بعد تراجعه العملياتي.. “داعش سيناء” يحاول كسب الزخم بهجوم جديد

 

أعلن تنظيم داعش تبنيه هجومًا استهدف ارتكازاً أمنيًا لقوات الشرطة بحي السلام بمدينة الإسماعيلية (شمال شرق مصر)، وذلك في بيان نشرته مؤسسة أعماق الذراع الإعلامية للتنظيم.

ووقع الهجوم مساء الخميس 30 ديسمبر/ كانون الأول 2022، إذ استهدف مسلحون تابعون لما يُسمى ولاية سيناء، فرع داعش المحلي، الارتكاز الأمني بأسلحة آلية، قبل أن تتمكن قوات الأمن من إحباط الهجوم وقتل أحد المهاجمين، فيما فرضت قوات الشرطة طوقًا أمنيًا في المدينة وشددت الإجراءات الأمنية لملاحقة أي عناصر إرهابية أخرى.

 

أول هجوم خارج سيناء منذ سنوات

ويعد الهجوم الأخير أول هجوم يشنه تنظيم داعش خارج شمال سيناء منذ سنوات، إذ تلقى التنظيم سلسلة من الخسائر على مدار السنوات الماضية، وطُرد من غالبية القرى والمناطق التي كان يتواجد فيها داخل شمال شبه الجزيرة المصرية في رفح والشيخ زويد والعريش (شمال سيناء).

ودعا المتحدث السابق باسم تنظيم داعش أبو حمزة القرشي (المهاجر)، في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، عناصر داعش في شبه جزيرة سيناء إلى إعادة تنشيط الخلايا والمفارز الأمنية التابعة للتنظيم والتي كانت مكلفة بالعمل في المحافظات المصرية الأخرى خارج سيناء، قائلًا إن ذلك تكليف مباشر من خليفة التنظيم (السابق) أبو الحسن الهاشمي، بيد أن التنظيم فشل في الاستجابة لدعوات “القرشي” طوال تلك الفترة.

وعاد المتحدث الحالي باسم تنظيم داعش أبو عمر المهاجر، في سبتمبر/ أيلول 2022، ليحث “ولاية سيناء” على نقل المعركة خارج شبه الجزيرة المصرية بعد الهزائم التي تلقاها الأخير في شمال ووسط سيناء، وفشل التنظيم في ذلك مرة أخرى، وهو ما برهن على أنه وصل إلى أقصى مستويات ضعفه بعدما كان واحدًا من أنشط أفرع داعش الخارجية في سنوات سابقة.

وحاول التنظيم، على مدار الأشهر الماضية، أن ينقل هجماته إلى خارج شبه جزيرة سيناء بيد أن قوات الجيش المصري التي تُكثف في الوقت الحالي عملياتها لتمشيط البؤر الأخيرة التي يتواجد فيها مقاتلي التنظيم، أجهضت محاولاته لتأسيس وجود عملياتي خارج سيناء، ونجحت في التصدي لهجوم إرهابي شنه التنظيم قرب مدينة القنطرة شرق، على أطراف شمال سيناء، أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وذلك بعد نحو 3 أشهر من إجهاض محاولة شبيهة للتنظيم سعى خلالها للسيطرة على قرية جلبانة التابعة لمدينة بئر العبد شمال سيناء.

"داعش سيناء" يحاول التغطية على خسائره بـ"هجوم الإسماعيلية"

ونجحت إستراتيجية الحصار وتجفيف المنابع التي اتبعها الجيش وقوات الأمن المصرية في تقويض شبكات التنظيم في ما تبقى من مناطق نشاطه التقليدية (رفح والشيخ زويد ومناطق وسط سيناء)، وأدت إلى استسلام العشرات من مقاتلي التنظيم وأسرهم، بالإضافة إلى مقتل مجموعة من أبرز قيادات التنظيم منهم أبو كاظم الغزاوي (المقدسي) “حمزة الزاملي” الذي شغل منصب القاضي الشرعي لتنظيم داعش سيناء وكان أحد أبرز قادته العسكريين الميدانيين أيضًا.

