سعيا لإحياء عملية السلام.. عمان والسعودية تجريان مباحثات مع الحوثي

في خطوة تمثل نقطة تحول في مسار الأزمة اليمنية، يجري منذ أيام وفد عماني وآخر سعودي برئاسة السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر محادثات مع قيادات مليشيا الحوثيين، في العاصمة اليمنية صنعاء، في إطار مسعى جديد لإحياء عملية السلام في اليمن بعد التقارب الأخير بين الرياض وطهران.

زيارة أرفع وفد سعودي إلى العاصمة اليمنية صنعاء منذ سقوطها في أيدي المليشيات الحوثية قبل ثماني سنوات، كانت ثمرة الوساطة العمانية بين السعودية ومليشيات الحوثيين للوصول الى مسودة اتفاق الشهر الماضي لاعلان هدنة إنسانية طويلة وموسعة تشمل تدابير اقتصادية وإنسانية من بينها، استئناف تصدير النفط من الموانئ اليمنية وصرف مرتبات موظفي الدولة مدنيين وعسكريين في عموم البلاد.

كيف ينعكس التقارب السعودي الإيراني على تنظيم القاعدة في اليمن؟
كما تشمل مسودة الاتفاق رفع الحظر على الموانئ الخاضعة للحوثيين ومطار صنعاء الدولي وفتح الطرقات حول المدن الرئيسية بما فيها مدينة تعز، ومواصلة مفاوضات تبادل الأسرى على أساس مبدأ الكل مقابل الكل.

انعكاس الاتفاق السعودي الإيراني على تنظيم القاعدة في اليمن

يرى مراقبون أن التقارب السعودي الحوثي، الذي أعقب لقاء وزيري خارجية المملكة العربية السعودية وإيران، ستكون له تداعيات سلبية على تنظيم القاعدة في اليمن، الذي استفاد من الخصومة والتوتر بين السعودية وإيران، رغم انه في أدبياته يعتبرهما خصمين للتنظيم.

وقال الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة سعيد الجمحي في حديثه لـ”أخبار الآن” أن تنظيم القاعدة في اليمن استفاد من الخصومة والتوتر بين السعودية وإيران.

كيف ينعكس التقارب السعودي الإيراني على تنظيم القاعدة في اليمن؟

واوضح الجمحي: “طالما دعمت إيران تنظيم القاعدة في اليمن، بهدف ضرب مصالح سعودية وغربية”، مشيراً إلى ان التفاهمات بين تنظيم القاعدة وبين مليشيات الحوثيين في اليمن، كان بمباركة إيرانية.

مضيفاً: ” كما قامت إيران سابقاً باطلاق عدداً من قيادات القاعدة، وفيهم ناصر الوحيشي أبو بصير، والذي صار أميراً للتنظيم في اليمن، ثم أميرا للقاعدة بعد التحام الفرع اليمني والفرع السعودي تحت مسمى “تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب” والذي بات أقوى فروع القاعدة وقام بسلسلة عمليات استهدفت الداخل السعودي، بما فيها العملية الفاشلة التي استهدفت الأمير محمد بن نايف وقد رأينا كيف اتخذ بعض كبار قيادات القاعدة من إيران ملاذاً لهم”.

واختتم الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة حديثه لـ”أخبار الآن” بالإشارة إلى أنه لو نجح هذا الاتفاق، فإن من أكبر المتضررين هو تنظيم القاعدة، الذي بات مُنهكاً عسكرياً ومالياً، وسيضيف التقارب بين السعودية وإيران التنظيم إنهاكاً وتراجعاً، لاسيما لو كان الجانب الإيراني جاداً ، والتزم ببنود الاتفاق.

تضارب في التصريحات

تضاربت تصريحات السفير السعودي في اليمن حول زيارته إلى صنعاء، مع تصريحات قيادات مليشيات الحوثي المدعومة من إيران.

بعد أن عقد لقاءات مع قيادات مليشيات الحوثي، قال السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر، إن زيارته إلى صنعاء برفقة وفد عماني هدفها تثبيت الهدنة ووقف إطلاق النار ودعم عملية تبادل الأسرى، إضافة إلى بحث سبل الحوار بين المكونات اليمنية للوصول إلى حل سياسي شامل ومستدام في اليمن.

