يتواصل القتال الشرس على كلّ جبهات القتال بين روسيا وأوكرانيا. وفي آخر تطورات الحرب أنّ الجيش الأوكراني أعلن مؤخراً تدمير تشكيل عسكري روسي في ماكيفكا التي تسيطر عليها موسكو في منطقة دونيتسك، حيث كانت “أخبار الآن” على خط المواجهة الأمامي في تغطية خاصة، ترصد سير العمليات العسكرية وتكتيكات الجيش الأوكراني. فماذا يجري على جبهة دونيتسك؟ وكيف يعمل الجنود على المحافظة على مواقعهم هناك في إطار منع تقدم الروس؟ ورومان أحد هؤلاء الذين قرّروا ترك كلّ شيء خلفهم والسير نحو الجبهة لضمان مستقبلهم في بلد آمن، فما قصته؟

بداية الأسبوع الجاري، أعلنت أوكرانيا أنّها استعادت خلال أسبوع 37 كيلومتراً مربعاً في شرق البلاد وجنوبها من القوات الروسية، وذلك بعد أسبوع صعب على انطلاق هجومها المضاد، مشيرة في الوقت نفسه إلى أنّ القوات الروسية تشنّ هجوماً في مناطق أخرى على الجبهة. وقالت نائبة وزير الدفاع الأوكراني هانا ماليار (Hanna Maliar) إنه في الجنوب، الأراضي المحررة زادت بمقدار 28,4 كيلومتراً مربعاً ويصل بذلك إجمالي المساحة المستعادة في هذه المنطقة إلى 158 كيلومتراً مربعاً منذ بدء الهجوم المضاد مطلع يونيو. وفي المقلب الأخر، روسيا تنفي ذلك الكلام ولا تعترف بأي مكاسب تزعم أوكرانيا تحقيقها.

أخبار الآن على خطوط القتال الأمامية

في إطار مواكبة التطورات الميدانية، ورغم المخاطر الكبيرة أخذنا على عاتقنا نحن في أخبار الآن، مهمة زيارة جبهة القتال في دونيتسك (Donetsk) جنوب أوكرانيا، حيث تجري واحدة من أصعب المعارك الّتي تخوضها أوكرانيا بالنّظر إلى حجم الخسائر البشريّة والماديّة، وذلك بغية نقل الصورة عن قرب. العبور إِلى هناك لم يكن أمراً سهلاً بالنّسبة لفريق صحافي، لذلك قد نكون من القنوات الإِخبارية القليلة إنْ لم نكن الوحيدين الّذين قصدنا جبهة تنشط فيها العمليّات العسكرية.

في الحقيقة خلال تواجدنا على تلك الجبهة، غالباً ما كان الأمر محفوفا بالخطر لكن رغم ذلك قرّرنا أن نرافق الجنود إلى خطّ التماس بغية توثيق سير المعارك عن قرب، لكن سرعان ما تفاجأنا بمجريات تمكنّا من يوثّقها من مسافة قريبة جدّاً، لننقل الصّورةَ من قلب الحدث بالفعل. أمتار قليلة فقط كانت تفصلنا عن المجموعة القتاليّة، حيث كان يمكن لنا أن نسمع بوضوح أصواتهم وأصوات القصف باستمرار.

رومان من مهندس إلى مقاتل على جبهة دونيتسك.. مشاهد حيّة لمواجهة حامية مع الروس

جنود أوكرانيون يقصفون القوات الروسية على جبهة دونيتسك وقد وثق فريق أخبار الآن تلك اللقطات عن قرب

حماسة الجنود الأوكرانيين واستماتتهم في الدفاع

القصف المتبادل مازال مستمراً بين الجانبين، وقد كنّا في أيّ لحظة عرضة للقصف، فيما يتواصل زحف الدّبّابات كما المدرّعات المحلّيّة والغربيّة نحو المعركة المتواصلة منذ أكثر من سنة. فالمنطقة هنا باتت أشبه بمعسكر للقوّات الأوكرانيَّة ومركزاً لمدافعها. من دون توقف يعمل الجنود الاوكرانيون على تعزيز مواقعهم في إطار الإستعداد الدائم لأيّ هجوم محتمل من جانب الروس.

تنقلنا من مكان إلى آخر برفقة الجنود بأسلحتهم، وقد مررنا على مواقع القتال، كنّا خلف الجنود في الخنادق حيث يحتمون أو يتنقلون من موقع إلى آخر… رصدنا سير المعارك ومدى حماسة الجنود والاستماتة في الدفاع عن أرضهم ووطنهم.

