خلال العام الماضي، جرى التوصّل إلى اتفاق ضمني بين بكين وإسلام آباد لإنشاء شبكة إعلامية لمواجهة ما اعتقدوا أنه الصورة السلبية المتزايدة لمبادرة الحزام والطريق. ولا يُسمح لوسائل الإعلام الباكستانية بالإبلاغ عن انتهاك حقوق الإنسان في الصين.

ويتزايد نفوذ وتأثير بكين على البنية التحتية للمعلومات العالمية بسرعة، إذ تقوم شركات التكنولوجيا الصينية التي ترتبطُ ارتباطاً وثيقاً بالحزب الشيوعي الصيني، ببناء أو مشاركة منصات نشر المحتوى التي يستخدمها عشرات الملايين من المشاهدين في كلّ أنحاء العالم.

وتشارك التكتلات الإعلامية الصينية التي تديرها الدولة على الصعيد العالمي، في إبراز صورة إيجابية عن الصين والنظام الاستبدادي للحزب الشيوعي الصيني، وذلك لجذب الإستثمار في الصّين والدفاع عن المشاركة الإستراتيجية الصينية في الخارج.

وفي باكستان، تدور استراتيجية بكين حول إنشاء “نظام اشتراك” مع وسائل الإعلام المحلية لتطوير قوّة دفاعية مشتركة ضدّ توجيه الانتقادات العالمية على مبادرة البنية التحتية التي تبلغ قيمتها تريليون دولار.

“وسائل الاعلام في باكستان تخضع للتأثير الصيني المباشر”

وفي السياق، يقول الياس خان، مراسل هيئة الإذاعة البريطانية “BBC” لـ”أخبار الآن، إنّ “وسائل الاعلام التي تديرها الدولة والقنوات الخاصة في باكستان، تخضع للتأثير المباشر لآلة السيطرة الزاحفة التي ترعاها بكين. ويُضيف خان: “لا يُسمح لمنصات الإعلام المحلية بإجراء تقارير إستقصائية حول قضية الإيغور، حتى أنّ التحليل المستقل للمر الإقتصادي بين الصين وباكستان غير مُحبّذ”.

الصين تروّض إعلام باكستان!

الياس خان، مراسل هيئة الإذاعة البريطانية “BBC”

ومع هذا، فقد أوضح خان أنّ “إسلام آباد يسرت رسمياً الربط بين بوابتي الأخبار في البلدين. لقد بدأ التلفزيون الباكستاني الذي تديره الدولة في بثّ أفلام وثائقية ومسرحيّات وبرامج تلفزيونية صينية أخرى قبل سنوات من بدء المنافذ المستقلة المحلية في استكمال دفع الصين المتزايد من أجل القوّة الناعمة الثقافية والإعلامية في نادي “مبادرة الحزام والطريق” (BRI).

من جهتها، تشير منظمة “فريدوم هاوس”، وهي مركز أبحاث أمريكي، إلى أنّه في العام 2009، كانت بكين تنفق 6 مليارات دولار على التوسّع العالمي لوسائل الإعلام الحكومية، وقد ارتفع المبلغ إلى 10 مليارات دولار سنوياً في العام 2017.

وفي حديثٍ لـ”أخبار الآن“، أشار مشاهد حسين سيد، عضو مجلس الشيوخ عن الرابطة الاسلامية الباكستانية (جناح نواز شريف) ورئيس مركز الأبحاث الباكستاني الصيني (PCI)، إلى أنه لم يُلاحظ أي صلة بين السياسات الاعلامية للصين وباكستان، وقال: “لا أرى ارتباطاً بين استراتيجية الصين الإعلامية والأحداث داخل باكستان، وهي ليست ذات صلة، لأن القضايا مختلفة”.

ومع هذا، نفى سيد وجود “أي تفاهم ثنائي على مستوى الدولة بين الصين وباكستان لمواجهة الانطباع السلبي المتزايد حول مشاريع الممر الإقتصادي الصيني الباكستاني، وقال: “حتى الآن، على حدّ علمي، لا يوجد تفاهم ثنائي على مستوى الدولة لمواجهة المعلومات المضلّلة ضدّ الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني، والتي تنبع إلى حدّ كبير من مصادر في الهند والغرب. أعتقد أنّ افتراض التصوّر السلبي المتزايد عن الممر الإقتصادي الصيني الباكستاني غير دقيق من الناحية الواقعية، حيث دخل الممر بالفعل في المرحلة الثانية. أعتقد أنّه من المهم فرز الحقيقة من الخيال”.

وفي سياق حديثه، استبعد سيّد أيّ علاقة بين الصين واستراتيجية باكستان للتحكم بوسائل الاعلام، ويقول: “لا على الإطلاق.. لا توجد علاقة من أيّ نوع. فالوضعان غير قابلين للمقارنة: سياسات الإعلام الصينية مدفوعة لمواجهة الدعاية الخارجية، بينما سياسات الاعلام الباكستانية متجذرة في الضغوط المحلية”.

