ابتسامة ساخرة كست وجهها الطفولي، انتصرت بها بعض الشيء على خيبات الحرب وصوت القذائف والقصف. حداثة عمرها لم تكن عائقاً أمام قرارها الفوري بالرحيل، فتركت كلّ شيء خلفها وسارت في رحلة اللجوء. فقط حملت معها الكاميرا لتكون شاهداً آخر على معاناة النزوح وصعوباته.

  • مئات الآف السودانيين أجبروا على النزوح تحت القصف واللجوء إلى دول الجوار 
  • صعوبات كثيرة تواجه النازحين خلال رحلتهم خصوصاً فى المعابر بسبب افتقادها لمقومات الحياة
  • هناء فتاة قرر الهروب لكنها حملت كاميرتها لتوثيق مشاهد النزوح من السودان إلى مصر 
  • اللاجئون يقضون أيّاماً متواصلة فى الطريق وهناء تروي أنّ سيدة مسنّة توفيت من شدّة التعب 

هناء أبو بكر، فتاة سودانية فى العشرينات من عمرها، تعشق التصوير، تنتمي لمدينة بورتسودان، وتقيم في الخرطوم حيث اشتعلت الحرب، والتي اندلعت شرارتها بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل الماضي.

 

عدسة هناء شاهدة على مآسي حرب السودان.. "سيّدة توفيت على طريق اللجوء"

منظر للشوارع مع استمرار الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع

ليلة هناء الأخيرة في السودان

كانت ليلة هادئة ليعكّر صفوها فجأة صوت الرصاص والدبابات… فبينما كانت هناء تستعد لإتمام عملها، سمعت صوت القذائف ودوّي الانفجارات في مشهد لم تكن تتخيل يوماً أن تراه بأمّ أعينها… القذائف تتطاير أمامها هنا وهناك، تتساقط في شرفات المنازل وتقتل المارة… لتعيش من وقتها لحظات قلق ورعب لن تُمحى من ذاكرتها.

تفاصيل الليلة الأخيرة ترويها هناء لـ”أخبار الآن” قائلة: “غادرت المنزل فى الساعة التاسعة صباح يوم الحرب، إلى منطقة المنشية محل عملى لكن عندما وصلت إلى الشارع الرئيسي سمعت صوت الضربات والقذائف.. حينها لم أعرف كيف أتصرف وقد فكرت حينها فى العودة إلى المنزل من جديد لكنّني فشلت وعلقت بمنطقة الرياض لمدة 5 أيّام حتّى أوّل أيّام عيد الفطر”.

تقيم هناء بمفردها فى مدينة الخرطوم بينما تمكث أسرتها في بورتسودان. وبعدما اندلعت شرارة الحرب لم يكن أمامها خيار آخر سوى التفكير فى الخروج من البلد، خصوصاً أنّ العودة لأهلها أصبح أمراً شبه مستحيل بالنسبة لها: “أهلي كانوا قلقين عليّ جدّاً لكنّني لم أستطع العودة إليهم بسبب صعوبة التنقل على الطرق. فكرت في اللجوء إلى إثيوبيا لكن ذلك أيضاً كان خياراً صعب التنفيذ، لذا لجأت إلى مصر” .

اختفت كل مقوّمات الحياة أمام هناء وآلاف النازحين السودانيين خلال رحلة خروجهم، فلا ماء ولا طعام ولا كهرباء… وقد بات المواطنون اللاجئون يواجهون شبح الاغتراب بمفردهم. تقول: “الأحداث في السودان كانت تزداد سوءاً يومياً وأدركنا جميعاً خطورة الموقف عندما طالبت الدول رعاياها بالخروج، فذلك معناه أنّ السودان وصلت لنقطة صعبة للغاية”.

عدسة هناء شاهدة على مآسي حرب السودان.. "سيّدة توفيت على طريق اللجوء"

مراحل النزوح من السودان إلى مصر 

أكثر من 100 ألف نازح سوداني عبروا الحدود باتجاه الدول المجاورة منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل الماضي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وفقاً لأحدث التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة، وتتمّ عملية النزوح عبر طرق وممرات يستغرق التنقل بينها ساعات وأحياناً أيّاماً متواصلة، تبدأ من الخرطوم مروراً بمنطقة دنقلا وصولاً إلى ميناء أركين ومنه إلى أسوان داخل الحدود المصرية.

تروي هناء تفاصيل عملية النزوح والخروج وسط عشرات الآف من السودان إلى مصر قائلة لـ“أخبار الآن”: “خرجنا فى أتوبيسات من الخرطوم شرق النيل، إلى أم درمان ثمّ قندهار ومنها إلى أركين ثمّ داخل الحدود المصرية، استوقفتنا نقاط ارتكاز وتفتيش كثيرة منسوبة جميعها لقوات الدعم السريع، خلال رحلتنا التي استغرقت أيّاماً، مررنا ببيوت دمرتها الحرب، تبدّل شكل المدن تماماً والشوارع خلت تماماً من الناس، الطرق والممرات سكنتها الأشباح”.

 

عدسة هناء شاهدة على مآسي حرب السودان.. "سيّدة توفيت على طريق اللجوء"

الأيام الأخيرة لعمليات الإجلاء من قاعدة وادي صيدنا الجوية في السودان

وتضيف: استغرقنا قرابة الـ 6 ساعات فى الانتقال من دنقلا إلى أركين، وخلال تلك الفترة عاصرت وشاهدت أصعب المشاهد. لم تكن المعابر مهيأة تماماً لاستقبال النازحين، فلا ماء ولا طعام ولا حتى دورات مياه، كانت بصحبتنا سيدات فى سنّ متقدمة تجاوزن الستين عاماً، لم تستطعن المقاومة وتحمل مشقة الطريق لدرجة إنّ إحداهن توفيت خلال الرحلة… كنت أخشى الطعام أو الشراب حتى لا اضطر للذهاب إلى المرحاض، وطوال الطريق كان الأطفال يسألون عن موعد الوصول، وفي كلّ مرة نخبرهم كذباً أنّنا على وشك الوصول لنهون عليهم مشقة الطريق “.

وتختم هناء حديثها قائلة: “عشنا أيّاماً صعبة جدّاً أتمنى ألا يعيشها أحد، مثلما أتمنى أن أعود إلى وطني من جديد وتنتهي تلك الحرب فى القريب العاجل”.

شاهدوا أيضا: رحلة اللجوء من الخرطوم إلى دول الجوار.. عائلة ركابي خرجت على وقع القصف