خط ساخن أنشأته أوكرانيا من أجل الجنود المنشقّين عن روسيا

يبدو أن بعض الجنود الروس أنجزوا ما فشلت قيادتهم السياسية والعسكرية في تحقيقه وذلك بعد بلوغهم العاصمة الأوكرانية كييف.

بكبسة زرّ استطاع ضباط وجنود روس عبور المناطق الحدودية وساحات المعارك، والوصول إلى وسط المدينة لمجرّد قولهم عبارة: أريد أن أعيش.

في التفاصيل، كشفت صحيفة “فاينتيشال تايمز” أن جنوداً روس انشقوا إلى كييف بعد اتصالهم بالخط الساخن الذي أنشأته أوكرانيا لهذا الغرض وتديره المخابرات العسكرية الأوكرانية.

"أريد أن أعيش".. جنود روس ينشقون إلى كييف عبر "الخط الساخن" الأوكراني

وبحسب الصحيفة، فإن عدد الجنود الروس الذين يستسلمون للجيش الأوكراني تتزايد بوتيرة قياسية، آخرهم كان الملازم الروسي دانييل ألفيوروف البالغ من العمر 27 عاما الذي استسلم طواعية مندداً بحرب بلاده غير المبررة على أوكرانيا.

وكان ألفيوروف الذي تخرّج من مدرسة موسكو العسكرية قد ساعد 11 جنديًا روسيًا يقاتلون تحت قيادته في منطقة خيرسون بجنوب أوكرانيا على فعل الشيء نفسه.

وقد ساعد استسلام هؤلاء الرجال الـ 12 المعروف باسم “عملية بارينيا”، في إشارة إلى رقصة شعبية روسية، في تزويد أوكرانيا بمعلومات استخباراتية قيمة في ساحة المعركة.

أرقام تكشف للمرة الأولى

كشف المتحدث باسم وحدة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، فيتالي ماتفينكو، لصحيفة فاينانشيال تايمز، إنه لغاية شهر ديسمبر، سلم أكثر من 220 جنديا روسيًا أنفسهم عبر الخط الساخن، موضحاً أن أكثر من 1000 قضية مماثلة أخرى لا تزال معلقة، وهي المرة الأولى التي يشكف فيها عن هذه الأرقام بحسب “فاينتيشال تايمز”.

وكان الخط الساخن قد أنشئ في سبتمبر 2022 ، قبل ثلاثة أيام فقط من التعبئة الجزئية التي أعلنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فبالإضافة إلى ما يقرب من 190.000 جندي شاركوا في الغزو الأولي للكرملين في فبراير من ذلك العام ، كانت موسكو تحشد حوالي 300.000 جندي احتياطي، وقد بدأ العمل الخط الساخن الذي أطلق عليه اسم “أريد أن أعيش”، يرن من اللحظة الأولى.

"أريد أن أعيش".. جنود روس ينشقون إلى كييف عبر "الخط الساخن" الأوكراني

وقال ماتفينكو إن العديد من الرجال الروس لا يريدون خوض الحرب، مستشهدًا بمحادثات بين رجال روس تم حشدهم حديثا ومشغلي الخط الساخن البالغ عددهم 10.

تبدأ المكالمة عبر الخط الأوكراني الساخن الذي يستهدف القوات الروسية الراغبة بالانشقاق بـ”مرحباً، لقد اتصلت بالخط الساخن لمخابرات الدفاع الأوكرانية. هل تريد أن تعيش؟” فيأتي رد أحد الجنود الروس بـ “نعم، شخص ما أعطاني هذا الرقم. يمكنك مساعدتي على الاستسلام؟”.

منذ إطلاق مشروع الخط الساخن يقوم حوالي ثلاثة جنود روس بتسليم أنفسهم كل أسبوع ويتم احتجازهم في السجون الأوكرانية كأسرى حرب.

وقد تلقى الخط الساخن حتى الآن أكثر من 26000 مكالمة عبر الهاتف وروبوت دردشة مصاحب، وتم زيارة موقع hochuzhit.com (النسخة الالكترونية من مشروع “أريد أن أعيش”) أكثر من 48 مليون مرة، بما في ذلك 46 مليون زيارة من داخل روسيا، وتم حظر الموقع داخل روسيا بعد أيام من بدء تشغيله ولكن لا يزال يمكن الوصول إليه عبر الخدمات التي تخفي عنوان الإنترنت الخاص بالمستخدم.

"أريد أن أعيش".. جنود روس ينشقون إلى كييف عبر "الخط الساخن" الأوكراني

ويعمل الخط الساخن “أريد أن أعيش” على مدار 24 ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع من قبل 10 مشغلين يعملون من موقع سري في كييف. ويتألف الفريق من علماء نفس عسكريين ومحللين قال ماتفينكو إنهم تلقوا تدريبا خاصا للتحدث مع الجنود الروس.

ويعيش الجنود الروس في خوف دائم من قيام رفاقهم بتوجيه أسلحتهم إليهم، كما هو مسجل في مقاطع فيديو في ساحة المعركة. قال ماتفينكو:” عندما يناديك عدو بالبكاء، قائلا إنه يريد أن يعيش ، يجب أن تهدئ من روعه”.

ومع ذلك ، غالبا ما يحتاج الجنود إلى بعض الإقناع، حيث يعتقد العديد من القوات الروسية من خلال ما يرونه ويسمعونه من الكرملين ووسائل الإعلام الحكومية أن أوكرانيا يقودها “نظام نازي جديد” لقتل الروس.

ضمانات الاستسلام

وعدت السلطات الأوكرانية بأن المنشقين سوف يعيشون، وليس ذلك وبحسب بل بالتعامل معهم بشكل جيد أيضاً وذلك تمشيا مع اتفاقيات جنيف بشأن التعامل مع أسرى الحرب، وتشمل الضمانات الأخرى الرعاية الطبية وثلاث وجبات ساخنة في اليوم والتواصل مع العائلة في الوطن، وبالطبع احتمال تبادل أسرى الحرب الأوكرانيين والعودة إلى الوطن في روسيا.

وبالنسبة للجنود الذين يخشون أن تتعرض حياتهم للتهديد إذا عادوا إلى روسيا ، فإن كييف تقدم للبعض إمكانية التقدم بطلب للحصول على اللجوء في أوكرانيا.

 

وقال ماتفينكو إن الخط الساخن شهد عدة ارتفاعات في المكالمات، وحدث ذلك أولاً في نوفمبر 2022 ، بالوقت الذي حرر فيه الجيش الأوكراني مدينة خيرسون الجنوبية خلال هجوم مضاد، وقال إن العديد من الجنود الروس الذين وجدوا أنفسهم عالقين في مواقعهم بعد أن تخلى عنهم رفاقهم اتصلوا بالخط الساخن للاستسلام سلميا.

وجاءت موجة أخرى في الربيع ، حيث كانت أوكرانيا تستعد لأحدث هجوم مضاد لها، قال ماتفينكو:” في مارس 2023 ، تلقينا ما يقرب من 3000 طلب”. “هذا مقارنة بشهر ديسمبر 2022، عندما كان هناك 1500 طلب.”

ويقول مسؤولون عسكريون أوكرانيون وقادة ساحات القتال إن أحد الأسباب التي تجعل القوات الروسية تتخلى عن مواقعها وتسلم نفسها إلى كييف هو سوء معاملة قادتها.

وأجرى المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي تقييما مماثلا في أكتوبر: “لدينا معلومات تفيد بأن الجيش الروسي كان يعدم بالفعل جنودا يرفضون اتباع الأوامر . . . [أو] يسعون إلى التراجع”.