اشتبكَ مواطنون وقوات الأمن في مدينة سرافان الإيرانية في محافظة سيستان وبلوشستان جنوب شرق إيران. كان ذلك يوم الثلاثاء، أي بعد يوم على مقتل 10 من مهربي الوقود برصاص الحرس الثوري الإيراني بالقرب من الحدود الباكستانية – الإيرانية بمدينة بنجغور في بلوشستان. كذلك، قتل أو جرح العديد من البلوش الباكستانيين في الحادث، وتتم معالجتهم في المستشفى المحلي في بلوشستان.

ومقاطعة سيستان الإيرانية ومقاطعة بلوشستان في باكستان هي موطن قبائل “البلوش” التي تعيش على جانبي المناطق الحدودية. وتمثل هاتان المنطقتان الفقر المدقع، فالأرض قاحلة ووعرة، وقد حرمت كلّ من إيران وباكستان هاتين المنطقتين ولم يتم انفاق أيّ شيء لتعزيز الحالة الإجتماعية والإقتصادية للسكان البلوش.

الحدود الإيرانية - الباكستانية تغلي.. نار على وقع التهريب والفقر!

مهربو الوقود على الحدود الايرانية الباكستانية (أخبار الآن)

وأدّى الإفتقار إلى الأنشطة الاقتصادية والتصنيع والمرافق المدنية والتنمية البشرية، إلى بطالة هائلة، كما ساهم ذلك في تحوّل الشباب إلى أعمال التهريب المُربحة التي تعدّ محفوفة بالمخاطر في الوقت نفسه.

ويلجأ المئات من الشباب البلوش المتعلمين إلى تجارة النفط لكسب قوت يومهم، إذ أنّهم يهربون الوقود والمخدرات والفواكه وأشياء إيرانية أخرى إلى بلوشستان وإلى مدن كبيرة أخرى في باكستان لتغطية نفقاتهم.

وتعبيراً عن مشاعر الغضب إثر حادثة إطلاق النار يوم الإثنين، والتي قتل فيها الحرس الثوري الإيراني وجرح عشرات من مهربي الوقود الإيرانيين والباكستانيين العاملين على الحدود الباكستانية – الإيرانية في بلوشستان، نزل الناس إلى الشارع في مدينة سرافان الحدودية الإيرانية. وتقول التقارير إنّ المواجهة بين الشرطة والمتظاهرين خلّفت عدداً من الجرحى، حيث أضرم محتجون النار في سيارات حكومية ونهبوا المكاتب في المدينة.

الحدود الإيرانية - الباكستانية تغلي.. نار على وقع التهريب والفقر!

مهربو الوقود يستخدمون الدراجات النارية على الحدود الايرانية – الباكستانية لتهريب الوقود (أخبار الآن)

وكشفت تقارير صادرة عن منافذ الأخبار الاجتماعية الإيرانية ومقرها الولايات المتحدة ومنظمة إيرانية مناهضة للنظام في المنفى، أنّ المتظاهرين اقتحموا الثلاثاء مكتب القائمقام في سرافان انتقاماً لمقتل مهربي الوقود على أيدي قوات الحدود الإيرانية. ولجأت الشرطة الإيرانية إلى إطلاق الغاز المسيل للدموع بشكل كثيف وإطلاق النار في الجو لتفريق الحشود.

وقال مير يونس عزيز زهري، وهو عضو جمعية بلوشستان من منطقة خوزدار الكائنة في بلوشستان المتاخمة للحدود الباكستانية الإيرانية حيث حصل الحادث، لـ”أخبار الآن“، إنّ العديد من الباكستانيين البلوش أصيبوا بجروح خطيرة وتمّ قبولهم حالياً في مستشفيات مختلفة بالمحافظة.

الحدود الإيرانية - الباكستانية تغلي.. نار على وقع التهريب والفقر!

وأضاف زهري لـ”أخبار الآن“، أنّ “قوات الحدود الإيرانية أطلقت نيراناً كثيفة على الأراضي الباكستانية لضرب تجار الوقود وهو أمر مؤسف للغاية”، مشيراً إلى أنّ “البلوش الذين يعيشون في إيران وباكستان هم أمة واحدة”. ودان بشدة الفظائع التي ترتكبها القوات الإيرانية ضدّ “التجار السلميين”، مطالباً السلطات بالسماح للأنشطة التجارية بين البلدين.

وفي الوقت نفسه، دانت منظمة حقوق الإنسان في جنوب آسيا، وهي منظمة غير حكومية مسؤولة عن تعزيز وحماية حقوق الإنسان في كل أنحاء دول جنوب آسيا، الحادث بشدة. وأعربت المنظمة اليمينية في تغريدة عن صدمتها وغضبها من مقتل أكثر من 10 مدنيين عزّل على يد قوات الأمن الإيرانية، داعيةً السلطات الإيرانية الى اتخاذ إجراءات صارمة ضدّ مرتكبي أعمال غير إنسانية وشائنة ضدّ الإنسانية.

ولم تتحدث وسائل الإعلام الإيرانية والباكستانية عن الحادث الذي كان يمكن أن يضع علامة استفهام حول دور القوات الحدودية لكلّ من إيران وباكستان.

