قصة أمل وعزم تحملها سيدة أوكرانية رغم أهوال الحرب: نريد أن يكبر أطفالنا في بلادنا
عشية الرابع والعشرين من فبراير 2022، احتضنت مارغريتا كوشيرينكو (Maragarita Kucherenko) طفلتيها الصغيرتين داخل منزلهم الآمن في كييف ونامت قريرة العين دون أن تعرف أنه في اليوم التالي ستتغيّر حياتهم إلى الأبد.
بعد ساعات قليلة من تلك الأمسية، تحرّكت آلة الحرب بفعل الأطماع “البوتينية” معلنة بذلك بداية الغزو على أوكرانيا ونهاية الحياة الهادئة التي كان ينعم بها للأوكرانيون.
“الحرب شكّلت تحدياً نفسياً، معنوياً وجسدياً بالنسبة لنا”، قالت مارغريتا البالغة من العمر 30 عاماً لـ”أخبار الآن“، “خصوصاً بوجود طفلتين تحتاجان للرعاية والحماية، وسط الرعب والتنقلات المتكررة، والتحرك المستمر باتجاه الملاجئ”.
كآلاف الأوكرانيين، انقلبت حياة هذه السيدة رأساً على عقب خلال السنتين الماضيتين، التي قُتل وُجرح خلالها عشرات الآلاف من الأوكرانيين، بحسب مسؤولين غربيين، وتكبدت فيها روسيا خسائر فادحة أيضاً.
إلى جانب حالة الرعب التي أضيفت إلى حياتها، اضطرت مارغارتيا على خلق الصمود واكتساب القوة لمواجهة كل التحديات المترافقة مع الحرب.
وكما في حياة كوشيرينكو كذلك لدى مختلف الأوكرانيين، إذ تبدلت حياتهم وتغيّرت عاداتهم واضطروا إلى اتخاذ عادات وتحركات تلائهم الاضطرابات العسكرية المحيطةبهم.
اليوم تخلو مثلاً بعض البلدات من قاطنيها، وتئن الكثير من العائلات من موت أحبائها أو فقدانهم، فيما تشهد الشوارع والمباني على آثار الحرب وقساوتها.
لكن، بعد مرور كل ذلك الوقت، تؤكد مارغريتا أنها، وأسرتها، اعتادت الهجمات وصوت القصف الرهيب، لا بل تعلمت التمييز بين أصوات الصواريخ والطائرات بدون طيار من جهة، وأصوات الدفاعات الجوية الأوكرانية المضادة للطائرات من جهة أخرى.
وتروي لـ”أخبار الآن” أن طفلتيها أصبحتا تعرفان أنه عند انطلاق أجهزة الإنذار بوجود غارة جوية أو هجوم صاروخي، يتعين عليهما إما الاختباء في الحمام أو الاتجاه نحو موقف السيارات.
وقالت: ابنتي البكر تطلب من الله باستمرار أن يغادر الروس أرضنا، حتى نعيش في سلام ومحبة.
التمسك بكييف
في الأشهر الأربعة الأولى من الحرب، حمل الخوف مارغريتا إلى الخروج من كييف بحثاً عن شيء من الأمان والاستقرار، فمكثت في إحدى القرى بداية ثم انتقلت إلى منطقة لوتسك لاحقاً، قبل أن تقرر العودة إلى مكانها الطبيعي: كييف.
أبت مارغريتا أن تتخلى عن العاصمة، وقررت العودة مع زوجها وطفلتيها رغم أهوال الحرب واستمرار الأعمال العسكرية.
وعن هذا القرار، توضح لـ”أخبار الآن”: “مقر عمل زوجي يقع في كييف، وكان علينا مساعدة جيراننا في لملمة أنفسهم بعد كل ما حصل، لذا اتخذنا ذلك القرار”.
وقالت: كانت البداية صعبة للغاية خصوصاً مع سماع الانفجارات والهجمات التي تنفذها المسيرات الإيرانية الصنع التي كانت تطلقها روسيا.
كان البكاء وقراءة الأخبار يلازمان مارغريتا في تلك الفترة. “كنت أسأل نفسي باستمرار، لماذا يحصل ذلك لنا يا ترى؟ ومتى عسى هذا الكابوس ينتهي”. مع ذلك لم تستسلم للخوف.