وقد ساعد مركز الأبحاث الباكستاني الصيني، الشبكة الاقتصادية الصينية التي تديرها الدولة على خلق تفاعل بين المنصات الإعلامية الصينية والباكستانية.

ودخل منتدى وسائل الاعلام الخاص بالممر الإقتصادي الصيني الباكستاني حيّز التنفيذ أواخر العام 2015، وذلك عندما نسّقت السفارة الصينية ومركز الأبحاث الباكستاني الصيني لعقد المنتدى في إسلام آباد. وتهدف المنصة الإعلامية للممر الاقتصادي إلى تسهيل عمل المجموعات الاعلامية لإقامة تعاون إعلامي بين الصين وباكستان. وتعقد المنصة جلسات منتظمة، ومن المقرر أن تتعاون بين الوكالات الإعلامية في البلدين.

وفي أبريل/نيسان عام 2019، أطلقت الصين شبكة أخبار الحزام والطريق (BRNN)، وهي منصة إعلامية قوية مقرها بكين لتوحيد الجهود مع المنظمات الإعلامية للبلدان والمناطق المشاركة في مبادرة الحزام والطريق. وكان الهدف هو التفوق على بوابات الأخبار المستقلة من خلال تصدير المحتويات الصينية المنحرفة إلى وسائل الإعلام في الدول الأعضاء في مبادرة الحزام والطريق.

ويعتقد الخبراء أنّ هناك استراتيجية أوسع نطاقاً لتصدير نسخ صينية ملونة للغاية من إنتاج الأخبار من خلال هذه المؤسسات.

وتنشر شبكة أخبار الحزام والطريق (BRNN) كمّاً كبيراً من المحتوى عبر الإنترنت من خلال القنوات التي ترعاها الدولة، تتعلق  بدور الإعلام في البلدان المشاركة التي تعتبر ضمن نادي “مبادرة الحزام والطريق” (BRI)، فيما لا توجد رسوم أو مصاريف لقاء هذه الخدمات.

وقبل بضع سنوات، ادعى مسؤول في التلفزيون الباكستاني الحكومي، بأنّ هناك نظاماً قائماً لتنسيق جهود شبكة الصين الإقتصادية ومركز الأبحاث الباكستاني الصيني المؤيّد لبكين، ومقرّه إسلام أباد، للدفاع عن الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC) وإبعاد السلبية بشأن الإستثمارات الصينية.

ومع هذا، يقول مشاهد حسين سيد أنّ شبكة أخبار الحزام والطريق (BRNN) موجودة في العلن ويمكن رصدها من تصريحاتها العامة، مشيراً إلى أنّه على أيّ حال، فإنّ معظم وسائل الإعلام في باكستان مملوكة من قبل القطاع الخاص ويمكنها التفاعل بحرية مع وسائل الإعلام الأجنبية.

الصين تروّض إعلام باكستان!

فردوس عاشق أعوان، المساعدة الخاصة لرئيس الوزراء الباكستاني السابق لشؤون الإعلام والإذاعة

باكستان تدعو كبار الإعلاميين للتنسيق مع وكالات الإعلام الصينية

وفي نهاية ديسمبر/كانون الأول 2019، كانت أعلنت الدكتورة فردوس عاشق أعوان، وهي المساعدة الخاصة لرئيس الوزراء الباكستاني السابق لشؤون الإعلام والإذاعة، أنّ وكالة الأنباء الصينية “شينخوا” تملكها الدولة، لديها  تعاون كبير مع أكثر من 20 منفذاً إعلامياً في باكستان، بما في ذلك الوكالات التالية:

Jang Group, Daily Pakistan, Nawa-i-Waqt, Associated Press of Pakistan (APP), Independent News Pakistan (INP), Express, Daily Times, Hum News and Pakistan Today.

وأكّدت أعوان العمل على ترسيخ التكامل الاعلامي لمواجهة تسويق المحتوى السلبي في مبادرة الحزام والطريق (BRI)، التي يعد الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني مكوناً رئيسياً فيها. وقد حثت أعوان، في كلمة ألقتها في حفل “All-Media-Service of Xinhua News Agency” في إسلام أباد ، والذي حضره عدد كبير من الإعلاميين الباكستانيين المهّمين، على التنسيق مع بوابات الأخبار الصينية للدفاع عن استثمارات بكين في باكستان.

وفي هذه المناسبة، أعلنت وكالة أنباء الصين الرسمية (شينخوا) عن إطلاق خدمة الأوردو (اللغة الرسمية لباكستان) لتعزيز التعاون مع وسائل الإعلام المحلية في محاولة لتفادي الانتقادات الموجهة للمشاريع الكبرى في إطار مبادرات الحزام والطريق في باكستان.