كمية النفط التي تُهرّب كل عام تعادل قيمتها 1.5 مليار دولار

وكانت لجنة تحقيق كشفت في ديسمبر من العام الماضي، أنّ ما قيمته 1.5 مليار دولار من النفط يتمّ تهريبه كلّ عام إلى البلاد عبر منطقة تافتان (بلوشستان) الحدودية، بتواطؤ واضح من السلطات شبه العسكرية والجمارك. وجاء في تقرير اللجنة: “السؤال الذي يطرح نفسه، هو حول كيفية عبور مثل هذه الكمية الهائلة من البنزين والكيروسين والديزل حدود تافتان وأبعد من ذلك في كلّ أنحاء البلاد على الرغم من وجود العديد من الوكالات التي تعمل على الحد من هذا الخطر”.

وكشف تقرير التحقيق بشكل أكثر تحديداً أنّ النفط المهرّب تمّ إحضاره في صهاريج سعة 50000 لتر، عبر البر وليس على ظهور البغال أو البشر. وأوصى التقرير بإجراء تحقيق أعمق في قضية التهريب مع الإشارة بشكل خاص إلى “الدور المشكوك فيه” للجمارك وقوات الحدود.

ونقل عن حسن نوروزي، عضو البرلمان الإيراني، قوله إنّه في كلّ عام، يتم تهريب ما بين 20 و 25 مليار دولار داخل وخارج البلاد، وفي حال تمّ توقيف تهريب تلك الأموال، فإنها ستخلق مئات الآلاف من فرص العمل.

ووفقاً لبعض التقارير، فإنّه يتمّ تهريب أكثر من عشرة ملايين ليتر من البنزين يومياً إلى خارج إيران، أي ما يصل إلى 3.65 مليار ليتر كلّ عام. كذلك، تشير تقارير أخرى إلى أنّ الرقم أعلى. وبالإضافة إلى تهريب البنزين، يتمّ أيضاً تهريب الكيروسين والديزل بكميات كبيرة.

“تهريب الوقود مصدر رزق السكان المحليين”

وقال عضو  في مجلس بلوشستان، وهو أصغر علي تارين، لـ”أخبار الآن” إنّ الوقود يُنقل عبر شاحنات صغيرة ودراجات نارية من حدود تفتان وبنجغور ويتمّ توريده إلى لاسبيلا وكويتا وحتى شامان. ويضيف: “إنه مصدر رزق السكان المحليين لأنّهم لا يملكون أي وسيلة أخرى لكسب عيشهم. إذا حرمتهم من أرباحهم من خلال تجارة الوقود، فسوف يتحولون إلى أنشطة مناهضة للمجتمع وغير قانونية مثل الإرهاب والسرقة”.

وأكّد تارين الحاجة إلى توفير تسهيلات بديلة لهذه المنطقة الفقيرة، وقال: “على الحكومة توفير الوظائف وتقديم المساعدة المالية لهؤلاء الأشخاص حتى يتمكّنوا من بدء أعمال تجارية قانونية ويصبحوا مواطنين نافعين”.

وعلى الرغم من أنّ قوات الحدود الإيرانية والباكستانية متورطة بشكل متساوٍ في تنامي تهريب الوقود، فإنّ تجار النفط كثيراً ما يتعرضون للمضايقة، ويُجبرون على دفع رشاوى ضخمة – تزيد عن 20% من أرباحهم – للحصول على مخرج آمن من الحدود. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ مآسيهم لا تنتهي، وتمت مصادرة المركبات المليئة ببراميل النفط وإعادتها بعد دفع فدية كبيرة.

“ما لم يعمل الناس بتجارة الوقود فسوف يتضورون جوعاً”

وقال عبد الواحد صديقي، عضو اتحاد “مجلس عمل” في مجلس بلوشستان أثناء حديثه إلى “أخبار الآن“، إنهم يدعمون ناقلي الوقود لأنّ 90% من البلوش الذين يعيشون على جانبي الحدود ليس لديهم مصدر دخل آخر باستثناء التعامل في مجال الوقود.

الحدود الإيرانية - الباكستانية تغلي.. نار على وقع التهريب والفقر!

وأضاف: “الجزء من بلوشستان حيث يتمّ تنفيذ هذه الأعمال فيه متخلف للغاية وخالٍ من الأنشطة الاقتصادية. إذا لم يعمل الناس في تجارة الوقود، فسوف يتضورون جوعاً”.

وفي الشهر الماضي، وافق رئيس الوزراء عمران خان على خطة عمل شاملة لبدء حملة كبيرة ضد تهريب النفط. وقررت الحكومة اتخاذ إجراءات صارمة ضد حوالى 2094 من منافذ البيع بالتجزئة غير القانونية للبنزين في البلاد لقطع خط الإمداد للبيع غير القانوني للبنزين والديزل.

وأطلع مسؤولو الجمارك في عرض تقديمي رئيس الوزراء على أنّ البيع غير القانوني للمنتجات البترولية أثر على الاقتصاد بخسارة تزيد عن 1.5 مليار دولار سنوياً.

وتقوم الحكومة أيضاً بتقييم خيار إضفاء الشرعية على استيراد منتجات “POL” من إيران من خلال الإستيراد عبر الطرق البرية. وستقدم وزارة الشؤون الخارجية ووزارة البترول ووزارة التجارة توصيات في هذا الصدد، إذ ستبدأ بعد عملية خنق طرق الإمداد الرئيسية بما في ذلك باروم وبنجغور وباسيما وهشاب وأورمارا ودشت (مستونغ).