روسيا تقصف الممرات مُعطّلة عمليات نقل المساعدات الإنسانيّة إلى سكان ماريوبول
تضرب الكارثة الإنسانيّة التي ألمّت بالمدن الأوكرانية وخصوصاً ماريوبول البشر والحجر بدون رحمة، فالدمار والحرائق شوّهت معالم المدينة، فيما شرّدت الحرب أهالي وسكان المدن تاركة الأطفال لمصيرهم، يعبر معظمهم الحدود هرباً من الموت بمفردهم بعد أن قُتل أهلهم في الغارات الروسيّة، فأي مصير ينتظر هؤلاء والوضع الإنساني ينحدر إلى ما هو أسوأ كلّ يوم؟.

تبذل الحكومة الأوكرانية قصارى جهدها لإنقاذ شعبها والحفاظ على ما تبقى فيما تطلق رئيسة قسم الشؤون الداخلية لأوكرانيا ماري أكوبيان صرخة استغاثة علّ المجتمع الدولي يسمع.

ماريوبول

صورة تظهر آثار الدمار على المباني السكنية في مدينة ماريوبول الاوكرانية جراء القصف الروسي – رويترز

تضعنا أكوبيان أمام خارطة واضحة من الأرقام التي توضح تداعيات الحرب وأضرارها على أوكرانيا ومدنها وشعبها فالهجوم العسكري الروسي تسبّب حسب ما أوضحت بـ”هجمات على المناطق السكنية ومنشآت البنية التحتية المدنية، ثم تعرّض حوالي 1000 شخص للخطر، تم إشعال حوالي 15000 حريق بما في ذلك أكثر من 4000 حريق بسبب الأعمال العسكريّة، وتم رصد أكثر من 2000 هكتار من الأراضي من قبل خدمة الطوارئ الحكوميّة. كما تم قصف المناطق السكنيّة لمدن مثل خاركيف وسومي وماريوبول وميليتوبول وتشيرنيفتسي، ضواحي كييف والعديد من المناطق الأخرى ممّا أدى إلى مقتل وجرح المدنيّين الأبرياء”.

ولفتت إلى أن الوضع الأسوأ هو في مدينة ماريوبول المحاصرة والتي أصبحت الآن شبه مدمرة، “فما يقارب من 200 ألف مدني لا يزالون في حالة حصار بدون ماء وتدفئة وبدون طعام وكهرباء واتصالات، لأكثر من ثلاثة أسابيع وفقد آلاف المدنيين حياتهم بسبب الهجمات والحصار الروسي”.

وأضافت “يقدّر العدد الحالي للقتلى المدنيين في ماريوبول بخمسة آلاف شخص، بينهم أكثر من 200 طفل. وقد قصفت روسيا مسرح الدراما، حيث تم إيواء ما يصل إلى 1200 مدني”.

في المقابل نفذت أوكرانيا “حوالي 26,950 عملية انتشار بما في ذلك 10,380 عملية لضبط الأضرار بسبب الهجمات العسكرية الروسية على المناطق السكنية ومنشآت البنية التحتية المدنية وقد تمّ إنقاذ 951 شخصًا وإطفاء 14,310 حريق،  4,156 منها ناجمة عن الأعمال العسكرية كما تم تفكيك أكثر من 11,184 ألف مادة متفجرة من بينها 398 قنبلة جوية”.

ماريوبول

أوكرانيا تدافع عن أوروبا

تواصل القوات الروسية حالياً بحسب أكوبيان “مهاجمة أوكرانيا من أراضي روسيا وبيلاروسيا والأجزاء المحتلة مؤقتًا من دونيتسك الأوكرانية ومناطق لوغانسك وشبه جزيرة القرم. إنها حرب واسعة النطاق شنّتها روسيا ضدّ أوكرانيا وليست نزاعاً، فاستخدام الكلمة الصحيحة هو أمر بالغ الأهمية حين نسلّط الضوء على الوضع في أوكرانيا، يجب أن نشير دائماً وبوضوح إلى روسيا بصفتها معتدية”، مضيفة “نحن نحمي أوروبا بأكملها ولا نحمي أنفسنا فقط لأن بوتين لن يتوقف عند حدود أوكرانيا”.