وضبطت القوات المصرية مخازن عتاد استخدمها تنظيم داعش لإخفاء الأسلحة والعتاد العسكري في عدة مناطق، كما فككت عشرات العبوات الناسفة التي يستخدمها التنظيم كسلاح رئيس لاستهداف قوات الجيش والشرطة.

وفي المقابل، كثف التنظيم اتباع التكتيكات الاستنزافية لمواجهة الحملات العسكرية المتواصلة، فعمد إلى تجنب المواجهات المباشرة واعتمد على استخدام العبوات الناسفة والشراك الخداعية (المفخخة) في استهداف قوات الجيش والشرطة، خصوصًا مع تناقص عدد مقاتلي التنظيم بصورة ملحوظة.

وبالإضافة إلى الهجمات منخفضة التكلفة، ركز تنظيم داعش على ضرب الأهداف المدنية، والقيام بحملة استهداف ممنهجة للمدنيين في عدة مناطق بدعوى تعاونهم مع الجيش والشرطة وإمدادهم بمعلومات حول أماكن اختباء مقاتلي التنظيم الإرهابي.

 

تراجع عملياتي

غير أن محاولات “داعش سيناء” للتغطية على تراجعه العملياتي عن طريق استهداف المدنيين والقيام بهجمات محدودة ضد قوات الجيش والشرطة المصرية لم تُفلح إذ تآكلت قدرات التنظيم على شن هجمات كبيرة ومنسقة، كما اعتاد في السابق، علاوة على أن الضربات الأمنية المتكررة جعلت عناصر التنظيم يلجأون للكمون العملياتي الإجباري، وهو ما عكسته إحصائيات العملياتي التي توثقها لجان الرصد والمتابعة التابعة لقيادة تنظيم داعش المركزي، وتنشرها أسبوعية النبأ.

وتكشف مراجعة إحصائيات العمليات أن ولاية سيناء، فرع داعش المحلي، خلال الفترة الممتدة من 6 أكتوبر/ تشرين الأول: 30 ديسمبر/ كانون الأول 2022 والمنشورة في صحيفة النبأ الأسبوعية (من العدد 360: 370)، أن التنظيم لم يُعلن عن أي هجمات خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول، وتبنى هجومين في نوفمبر/ تشرين الثاني، و3 هجمات فقط في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وحاولت صحيفة النبأ التغطية على انخفاض العمليات الإرهابية في سيناء في عددها 364 والصادر بتاريخ 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 بالقول إن الهجمات التي تنشرها الصحيفة هي ما تمكنت من توثيقه بسبب صعوبة الاتصال بعناصر داعش في سيناء في ظل استمرار العمليات الدائرة داخل شبه الجزيرة المصرية.

"داعش سيناء" يحاول التغطية على خسائره بـ"هجوم الإسماعيلية"

القيادي بتنظيم داعش أبو كاظم الغزاوي

وتجنب تنظيم داعش، كعادته، الاعتراف بمقتل قادة وعناصر “ولاية سيناء”، فلم يتطرق الجناح الإعلامي للتنظيم إلى أنباء مقتل قادة التنظيم البارزين ومنهم أبو كاظم الغزاوي وآخرين، وكذلك تجاهل عملية استسلام مقاتلي التنظيم وأسرهم، وإن دعا في مناسبات عدة عناصره داخل سيناء إلى الصمود والثبات في ظل الحصار الخانق المفروض عليهم.

 

محاولات لكسب الزخم تحت قيادة “أبو الحسين الحسيني”

وفي نفس السياق، شهد تنظيم داعش المركزي وأفرعه الخارجية حالة تراجع عام، خلال الربع الأخير من عام 2022، فانخفضت هجمات التنظيم إلى أقل مستوى لها خلال سبعة أعوام، وتراجعت الهجمات في العراق التي تمثل ساحة العمليات المركزية للتنظيم، وكذلك الأمر في سوريا وغيرها من المناطق، وفق ما وثقته إحصائيات الهجمات التي ينشرها التنظيم.

وتلقى التنظيم ضربة قوية بمقتل خليفته السابق أبو الحسن الهاشمي، منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعد نحو 8 أشهر فقط من تنصيبه زعيمًا للتنظيم، ليضطر التنظيم إلى اختيار “أبو الحسين الحسيني” زعيمًا جديدًا للتنظيم وفق ما أعلنه المتحدث باسمه أبو عمر المهاجر في كلمة صوتية أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.

