أخبار الآن | ليبيا (نيويورك تايمز)

بلمسات هوليودية خطتها أصابع الاستخبارات الروسية، أُنتج فيلم عُرض الشهر الماضي، عن رحلة لعالم اجتماع روسي مزعوم ومترجمه الخاص إلى ليبيا، لتنتهي بـ سجنهما في أحد المعتقلات بمدينة معيتيقة رغم محاولة ذلك العالم إجراء أبحاث اجتماعية بعيدة عن الصراع الدائر هناك بين الفرقاء اللييين، كل ذلك طبعاً وفق الرواية الرسمية الروسية.

بالدليل القاطع.. مكسيم شوغالي الذي تم توقيفه بسبب تدخلاته السياسية في طرابلس هو عميل لدى يفغيني بريغوجين

الرواية “الملحمية” للفيلم الذي حمل اسم “شوغالي” نسبة إلى العالم الروسي، لم تطرق إلى سر ذهاب ذلك العالم إلى بلد تمزقه الصراعات، وفوتت ذكر أي مرجعية عن العالم الجهبذ، سوى أنه نذر نفسه للعلم والأبحاث دون أن تكون له أي نوايا استخبارتية توجه عمله مع صديقه ومترجمه الخاص.

"شوغالي".. فيلم روسي "فبرك" قصة جاسوس "طباخ بوتين" في ليبيا

الفيلم الروسي “شوغالي” – نيويورك تايمز

القصة

القصة بدأت منذ شهر مارس 2019، عندما وصل إلى ليبيا شخص ادعى أنه عالم اجتماع روسي ويدعى مكسيم شوغالي (54 عاماً) يرافقه مترجم خاص ويدعى سامر سويفان، بهدف إنجاز مشروع بحثي، تديره مؤسسة روسية تطلق على نفسها اسم مؤسسة “حماية القيم الوطنية” وتهدف إلى نشر الإيديولوجية والأفكار الروسية.

بعد مكوثهما مدة في البلد الأفريقي تم اعتقالهما من قبل قوات موالية لحكومة الوفاق في طرابلس في شهر مايو أيار العام الماضي بتهمة التجسس والحصول على معلومات سرية، والتخطيط للتدخل في الانتخابات الليبية التي كان من المزمع إجراؤها لولا تصاعد الاقتتال الداخلي بين الفرقاء الليبيين. كذلك تمت مصادرة حواسيب تحتوي معلومات سرية عن ليبيا ووثائق كانت بحوزة شوغالي ومترجمه الخاص.

ووفق صحيفة “نيويورك تايمز” حاولت موسكو طيلة الأشهر الماضية الضغط من أجل اطلاق سراحهما دون جدوى، وهو الأمر الذي دفع المؤسسة الروسية “الغامضة” التي أرسلت شوغالي ومترجمه إلى تمويل فيلم دعائي عن المعاناة التي يتعرض لها الروسي ومترجمه في سجن معيتيقة الليبي.

من هم المتلاعبون السياسيون الروس الذين اعتقلوا في طرابلس وماذا يريدون من ليبيا؟

فصول الحكاية

نيويورك تايمز في تقريرها  الذي نشرته في الـ18 من شهر يونيو الحالي، ركزت على خلفية شوغالي وتاريخه مستنتجة أنه جاسوس روسي بامتياز ومستدلة على ذلك بالأدلة التالية:

  • شوغالي ومترجمه اعتقلا بعد لقاءهما سراً بـ سيف الإسلام القذافي المتهم بارتكاب جرائم حرب في ليبيا، والذي يجد من نفسه بديلاً صالحاً لتسلم الحكم في ذلك البلد.
  • السجينان اللذان رفضا الاعتراف بأنهما جاسوسان، لم يقدما حتى الآن أي دليل لإثبات برائتهما، عن دوافع لقاءهما بسيف الإسلام، ولماذا احتوت حواسيبهما على معلومات غاية في الخطورة عن ليبيا.
  • شوغالي عالم الاجتماع المزعوم، هو ناشط سياسي مخضرم كان له صولاته وجولاته في سان بطرسبرغ بروسيا خلال نزاع انتخابي حدث في العام 2002، وأصدر أخباراً عن ذلك النزاع، مما يبعد عنه صفة الباحث.
  • قبل ذهابه العام الماضي إلى روسيا، كان شوغالي جزءً من فريق روسي اتهم بمحاولة التدخل في الانتخابات في مدغشقر عام 2018.
  • مدير المؤسسة الروسية التي ارسلت شوغالي إلى ليبيا، ويدعى “الكسندر مالكفيتش”، دافع عن إرسال شوغالي إلى ليبيا، مدعياً أنه لم يتلق أوامر تفيد التدخل في الانتخابات الليبية على اعتبار أنها لم تجر في الأساس، وهو في واقع الأمر لا يقدم دليلاً على ذلك وفق الصحيفة الأمريكية، بل ربما يدين مؤسسته ومبعوثه الاجتماعي عبر إرساله إلى بلد تطحنها الحروب والنزاعات.
  • الأهم من كل ماسبق بحسب ماتراه صحيفة نيويورك تايمز، يكمن في الصلات التي تجمع المؤسسة التي يديرها الكسندر مالكفيتش مع “يفغيني بريغوجين” أو كما يعرف بـ”طباخ بوتين” وهو رجل أعمال يدير مرتزقة الفاغنر سيئة السمعة والتي تقاتل في ليبيا وفي دول أخرى مثل سوريا وأوكرانيا.

من موزمبيق إلى ليبيا: طرق التدخل السياسي المتبعة من قبل المناور الروسي بريغوجين

خيوط اللعبة الروسية

مجرد ورود اسم طباخ بوتين في أي ملف دولي، فإن ذلك يعني أن الملف المذكور وهنا نقصد -ليبيا وصلات شوغالي بها- ، تؤكد بدون أدنى شك على ضلوع مرتزقة الفاغنر في ذلك الملف، وهو ما يفسر الكثير من الغموض حول إرسال شوغالي إلى ليبيا.

وقد يتساءل المتابع عن أهداف روسيا في ذلك البلد وهي التي تساند جمع أطراف النزاع فيها، من خلال اعترف بحكومة الوفاق من جهة، ودعم عبر مرتزقة الفاغنر للمجلس المنبثق عن مجلس النواب شرق ليبيا من جهة أخرى، وإرسال شوغالي كذلك للتواصل مع سيف الإسلام القذافي الذي يعتر طرفاً ثالثاً في النزاع.

ماذا يريد بوتين من سيف الإسلام القذافي؟

وضمن السياق السابق نقلت صحيفة نيويورك تايمز، عن “كيريل سيمينوف” وهو خبير ليبي في مجلس الشؤون الدولية الروسي قوله، إن زيارة شوغالي لسيف الإسلام تهدف إلى التأثير على الأخير بتوصيات من طباخ بوتين، معللاً ذلك بأن الجيش الروسي يدعم طرفاً ليبياً فيما يدعم الكرملين طرفاً آخر، وتبقى مرتزقة الفاغنر تحت إدارة طباخ بوتين تدعم طرفاً ثالثاً وإن تناقض مع التصريحات الرسمية لموسكو على اعتبار أنها أوجدت الميليشيا ذات الصيت السيئ لتتنصل من أي مساءلة قانونية قد تلحق بها جراء نشاطات الفاغنر غير الشرعية وارتكابها لجرائم إنسانية.

تقرير للأمم المتحدة يؤكد تدخل الفاغنر الروسية في ليبيا

من جانبه، قال “فريدريك ويري”، المتخصص الليبي في مؤسسة “كارنيغي” للسلام الدولي، إن الروس يحبون نشر استثماراتهم، وكان ذلك عبر التواصل مع سيف الإسلام القذافي الذي ينافس الفرقاء الليبين الآخرين.

ويمكن تلخيص ما سبق أن موسكو تسعى جاهدة للحصول على أكبر حصة من الكعكة الليبية وعلى رأسها النفط، فأيدت رسمياً حكومة الوفاق، ودعمت حكومة شرق ليبيا عسكرياً، وأرسلت أحد جواسيسها للتأثير على سيف الإسلام القذافي في حال كان له نصيب في الحكم، لتكون بذلك قد أمسكت بجميع خيوط اللعبة الليبية في انتظار من سترجح كفته في المستقبل، كل ذلك وبدون أدنى شك على حساب أوراح ومقدرات الشعب الليبي المنكوب.

أقرأ أيضا:

أثناء فرارهم.. مرتزقة الفاغنر يتركون الدب “تيدي” ليحمل الموت إلى الليبيين