أوكرانيون بفخر
رغم لحظات الضعف، نجحت مارغريتا، كأم وكمواطنة أوكرانية، في خلق مساحة من العزم والأمل، وزرعت في نفس أولادها شيئاً من الانتماء إلى الوطن، وهو ما تحتاجه أوكرانيا حاضراً ومستقبلاً لتحافظ على وجودها.
فمضت تشرح لابنتيها ما يحصل حولهما، وأن وطنهما الجميل تعرّض للغزو من قبل روسيا، وهو بحاجة لحب أبنائه وتمسكهم به.
وقالت: عندما نبقى ونقاتل من أجل بلدنا، نظهر للعالم أننا أمة لا تقهر، وأننا نحب أرضنا وبلدنا وسندافع عنه. نريد أن يكبر أطفالنا في أوكرانيا وأن يكونوا فخورين بأصولهم وتاريخهم، وجذورهم.
وأضافت: نريد أن يكونوا فخورين بكونهم أوكرانيين!
الساعات الأولى
مع دخول الغزو الروسي لأوكرانيا العام الثالث، تستذكر مارغريتا الساعات الأولى لانطلاق الحرب، وتصفها بأنها كانت ضبابية تماماً، ومرعبة للغاية.
وتروي قائلةً: هرعنا إلى مواقف السيارات تحت الأرض عندما سمعنا صوات الإنذار، وحملنا معنا ما تيسّر من طعام وشراب وملآت وأغطية. وكنا نسمع الانفجارات وبدت قريبة جداً إلينا.
وأضافت: اضطررت إلى وضع طفلتي للنوم في السيارة، فيما كان البرد قارساً والخوف أقسى.
ولفتت مارغريتا إلى أن الانتقال إلى غرب أوكرانيا، حيث كانت الوضع آمنا بعض الشيء، تطلب 3 أيام مع كل ما يعنيه ذلك من قلة في النوم والإرهاق.
وأشارت إلى أن زحمة السيارات التي كانت تحمل الكثير من الأوكرانيين إلى “ملاذ آمن” عرقل وصولها مع عائلتها إلى وجهتهم.
“اضطررت إلى السير على الأقدام، بين السيارات المتوقفة، لمدة ساعة ونصف الساعة للقاء زوجي، فيما حملت ابنتي الصغرى بيد وأمسكت البكر باليد الأخرى”، بحسب ما ترويه مارغاريتا لـ”أخبار الآن”.
وتضيف: كانت ساعات طويلة من التعب والخوف، مع ذلك فقد مضت. والحياة تستمر.
الكثير قد تغيّر..
تشدد مارغريتا على أن الحرب لم تبدأ منذ سنتين بل منذ العام 2014، لكنّ العالم لم يدرك ذلك بالفعل إلا في فبراير 2022.
وتلفت إلى أن العديد من أوجه الحرب لم تخرج إلى العلن ولا يعرفها سائر العالم، ويعود ذلك في أغلب الأحيان لأسباب أمنية وحفاظاً على سلامة الشعب الأوكراني، ومنعاً أيضاً لتسرب المعلومات إلى العدو الروسي.
مع ذلك، فإن ا الأخبار التي تخرج للعالم عن حرب أوكرانيا توضح مما لا يدعو للشك أن الحرب أثرت على كل جانب من جوانب الحياة الأوكرانية تقريبًا. حيث اضطر كثر على التخلي عن عملهم فيما أصبح العثور على عمل جديد أكثر صعوبة بسبب تداعيات الحرب.
في لوزوفاتكا مثلاً، الواقعة على بعد حوالي 350 كيلومترا جنوب شرق كييف، تم إغلاق المدارس لأن ملاجئها ليست كبيرة بما يكفي لاستيعاب جميع الطلاب في حالة وقوع غارة جوية.
وعلى الرغم من ندرة الهجمات الروسية المباشرة بالصواريخ والطائرات بدون طيار على هذه القرية بالتحديد، إلا أنها تقع بالقرب من مدينة كريفي ريه الرئيسية المنتجة للصلب والتي تعرضت للقصف بشكل متكرر، مما أدى إلى إطلاق صفارات الإنذار في المناطق المحيطة.
وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في أغسطس/آب إن حوالي ثلث الأطفال فقط في سن الدراسة في جميع أنحاء أوكرانيا يحضرون الفصول الدراسية بشكل شخصي بالكامل. وأضافت أن أكثر من 1300 مدرسة دمرت تماما في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في البلاد.