وحاول التنظيم أن يكسب الزخم بعد تنصيب أبو الحسين الحسيني خليفةً له لكي يُثبت لأنصاره أن خليفته قادر على قيادته بعد الهزائم والانتكاسات الأخيرة، وذلك لأن “الحسيني” يبقى زعيمًا مجهولًا لدى أفرع التنظيم الخارجية ولدى غالبية قادة داعش إذ لم يُفصح التنظيم عن أي معلومات حوله واكتفى بالقول إنه واحد من قيادات التنظيم، على حد تعبير أبو عمر المهاجر.

وكلف التنظيم مفارزه في العراق وسوريا وسيناء وغيرها من المناطق بشن هجمات إرهابية لكي يظهر التنظيم وكأنه ما زال قوي وقادر على شن هجمات منسقة، تحت قيادة أبو الحسين الحسيني، ولذا ركزت أفرع التنظيم في سوريا (الرقة) وسيناء (الإسماعيلية) على شن هجمات انغماسية بعد أن كانت تتجنب هذه الهجمات لفترة طويلة نتيجة نقص الكوادر البشرية المدربة للتنظيم، الذي خسر نحو 700 من مقاتليه في سوريا وسوريا، خلال 2022، حسبما أعلنت القيادة المركزية للقوات الأمريكية “CENTOM” في بيان رسمي أصدرته بتاريخ 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

ويُلاحظ أن الهجوم الأخير الذي وقع بمدينة الإسماعيلية بشمال شرق مصر تم بنفس الطريقة التي نُفذ بها هجوم الدرعية بمدينة الرقة السورية في 26 ديسمبر الماضي والذي استهدف أيضًا مفرًا لقوات الأمن الداخلي “الأسايش” التابعة لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، ففي الهجومين تسلل مسلحان تابعان للتنظيم إلى منطقة الارتكاز الأمني وأطلقا النيران تجاه القوات الأمنية، وللمفارقة فإن القوات الأمنية نجحت في قتل أحد المهاجمين في الرقة والإسماعيلية على حد سواء.

 

خبراء يكشفون لـ”أخبار الآن” الدوافع وراء هجوم الإسماعيلية

ومن جهته، قال اللواء محمد عبد الواحد، المتخصص في الأمن القومي ومكافحة الإرهاب، إن الهجوم الأخير يأتي في ما يُعرف بموسم العمليات الإرهابية ففي نهاية كل عام ميلادي وبالتزامن مع احتفالات الكريسماس وبداية العام الجديد تحاول التنظيمات الإرهابية شن هجمات لإحراج الحكومة والتلويح بعدم قدرتها على حماية مواطنيها.

وأضاف “عبد الواحد” في تصريحات لـ”أخبار الآن” أن الهجوم وقع في مدينة الإسماعيلية وهي منطقة لم تشهد هجومًا إرهابيًا منذ سنوات حيث تركزت الهجمات في مناطقة بشمال سيناء، له دوافع عدة ويأتي ردًا على الضربات الأمنية المتلاحقة التي تلقاها تنظيم داعش، والضربات الاستباقية التي نجحت في تحييد العديد من كوادر التنظيم وقادته البارزين، كما أنه ناتج عن التضييق الأمني على ما تبقى من التنظيم في مناطق سيناء وخصوصًا في محيط بئر العبد (شمال شرق مصر، وشمال شبه جزيرة سيناء).

"داعش سيناء" يحاول التغطية على خسائره بـ"هجوم الإسماعيلية"

وأشار اللواء محمد عبد الواحد إلى أن هجوم سيناء يعد حادثًا نوعيًا إلى حد ما ويهدف التنظيم من وراءه إلى إرسال رسائل مفادها أنه يواصل عمله الإرهابي وأنه يعمل خارج سيناء، وقادر على المناورة والانتقال من منطقة لأخرى موضحًا أن كل هذا يأتي لرفع الروح المعنوية المنخفضة لدى عناصر “داعش سيناء” ومحاولة الإيحاء لهم بأن التنظيم باقٍ كما يُروج.

