أزمة ليتوانيا والصين الديبلوماسية، إذا صحّت التسمية كذلك، على خلفية قرار فيلنيوس فتح مكتب تمثيلي لتايوان، تحت اسم مكتب تايوان وليس تايبيه كما جرت العادة، لاتزال تثير الجدل في دول الإتحاد الأوروبي، خصوصاً لناحية ما إذا كانت الصين قد تلجأ إلى الممارسات السياسية ذاتها مع دول أخرى في الإتحاد من جهة، ومن جهة ثانية لناحية كيفية تصرّف دول الإتحاد، الذي يؤكد كثيرون أنّ لكلّ دولة مصالحها الخاصة، ونظرتها المختلفة.

  • بولندا بالإجمال تشاطر ليتوانيا الحجج التي تتقدم بها لكنّها تصنع سياستها بطريقة مختلفة
  • بولندا بلد مختلف ولديه سياسة خارجية خاصة به تجاه الصين لكنّها غير بعيدة عن مواقف ليتوانيا وأوروبا
  • ليس لدى بولندا خطة لحظر أجهزة الهواتف الذكية الصينية كما فعلت ليتوانيا مؤخراً
  • مارسين بشيخودنياك أعتقد أن الصين وقعت في أزمة مع الإتحاد الأوروبي بشكل عام

بولندا واحدة من هذه الدول التي تقع جغرافياً بالقرب من ليتوانيا، وهي لا تختلف كثيراً في رأيها المرتكز على مراقبة السياسة الصينية الحالية، عن رأي دولة ليتوانيا وتحليلها.

ليس هناك من فارق كبير بناءً على ما نلاحظه، لكن هناك فارق في السياسة الحالية. بنظر السلطات البولندية، فإنّ بولندا بالإجمال تشاطر ليتوانيا الحجج التي تتقدم بها، لكنّها تصنع سياستها بطريقة مختلفة، وذلك ما جاء أيضاً على لسان وزير الخارجية راو أثناء زيارته ليتوانيا منذ بضعة أشهر، عندما سُئل صراحةً عن رأيه في السياسة الليتوانية تجاه الصين، وإنْ كان هناك أيّ تغييرات حديثة، فأجاب خصوصاً في موضوع تايوان، بأنّ بولندا ما زالت تعتمد سياسة واحدة مع الصين.

برأيي فإنّ ليتوانيا تقوم بالمثل، كما تسجّل الملاحظات نفسها كما الإتحاد الأوروبي، بشأن الصين وسياستها الخارجية، إلّا أنّ بولندا بلد مختلف لديه مصالح مختلفة ووضعه مختلف، ولديه كذلك سياسة خارجية خاصة به تجاه الصين، ربّما هي ليست متشدّدة ورائدة في توجيه النقد لبكين، لكنّها من جهة أخرى غير بعيدة جدّاً عن مواقف ليتوانيا وكلّ الإتحاد الأوروبي، الذي بات يعي ما يحصل في الصين، وما هي سياستها تجاه دول الإتحاد الأوروبي والمنطقة.

 

 

إنّ ما تطلب تايوان بكلّ بساطة من الأسرة الدولية، هو أن تدعم حقّها الشرعي لناحية أن تلتزم الصين بموجباتها الدولية، وأن توقف عملياتها الإستفزازية في مضيق تايوان، وتلك المشكلة ليست سهلة البتّة في إطار القانون الدولي، لكنّها مشكلة استفزازية بالأحرى، ومن شأنها أن تزعزع استقرار الوضع في المنطقة.

لذلك فإنّ الدعم الدولي ضروري للضغط أو للتأثير على الصين في ما تفعله وتعتبره شرعياً، بينما هو غير شرعي بنظر تايوان، لذلك لا بدّ من أن نذكّر بكين بذلك بكلّ بساطة. أعني نحن أي الأسرة الدولية، علينا أن نوجه هذه المطالب إلى بكين، وهذا أمر نراه يتبلور خصوصاً من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي، فالسياسة الخارجية لا يفترض بها أن تمرّ عبر الخروقات أو أيّ عملية إستفزازية أخرى.

ربّما يكون توصيف أزمة توصيفاً غير دقيق، بل يمكن توصيفه على أنّه تغيير في السياسة الليتوانية، وذلك التغيير يعكس الحقيقة بنظري لأنّ شروط التغيير وأسسه كانت موجودة، وهي مرتبطة بالرضى على العلاقات السابقة مع الصين، وبعدم وجود فوائد إقتصادية وبالرزمة السياسية التي وضعتها الصين على الطاولة من خلال نشاطاتها السياسية تجاه الإتحاد الأوروبي ومجموعة 17 + 1.

“تملك ليتوانيا الحق بالتصرف كما فعلت وبولندا تشاطرها معظم التعليقات”

بعد حدوث كلّ ذلك، قرّرت ليتوانيا أنّها لا تريد أن تواصل ما كانت تفعله في السابق، بل تريد المضي قدماً، وطالما ليس هناك من تغيير في السياسة الصينية، فقد قرّرت ليتوانيا أن تغيّر سياستها.