رومان من مهندس إلى مقاتل على جبهة دونيتسك.. مشاهد حيّة لمواجهة حامية مع الروس

كواليس مقابلة أخبار الآن مع قائد الكتيبة والجنود على جبهة دونيتسك\ جنوب أوكرانيا – أخبار الآن

لقاء على الجبهة.. هذا ما قاله قائد الكتيبة المقاتلة

على جبهة دونيتسك، قابلنا قائد الكتيبة آرتم الذي يدير العمليات ويوجه الجنود. أوضح الرجل لنا أنّ “الوضع في غاية الصعوبة والقوات الروسية تدمر الطبيعة، هم ينشرون الألغام الموجهة، ما يتسبب في خسائر مادية وبشرية”. وقال: “في كلّ لحظة نحاول أن نردع العدو الذي يحاول التقدم وخرق خطوط دفاعاتنا، فهو يستعمل مدفعية طويلة المدى، لكنّنا متمسكون بمواقعنا ولا نستسلم لهم، بل نحاول أن نوقع في صفوفهم أكبر عدد ممكن من الخسائر”.

وتابع: “القوات الروسية تستعمل أسلحة كيماوية وتهاجم مواقعنا بقنابل كيماوية، وتقصف فرق الإجلاء أثناء محاولة إجلاء المصابين. كما يقوم الروس بتدمير طبيعتنا، فعلى سبيل المثال كلّ الأشجار الموجودة هنا قد تعرّضت للتلف بسبب شظايا الصواريخ، هم يقصفون المناطق الخلفية ويرعبون السكان وينشرون الألغام الموجهة التي تنفجر لدى اقتراب أحد منها على الخطوط الأمامية وعلى الخطوط الخلفية، ما يؤدّي إلى مقتل المدنيين أو تعرضهم للتشوه”.

وأوضّح آرتم لنا أمراً مهمّاً قائلاً إنّ “القتال بالأسلحة أمر غاية في الأهمية، لكن ثمّة ما هو ملّح أيضاً، إذ أنّه بالتّوازي مع الحرب العسكريّة لا بدَّ من مواكبة تكنولوجيّة تحرم الرّوس من الوصول إلى ما يسهّل تأمين الإمداد لهم”. وتابع: “تلك الحرب تكنولوجية بامتياز، فنحن نستعمل طائرات مسيّرة وأقمار ستار لينك ما يساعدنا كثيراً. لكن علينا أن نفهم أن العدو يستعمل كل تلك الوسائل أيضاً وإن قطعت دول العالم طريق الوصول إلى شرائها وطريق الوصول إلى الأنظمة المصرفية والإنترنت، فسنكون قد وجدنا طريقة فعالة لمحاربة الروس”.

رومان من مهندس إلى مقاتل على جبهة دونيتسك.. مشاهد حيّة لمواجهة حامية مع الروس

 

عناصر فاغنر.. “الموتى الأحياء”

خلال قتاله على الجبهة في باخموت، التقى آرتم عناصر من مرتزقة فاغنر، كان ذلك قبل ظهور تمرّد قائد تلك المجموعة يفغيني بريغوجين (Yevgeny Prigozhin) على رئيسه فلاديمير بوتين (Vladimir Putin) إلى العلن. يقول آرتم إنّ هؤلاء العناصر لا يشبهون البشر، “لقد التقيت بفاغنر في باخموت، ويسعني أن أقول إنّهم لا يشبهون البشر، فهم يزحفون على الأرض نحوك كما لو كانوا من الموتى الأحياء، كما أنّهم لا يحمون شعبهم. وإن كنّا نسعف الجرحى فهم لا يفعلون المثل. يبدو لي أنهم لا يملكون أي شرف وأي قواعد حرب”. وأضاف: ” لا يكفون عن ارتكاب الأعمال الشنيعة. إن رفض أحد من المجموعة العمل، يقومون بدفعه أمامهم بأسلحتهم ويهددونه بإطلاق النار عليه. كل شيء يشير إلى أنهم يملكون قوات حاجزة”.

رومان من مهندس إلى مقاتل على جبهة دونيتسك.. مشاهد حيّة لمواجهة حامية مع الروس

صاروخ روسي سقط أمام فريق أخبار الآن خلال تواجدهم على جبهة دونيتسك

معنويّات عالية.. “أقاتل المحتلين الروس”

المعنويّات عالية لدى الجنود الّذين شاركوا في معارك أخرى في جنوب أوكرانيا وشرقها، وهم يرون في جبهة دونيتسك واحدة من أصعب المعارك الّتي تخوضها أوكرانيا بالنّظر إلى حجم الخسائر البشريّة والماديّة في صفوف القوّات الأوكرانيّة.