وأضاف آل جابر في تغريدة في حسابه على تويتر “وقفت المملكة حكومة وشعباً منذ عقود مع الأشقاء في اليمن في أحلك الظروف والأزمات السياسية والاقتصادية، ولا تزال الجهود الأخوية مستمرة منذ العام 2011 لتحقيق تطلعات أبناء اليمن الشقيق بعودة الأمن والاستقرار والازدهار الاقتصادي”.
وأضاف السفير السعودي، إن زيارته لصنعاء تأتي “استمراراً لجهود المملكة لإنهاء الأزمة اليمنية ودعماً للمبادرة التي قدمتها المملكة في 2021″.

تغريدات السفير السعودي، فجرت مواقف حادة من قيادات مليشيات الحوثي المدعومة من إيران والتي رفضت توصيف السفير السعودي بتقديم المملكة كوسيط.. فيما اشار القيادي البارز في مليشيات الحوثي محمد علي الحوثي، إلى أن عمان تقوم بدور الوساطة للمملكة.

فقد هاجم عضو المكتب السياسي لمليشيا حزام الأسد السفير السعودي، مؤكداً أن السفير طرفاً في الحرب وليس مجرد وسيط.

وقال الباحث اليمني حسام ردمان لـ”أخبار الآن” أن مليشيات الحوثي المدعومة من إيران سعت إلى تصوير زيارة الوفد السعودي كإعلان هزيمة من قائدة التحالف العربي، بهدف تخفيف إحراجها أمام حاضنتها المتشددة جراء قبولها بمبادرة الحل من جانب الرياض التي سوقت لسنوات في اعلام الحوثي على أنها مصدر العدوان ضد اليمنيين.
لكن المملكة العربية السعودية اصرت على اخراج الزيارة بطريقة علانية و ودودة، كي تؤكد انها تحولت من طرف صريح في الصراع، الى وسيط مقبول حتى من جانب الحوثيين و انها الطرف الوحيد الجدير بصناعة السلام في اليمن.

موقف اليمن من التقارب السعودي الحوثي

على الصعيد الحكومي، قال وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني إن “الأجواء مهيّأة أكثر من أي وقت مضى لتحقيق السلام” في بلاده.

وذكر الإرياني في سلسلة تغريدات على منصة “تويتر”: “تحقيق تقدم في مسار الحلّ السلمي للأزمة، يُعدّ انتصاراً للشرعية الدستورية والتحالف بقيادة الأشقاء في السعودية، لكونه يكرّس نهجنا في الوصول إلى السلام”.

وأوضح أن ذلك يأتي “خصوصاً في ظل التطورات الإيجابية الأخيرة في المنطقة، وأهمها الاتفاق السعودي الإيراني، حيث باتت الأجواء مهيّأة أكثر من أي وقت مضى لتحقيق السلام”.

وتابع الإرياني: “نؤكد ترحيبنا بالجهود الاستثنائية التي يبذلها الأشقاء في المملكة العربية السعودية لإحلال السلام في اليمن، ودعمنا الكامل لمساعيهم لتحقيق السلام في المنطقة، والانتقال بها من مرحلة النزاعات والاقتتال الداخلي، إلى مرحلة يسودها الاستقرار والأمن”.

ترحيب الحكومة اليمنية، لم يخفي امتعاضها من تفاهمات السعودية ومليشيات الحوثية إزاء ” فتح الموانئ بشكل كامل “، فقد أكدت السفارة اليمنية في واشنطن، على أن آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش (UNVIM)، ركيزة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها قبل تحقيق السلام العادل.

كيف ينعكس التقارب السعودي الإيراني على تنظيم القاعدة في اليمن؟

وقالت السفارة في بيان لها إن “آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش في اليمن نشأت بناءً على طلب الحكومة اليمنية لضمان الامتثال لقرار مجلس الأمن 2216 لتفتيش السفن في الموانئ تحت سيطرة المليشيا الحوثية ولمنع تهريب الأسلحة الإيرانية إليها”.

محاولة المملكة العربية السعودية لإعادة احتواء كل القوى اليمنية، من خلال مقترح توقيع اتفاق سلم يمني بين الحوثيين والمجلس الرئاسي في مكة، لا يؤكد أن المملكة قد تمكنت من الوصول إلى صنعاء لإجراء محادثات مع قادة مليشيات الحوثي، دون إضرار في علاقاتها مع المجلس الرئاسي اليمني.

وقال الباحث اليمني حسام ردمان، لـ”أخبار الآن” أن الطريقة التي انتهجها السعوديون في المحادثات مع مليشيا الحوثي، والقائمة على التكتم والصدمة قد ألقت بظلال سلبية على معسكر حلفائها المجلس الرئاسي اليمني، كما أضعفت موقفهم التفاوضي مع المليشيات الانقلابية.