لذلك فلن أسمّي ذلك أزمة بل تغيير في السياسة، وهو ربّما خطوة قد تكون جيّدة بالنسبة إلى ليتوانيا بالنظر إلى الأرقام والأهمية الإقتصادية. فإنْ قارنا بين الصين وتايوان في ما يتعلق بالعلاقات الإقتصادية مع ليتوانيا، يمكنك أن تتوصل إلى نتائج مثيرة للإهتمام، حيث أنّ تأثير الوجود الإقتصادي الصيني ليس مهماً كثيراً، بينما إمكانية إنشاء أو توسيع وجود تايوان في الشركات أو إقامة علاقات اقتصادية مع تايوان، قد يكون مثيراً للإهتمام ومهمّاً بالنسبة إلى ليتوانيا، خصوصاً في مجال التكنولوجيا الحديثة. وتملك ليتوانيا الحق بالتصرف كما فعلت، وبولندا تشاطرها معظم التعليقات، لكن سياساتهما مختلفة عن بعضها البعض.

بالنسبة لحظر الهواتف الذكية ونصح الليتوانيين بعد استخدامها، فهي وجّهت الإتهامات للصين لاعتبارها أنّ تلك الأجهزة قد سمحت بالرقابة على رسائل المستخدمين من خلال الهواتف الذكية، لكن ليس لدى بولندا أي خطة للقيام بالمثل، ولن يكون ذلك نقطة مشتركة بين ليتوانيا وبولندا، فشركات الهواتف الذكية الصينية قادرة على تشغيل خدماتها في السوق البولندي وضمن المؤسسات أيضاً. وفي كلّ الأحوال، فليتوانيا دعت كلّ المستخدمين بتجنّب استخدام تلك الهواتف ونصحتهم بلك، لكن الحظر طال المستخدمين في مؤسسات الدولة.

أعتقد أنّ الصين وقعت في أزمة مع الإتحاد الأوروبي بشكل عام. نحن أي الإتحاد الأوروبي قد شهدنا فرض عقوبات على نواب أوروبيين وباحثين من قبل الصين رداً على فرض الإتحاد الأوروبي عقوبات على مسؤولين صينيين. كما هناك اختلاف كبير حول التجارة والتكنولوجيا والأسواق، وهناك اتفاق شامل حول الإستثمار مجمّد كذلك في البرلمان الأوروبي. وكذلك هناك إشارات كثيرة من قبل ديبلوماسيين صينيين في أوروبا حول مواضيع قد تعتبر غير ديبلوماسية. لذلك الأزمة موجودة ولا يمكن اعتبارها وشيكة.

أعتقد أنّ الصين لا تزال تودّ أن تنظر إلى الإتحاد الأوروبي كمنصة مستقلة، وكشريك قادر على دعم سياساتها، خصوصاً في خصومتها مع الولايات المتحدة ألأمريكية. لذلك السبب، أعتبر أنّ الصين لن تصعّد كثيراً لدرجة تدفع فيها الإتحاد الأوروبي إلى أحضان الأمريكيين. كلّنا نعلم أنّ هناك نقاط اختلاف كثيرة بين الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، لكن التعاون بينهما ما زال مستمراً.

“بولندا تدعم وستدعم دائماً خطوات الإتحاد الأوروبي، وستواصل أيضاً تحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية”

في النهاية، إنّ بولندا تدعم وستدعم دائماً خطوات الإتحاد الأوروبي، وستواصل أيضاً تحالفها مع الولايات المتحدة ألأمريكية، لذلك في حال الحديث عن سياسة بولندا تجاه الصين بشكل عام، فنقول إنّ سترتكز في توجهها على هذين الركنين، أي كونها عضو في الإتحاد الأوروبي ودعمها لكلّ سياساته ومساهمتها في صنعها، وكذلك مواصلة التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية المهمة للغاية من وجهة النظر الأمنية.

وكما شهدنا في الأشهر القليلة الماضية بالحديث عن ليتوانيا، تنشط الصين كثيراً في حلقة تضمّ معظم مصالح بولندا الأمنية، أي علاقاتها مع روسيا، وموقع روسيا بالنسبة إلى أوروبا الوسطى والشرقية والسياسة الروسية تجاه أوروبا الوسطى والشرقية والتي تعتبر في غاية الأهمية بالنسبة إلى بولندا، ويمكننا أن نرى وجوداً صينياً متزايداً في هذا السياق. وبالتالي، ستبقى بولندا في خط الإتحاد الأوروبي وبالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، ما يعطي دعماً قوياً للتعاون العابر للأطلسي.

شاهدوا أيضاً: نائب ليتواني للصين.. لن نرضخ ولن نتراجع