وتشير أكوبيان إلى أنه “بعد فشل خطة الغزو الأصلية التي تهدف بشكل خاص إلى الاستيلاء على كييف وخاركيف وأوديسا، توجه القوات الروسية الآن عملياتها الهجومية الرئيسية على منطقتي دونيتسك ولوغانسك وبشكل خاص على مدينة ماريوبول بهدف تحريك الخط الأمامي للحدود الإدارية لهاتين المنطقتين. ويتم الآن في مناطق أخرى إعادة حشد للقوات المحتلة وتجديدها من أجل تجديد تقدمها إلى الأراضي الأوكرانية”.

ولفتت إلى أن روسيا أطلقت “467 صاروخاً على المناطق السكنية ويقدر العدد الإجمالي بأكثر من 1200، بالإضافة إلى هجمات بالطيران 1804 غارة جوية حتى 24 مارس، وهجمات بالدبابات والمدفعية كما أرسلت مجموعات تخريب واستطلاع 350 من أفرادها محتجزون اعتبارًا من 25 مارس”. كما لفتت إلى أن أوكرانيا “أصبحت ساحة تجارب للصواريخ الروسية التي استخدمت أكثر فأكثر مع إعاقة تقدّم القوات الروسية على الأرض”.

ماريوبول

غير أن الحرب لم تدمّر المدن وبناها التحتية فحسب فوفقًا لبيانات اليونيسف التي عرضتها أكوبيان “أدّت الحرب في أوكرانيا إلى نزوح حوالي خمسة ملايين طفل، أي أكثر من نصف عدد الأطفال البالغ عددهم سبعة ملايين ونصف، بما في ذلك أكثر من 1.8 مليون طفل عبروا إلى البلدان المجاورة كلاجئين ومليونين ونصف طفل هم الآن نازحون داخليًا أي داخل أوكرانيا وأغلبيّتهم قد فقدوا والديهم، ويبقى الكثير من هؤلاء الأطفال بمفردهم في الوقت الحالي. لهذا السبب نحن بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانيّة من الدولة المجاورة لنا، من أصدقائنا وشركائنا”.

ماريوبول

السكان المحليون يتلقون الخبز في مدينة ماريوبول الجنوبية المحاصرة – رويترز

إلى ذلك “تقدّر السلطات الأوكرانية أن حوالي 160 ألف شخصاً لا يزالون في المدينة الآن، لذلك نحن بحاجة إلى إجلائهم وما زلنا نقوم بإجلائهم. نخلي حوالي نصف المدينة في هذه اللحظة لكننا لم نتوصل إلى اتفاق مع الجانب الروسي. فالممر الأخضر أو ما يسمى بممرات الوصول لا تعمل وفق الجدول الزمني وحسب الاتفاق الذي نحصل عليه من الجانب الروسي. وهذا أمر مروّع لأن الناس يقيمون هناك بدون إمدادات وبدون طعام وتدفئة وكهرباء لفترة طويلة، بما في ذلك جميع ضباطنا وموظفينا وأقسام وزارة الداخلية”.

وأضافت “أنا شخصياً على تواصل مع جميع موظفينا الذين يخدمون الآن في ماريوبول، وهم يعانون أيضًا بسبب نقص الغذاء والتدفئة وجميع المستلزمات الأخرى. لهذا السبب سيكون من الجيد الحصول على الدعم هنا من المجتمع الدولي الذي يمكنه دفع الجانب الروسي والضغط عليه للمغادرة أو إخراج السكان المدنيين من المدن المحظورة تحت الحصار مثل ماريوبول”.