تحدثنا إلى بعض الجنود لمعرفة السبب وراء اندفاعهم للمشاركة في تلك الحرب. رومان شاب أوكراني كان يعمل كمهندس ومع بدء الحرب قرّر أن يلتحق بالجيش. قال رومان لـ”أخبار الآن“: “قبل انطلاق الحرب الشاملة، كنت أعمل كمهندس في مركز خدمة لشركة أجنبية وكنت أجني أجراً جيداً، ولكن مع بدء الحرب الشاملة وصول الروس إلى مسافة 8 كيلومترات من منزل عائلتي، انضميت بشكل فوري إلى الجيش. لقد مضى أكثر من عام على وجودي في القوات المسلّحة الأوكرانية، أنا موجود في المكان المناسب حيث أقاتل المحتلين الروس وأبذل قصارى جهدي لضمان إحرازنا الفوز في القريب العاجل”.

رومان من مهندس إلى مقاتل على جبهة دونيتسك.. مشاهد حيّة لمواجهة حامية مع الروس

 

أندري هو أيضاً أحد الجنود الأوكرانيين الذين قرّروا الإنخراط في صفوف القوات العسكرية لدعم جيش بلادهم، وقد شدّد على مواصلة قتاله من أجل وطنه، قائلاً: “كنت مدنياً عادياً لكن مع انطلاقة الحرب على نطاق واسع، شعرت أنّه عليّ أن أتحرك وأدافع عن أرضي، لم يكن القرار صعباً أو فكرت فيه، لقد شعرت بأنّ أوكرانيا كانت بحاجة إلى الحماية، لذلك أنا موجود هنا وسأبقى حتى ننتصر”.

رومان من مهندس إلى مقاتل على جبهة دونيتسك.. مشاهد حيّة لمواجهة حامية مع الروس

أحد الجنود الأوكرانيين يعمل على تفجير لغم أرضي وضعه الروس – أخبار الآن

“انضممت للجيش من دون تردد”

جندي آخر، قال: “لقد انضممت إلى قوات الدفاع في بلدتي التي ولدت وترعرت فيها، ثمّ أصدر الجيش أمر التعبئة العسكرية وقد ذهبت فوراً إلى الجيش من دون أي تردد. عندما بدأت الحرب الشاملة، كنت نائماً وعند الساعة الثالثة فجراً اتصلت بي والدتي وقالت لي إن الروس يقصفون كييف، فوضبت أمتعتي بسرعة ثمّ اصطحبت عائلتي إلى الخارج وانضممت إلى صفوف الدفاعات الأوكرانية، وبما أنني صيّاد ولديّ بندقية أوتوماتيكية، فقد اصطحبتها معي، ومنذ ذلك الوقت أنا موجود هنا في صفوف القوات الأوكرانية”.

رومان من مهندس إلى مقاتل على جبهة دونيتسك.. مشاهد حيّة لمواجهة حامية مع الروس

يعزز الجنود الاوكرانيون مواقعهم استعداداً لأيّ هجوم محتمل – أخبار الآن

الخندق.. غرفة عمليات

بينما كنّا على الجبهة نراقب ما يجري، دخلنا إلى أحد الخنادق حيث توجد معدّات تكنولوجيّة يمكن من خلالها مراقبة عمليّات استهداف آليّات روسيّة في الجهة المقابلة. وتعتبر أخبار الآن أولى القنوات الّتي تصوّر مثل تلك اللَّقطات، إذ ليس مسموحاً أن يتمّ تصوير سير العمليّات بشكل حيّ ومباشر. وبينما نحن نتواجد في ذلك الخندق الذي يشبه غرفة العمليات، تمّ استهداف 6 آليّات عسكريّة روسيّة من خلال الدرّون.

رومان من مهندس إلى مقاتل على جبهة دونيتسك.. مشاهد حيّة لمواجهة حامية مع الروس

لحظة استهداف آليات روسية من خلال الدرون وثقتها أخبار الآن خلال وجودها في الخندق – غرفة العمليات

يوم كامل قضيناه على جبهة دونيتسك مع الجنود، وقد انتهى بسلام رغم الخطر الذي أحاط تلك التغطية، التي تمكّنا من خلالها أن نستكشف خطورة الوضعِ على جبهات القتال وخطوطها الأماميّة. يسعى الجنود الأوكرانيّون إلى الحفاظ على مواقعهم بالتّوازي مع الحفاظ على حياتهم، فمن المهمّ جدّاً بالنّسبة لهم إبقاء السّيطرة على الجبهة ومنع تقدّم القوّات الرّوسيّة إليها. الكثير منهم قد تنتهي حياته بضربةٍ واحدة لكنّ إِصرارهم على الدفاع عن أرضهم يدفعهم إلى الإِستمرار في القتال.

شاهدوا أيضاً: كبير مستشاري زيلينسكي لأخبار الآن: التدمير الداخلي للإتحاد الروسي بدأ ولن يتوقف