ومن جهته، قال الباحث في شؤون الإرهاب مصطفى أمين إن تنظيم “داعش سيناء” سعى منذ عام 2020 لإعادة الانتشار في مناطق الأطراف الموجودة بعيدًا عن مناطق نشاطه التقليدية في مثلث رفح والشيخ زويد والعريش، مضيفًا أن بداية اتباع التنظيم لهذا الأسلوب كان عندما حاول نقل عملياته تجاه مدينة بئر العبد ثم مدينة القنطرة شرق قرب مدينة الإسماعيلية، وفي هذا الإطار يأتي الهجوم الأخير الذي وقع في الـ30 من ديسمبر الماضي.

وألمح “أمين” في تصريحات لـ”أخبار الآن” إلى أنه يحتمل أن يكون منفذي هجوم الإسماعيلية أفرادًا اقتنعوا بفكر داعش ثم بادروا لشن الهجوم أو مجموعة من مقاتلي التنظيم تسللوا من مناطق سيناء إلى مدينة الإسماعيلية واستهدفوا قوات الأمن في حي السلام، مبينًا أن هذه العملية هي عبارة عن هجوم انغماسي يُشبه الهجوم الأخير الذي استهدف قوات الأسايش الكردية في الرقة السورية قبل أيام.

"داعش سيناء" يحاول التغطية على خسائره بـ"هجوم الإسماعيلية"

وأوضح الباحث في شؤون الإرهاب إلى أن التنظيم يسعى في ظل قيادة أبو الحسين الحسيني، خليفة داعش الحالي، إلى تنويع الهجمات والإستراتيجيات التي يتبعها حتى يبدو أن هناك تطور نوعي في عملياته، خلال الفترة الأخيرة.

وبدوره، اعتبر الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة طارق أبو السعد أن الهجوم الأخير دليل على فشل تنظيم داعش ومعاناته خلال الفترة الأخيرة، مضيفًا أن الهجوم يثبت أن قدرات التنظيم ضعفت إلى حد كبير ولم يعد قادرًا على شن هجمات واسعة النطاق كما فعل خلال سنوات ماضية.

"داعش سيناء" يحاول التغطية على خسائره بـ"هجوم الإسماعيلية"

وأضاف “أبو السعد” في تصريحات خاصة لـ”أخبار الآن” أن من تبقى من داعش سيناء محاصرون في رقعة جغرافية محدودة ولذا يحاول التنظيم رفع معنوياتهم المنهارة بهجوم جديد يعلن التنظيم معه أنه موجود ويؤكد على بيعته وولاءه للخليفة الداعشي الجديد أبو الحسين الحسيني، مستبعدًا أن يتمكن التنظيم من العودة إلى نشاطه وزخمه الذي كان قبل سنوات، خاصةً مع استمرار الضربات المركزة التي تنفذها قوات الجيش والشرطة ضده.

الخلاصة:

وتؤكد المعطيات والمؤشرات الحالية أن تنظيم داعش في سيناء والمعروف بـ”ولاية سيناء” تعرض، خلال الأشهر الأخيرة، إلى جملة من الهزائم المتتالية التي أفقدته القدرة على مواصلة العمل الإرهابي بنفس الطريقة التي اعتاد عليها، واضطر ما تبقى من عناصر التنظيم إلى التخفي والهرب وتجنب المواجهات المباشرة مع قوات الجيش والشرطة المصرية.

وفي ظل حالة الوهن واليأس التي يمر بها التنظيم، حاول داعش أن يعطي دفعة معنوية لعناصره عبر الهجوم على ارتكاز أمني في مدينة الإسماعيلية المصرية، لكن إفشال الهجوم أجهض مخططات داعش الذي خسر معظم قادته وأفراده في سيناء وعجز عن نقل المعركة إلى خارجها لسنوات، في الوقت الذي يشتد فيه الخناق والحصار على بقايا التنظيم الذي استسلم منه العشرات لقوات الجيش والشرطة المصرية على مدار الأشهر الماضية، بعدما أدركوا أن مواصلة القتال في صفوف التنظيم ليس إلا معركة خاسرة محسومة النتائج.