ماريوبول

أهميّة ماريوبول الاستراتيجيّة

تركّز القوّات الروسية بشكل أساسي على ماريوبول، فالمدينة تعاني القصف العنيف والحصار بشكل مكثف ومركّز منذ بداية الحرب. بالنسبة لأكوبيان فإن نظام بوتين يركّز على ماريوبول بشكل خاص لأنه “يريد الإنتقام من صمود شعب ماريوبول الذين كانوا يعبّرون عن موقفهم المؤيد لأوكرانيا منذ العام 2014. وفي ذلك الوقت أظهر جنود ماريوبول والمواطنون دعمهم الواضح لأوكرانيا، والآن إن احتلال ماريوبول هو قضية أساسيّة بالنسبة للروس. هذا أولاً أما ثانياً إننا نعرف أن ماريوبول هي في موقع يجعل منها ممراً للخروج من أراضي أوكرانيا إلى شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا أيضًا، لهذا السبب تعتبر ماريوبول أرضاً استراتيجية بالنسبة لهم فهم يحاولون حشد كل جهودهم كي لا يتركوا ماريوبول والحؤول دون استعادتها من قبل القوّات الأوكرانيّة”.

كلّما حاولنا فتح ممرّات إنسانية جديدة لنقل البضائع الإنسانية من زاباروجيا إلى ماريوبول وجميع المدن الأخرى القريبة منها، تكرر روسيا تعطيل عمليات التسليم هذه

ماري أكوبيان

رئيسة قسم الشؤون الداخلية لأوكرانيا

أما عن صعوبة إرسال الحكومة للمساعدات العسكرية والإنسانيّة إلى ماريوبول قالت: “في الواقع إن كل فرد في حكومتنا وكل فرد من موقعه يبذل قصارى جهده لمساعدة سكان ماريوبول والقوات الأوكرانيّة في ماريوبول. حرم الروس بشكل ساخر نصف مليون شخص من سكان ماريوبول في البداية ويستمرّون الآن بفعل الشيء نفسه، كلّما حاولنا فتح ممرّات إنسانية جديدة لنقل البضائع الإنسانية من زاباروجيا إلى ماريوبول وجميع المدن الأخرى القريبة منها، تكرر روسيا تعطيل عمليات التسليم هذه. ما إن تظهر تلك البوادر من جانب الحكومة الأوكرانية حتى يفتح الجيش الروسي نيران الرشاشات وقذائف الهاون على حركة القوافل الإنسانية”.

إنها المرة الثانية التي تعاني فيها أكوبيان من العدوان الروسي، فالمرة الأولى كانت مع احتلال شبه جزيرة القرم في العام 2014 تتحدث بأسى عن احتلال موطنها لكنها تقاوم بشجاعة كي لا تتكرر اليوم النتيجة نفسها التي رسّخها نظام بوتين في العام 2014. وتقول: “مع بدء احتلال شبه جزيرة القرم في العام 2014، أدركت أنني لن أستطيع العودة إلى وطني في ذلك الوقت، كان من الواضح أن ذلك شكّل ضغطًا كبيرًا بالنسبة لي ولأصدقائي الذين كانوا يعيشون في شبه جزيرة القرم في ذلك الوقت. من الصعب جدًا أن نفهم أن هذا قد حدث بالفعل وما زلنا نفاوض بشأن هذه القضية وما زلنا لا نحقق تقدمًا كاملاً في ذلك. ولكن الآن عندما بدأت حرب واسعة النطاق في جميع أنحاء أوكرانيا عبر المدن والبلد بأكمله، رأينا أن جميع المدن والمواطنين يعانون بدون منازلهم وبدون أقاربهم وما إلى ذلك. وما أفهمه أننا لن ندع ما حصل مع احتلال القرم يتكرر، لذلك نحن نبذل قصارى جهدنا لحماية أرضنا وحماية شعبنا وحماية كل بنيتنا التحتية ونأمل أن نعود يومًا ما بالتأكيد إلى شبه جزيرة القرم، إلى وطننا الأم، إلى موطننا”.

هل تلقى المدن الأوكرانية في نهاية تلك الحرب مصير شبه جزيرة القرم أم أنها تنجح في صدّ العدوان الروسي وإحباط مؤامرات ابتلاعها؟.