علمه بتسريب تفاصيل مخططه، أُجبر على التصرف أسرع من المتوقع وتحرك يوم الجمعة واستولى على مدينة روستوف التي لها دور محوري في الغزو الحالي لأوكرانيا.

وبحسب الاستخبارات الغربية، فإن سيطرة فاغنر بسهولة على المدينة التي يبلغ تعدادها نحو مليون نسمة، يشير إلى أن بعض القادة العسكريين فيها كانوا جزءًا من المخطط.

بوتين يعيش صدمة تمرد فاغنر.. فما هي خطوته المقبلة؟

كما قال المسؤولون الغربيون إنهم يعتقدون أن بريغوجين تواصل مع قادة بارزين في الجيش بشأن مخططه، وربما بينهم سيرغي سوروفيكين، ولكن لا يمكن تحديد ما إذا كان الأخير هو من مرر المعلومات حول المخطط إلى جهاز الأمن الفيدرالي.

وكان سوروفيكين أول قائد عسكري بارز دان تحركات فاغنر يوم الجمعة، حين طالب بريغوجين بوقف رجاله.

وقد دافع قائد فاغنر عن تمرده قصير الأمد في بيان صوتي، الاثنين، نافيا محاولة مهاجمة الدولة الروسية، وقال إنه تصرف ردا على هجوم على قوته أدى إلى مقتل 30 من مقاتليه.

وظهر وزير الدفاع الروسي شويغو، الذي لم يشاهد خلال تمرد قائد فاغنر، على شاشة التلفزيون، الاثنين، في مقطع فيديو وهو يتفقد الجنود في أوكرانيا. ولم يعرف تاريخ تصوير هذه اللقطات.