مؤكداً أن بيان السفارة اليمنية في واشنطن الذي يعترض على فتح الموانئ يعد مؤشرا على عدم تطابق وجهات النظر حول تفاصيل الحل وأن ثمة توافق حول الخطوط العريضة لمبادرة السلام.

الأمم المتحدة تؤكد على تنفيذ قرارات مجلس الأمن

جاء الموقف الأممي عبر  المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، الذي رحب بمحادثات الوفدين السعودي والعُماني مع الحوثيين في صنعاء، مشيراً إلى أن الأمم المتحدة لم تشارك في المناقشات التي تجري في صنعاء،

وأكد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، “المهم هو أن تعمل جميع هذه الأطراف من أجل قرار مجلس الأمن ذي الصلة، والمحادثات التي تسهلها الأمم المتحدة، وجميع الإشارات تقول أنها كذلك. لكن سيتعين علينا أن نتابع الأمور يوماً بيوم”.

كيف ينعكس التقارب السعودي الإيراني على تنظيم القاعدة في اليمن؟

مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أكد على أن المحادثات السعودية العمانية مع الحوثيين في صنعاء، “تجعل اليمن أقرب ما يكون نحو تقدم حقيقي تجاه سلام دائم”، منذ بدء الحرب.

وقال غروندبرغ: “هذه لحظة يجب اغتنامها والبناء عليها، وفرصة حقيقية لبدء عملية سياسية شاملة تحت رعاية الأمم المتحدة، لإنهاء الصراع بشكل مستدام”.

الولايات المتحدة الأمريكية رحبت أيضا بزيارة الوفد السعودي العماني برئاسة السفير السعودي محمد آل جابر، إلى صنعاء وإجراء مباحثات مع قيادات من الحوثيين.

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، إنها ترحب بجهود إنهاء الحرب في اليمن وزيارة السفير السعودي.

الرياض لن تتخلى عن المجلس الرئاسي اليمني ولن يتخلى الحوثيين عن ايران

قال الصحفي اليمني محمد الصالحي في تصريح لـ”أخبار الآن”، إن الحكومة اليمنية ليست بمنأى عن هذه التفاهمات.

وأكد الصحفي الصالحي، أن الحكومة اليمنية ومجلس القيادة الرئاسي الذي يمثل الشرعية أحيطا بالمبادرة التي يحملها السعوديون وكانوا قد أعلنوا عن موافقتهم، على مبادرة الحل حول هدنة لمدة ستة أشهر يعقبها حوار لمدة ثلاثة أشهر ومن ثمة مرحلة انتقالية لمدة عامين.

كيف ينعكس التقارب السعودي الإيراني على تنظيم القاعدة في اليمن؟

وأشار الصحفي اليمني في حديثه لـ”أخبار الآن”، إلى أن الحكومة اليمنية هي من تمثل الشعب اليمني، ولا يعني الشعب اليمني أي اتفاقيات أخرى لم تكن الشرعية موجودة طرف في هذه الاتفاقيات والتفاهمات.

وأضاف الصحفي اليمني، إن المليشيات الحوثية المدعومة من إيران ليس ذات رؤية واضحة وليست جماعة تلتزم بأخلاقيات واتفاقيات وبمعاهدات ومواثيق، كم انها لن تتخلى عن إيران والدعم الايراني بسهولة.

واستبعد الصحفي محمد الصالحي، أن تجازف المملكة العربية السعودية، قائلا ” بعد شلال الدماء التي سالت في اليمن من قبل اليمنيين والاخوة في التحالف العربي نستبعد ان تمضي المملكة في خطوات من شأنها تمكين الحوثي واعطاءه دورا كبيرا في اليمن”.

مشيراً إلى المملكة العربية السعودية تدرك أهمية تحجيم الدور الإيراني في اليمن، واذا ما انساقت وراء تطمينات غير واقعية سينعكس ذلك سلباً على المنطقة برمتها وليس اليمن فقط.

وفي المحصلة مقترح السلام السعودي لا يبدو مبشرا وقد تعتريه العديد من التعثرات، والتقدم الديبلوماسي السعودي لا يعني أن البيئة اليمنية قد باتت جاهزة للسلام، بل هو دليل على ذكاء السعودين في استغلال زخم المصالحة الإقليمية مع إيران لانجاز اختراق سياسي باليمن. وهو اختراق قابل للانتكاس بأي وقت.