آسية عبد الرحمن – ساحة الرأي | أخبار الآن

 أشهر قليلة تفصل الأفغانيين عن مغادرة القوات الأميركية وفق الوعد الرئاسي لباراك أوباما، بعد ثلاث عشرة سنة من المكوث، مضى جلها في الحرب المعلنة على الجماعات المسلحة المرتبطة بالقاعدة وطالبان، وانسحبت تدريجيا الدول التي شاركت في قوات حفظ الأمن في أفغانستان إيساف ، وعلى الأفغان مواجهة مصيرهم بأنفسهم.

ولا يخفى على المتابع للشان الأفغاني أن حدة العمل المسلح للجماعات المتطرفة خفت إلى مستوى بعيد من المستوى الذي كانت فيه خلال السنوات الأولى من الحرب، بل إن الحركة التي كانت تحكم البلاد لأكثر من خمس سنوات، وعرضته لحرب كارثية، قد دخلت فعليا في حوار مع الحكومة التي أوصلها الشعب بالانتخابات الديمقراطية، تلك الديمقراطية التي أقامت طالبان خلال سنوات حكمها حاجزا سميكا بين الشعب معها.

ومثل أي دولة تعبر مرحلة انتقالية بعد سنوات من الحرب، فإن الدول والشركات الكبرى تتسابق إليها بحثا عن فرص ربح في إعادة الإعمار، وإيجاد موطئ قدم في النفوذ السياسي، للبلد الذي يشكل لنفسه نظاما مؤسسيا منطلقا مما تحت الصفر.

أكثر الأسئلة التي تطرح في هذه المرحلة هي سؤال من سيحصل على الحصة الكبرى؟

وإذا اعتمدت المعطيات الواردة من أفغانستان، فإن القادم لن يكون بالضرورة بعض تلك الأسماء الكبيرة المرتبطة في أذهان الناس بالاحتلال، بل قد يكون أحد الجيران القربين جدا.

بعد الانسحاب الأميركي من العراق، كانت هناك مخاوف حقيقية من النفوذ الإيراني المتزايد في العراق، بل وصل البعض إلى القول إن الجيش الأميركي أسقط نظام صدام حسين، وسلم الدولة على طبق من ذهب إلى إيران، وهو ما أثبتته لاحقا كل المعطيات السياسية والاقتصادية والثقافية.

أما في أفغانستان فإن المشترك مع إيران أكثر بكثير من المشترك بينها وبين العراق، فاللغة الفارسية متداولة في أفغانستان لدى أكثر من ستين في المائة من السكان، والحدود المشتركة بين البلدين قرابة ألف كيلومتر تقريبا،

وتمسك طهران بعدد من الخيوط التي تحركها باستمرار وفق مصالحها الخاصة، في عدد من الملفات المهمة مثل تجارة المخدرات وقضايا اللاجئين والتبادل التجاري، ودعم الأقلية الشيعية التي لا تزيد حتى الآن عن خمسة في المائة، لكنها قابلة للزيادة إن استمرت الرعاية الإيرانية والتغاضي الغربي.

ولأن اللغة الفارسية من أكثر اللغات شيوعا في أفغانستان فقد وجدت إيران فرصتها في دخول السوق الإعلامية، حيث تفيد التقارير الواردة من هناك أن أكثر من ثمانين قناة تلفزيونية من أصل مائة وسبعين قناة تبث في أفغانستان تتبع النفوذ والمال الإيراني، بل تتحدث تلك التقارير أيضا عن المساهمة الفعلية في إدراة الشأن الأفغاني من خلال ضمان ولاء اكثر من خمسين نائبا في البرلمان الأفغاني وهي نسبة ليست قليلا، وقادرة على تشكيل لوبي يضمن المصالح الإيرانية في القضايا السيايسة والاقتصادية.

كما أن الحكومة الإيرانية كانت من أكبر المساهمين ولو من رواء ستار في إسقاط حكم طالبان، وبعد ذلك في التعاون مع المخابرات الأميركية في تصفية قادة القاعدة، وتسهيل تهريبهم، فإنها تستجعل خلو الساحة من آخر جندي أجني لتكون لها اليد الطولى في رسم مستقبل أفغانستان المقبل.. فهل ستكرر الولايات المتحدة خطأها في العراق؟