عادت إلى كابول في ٢٠٠٣ بعد مشاهدة قتل طالبان لامرأة وبث إعدامها علي التلفاز

هي السيدة الأقوى بين نساء أفغانستان، يخافها قادة طالبان ويعرفها المجتمع الدولي، ورغم ذلك كان مكتبها محاطا بالمقاتلين من عناصر طالبان حتي قبيل حوارنا معها بساعات قليلة، حين خف تواجد رجال طالبان حول مكتبها تم تحديد موعد للحوار مع “أخبار الآن”  لنلتقي بالسيدة محبوبة سراج السيدة الأفغانية الموجود اسمها ضمن قائمة أكثر ١٠٠ شخصية تأثيرا في العالم لعام ٢٠٢١،  جنبا إلي جنب بجوار الملا عبدالغني برادار الرجل الأقوى في حركة طالبان.

في بداية الثمانينات من القرن الماضي، قررت محبوبة سراج الشابة الأفغانية الأكثر طموحا أن تغادر أفغانستان لأسباب سياسية واجتماعية وتعيش خارجها أكثر من عقدين ثم تقرر العودة عام ٢٠٠٣ من أجل نساء أفغانستان، فماذا حدث كي تقرر سراج العودة لوطنها للمشاركة في إعادة بنائه وبناء شخصية المرأة الأفغانية من جديد ؟

تقول محبوبة سراج لأخبار الآن “في 2003 أتينا جميعًا إلى هنا، قررت الكثير من النساء اللواتي كنّ خارج أفغانستان لسنوات عديدة العودة،جميعنا قررنا العودة، وأحد أسباب عودتي إلى هنا هو أنني أردت أن أكون صوت النساء اللواتي لا صوت لهن في هذا البلد.”

 

محبوبة سراج المرأة القوية في كابول تقف في وجه طالبان من أجل حقوق النساء في التعليم والعمل

 

سراج متحدثة عن ذكرياتها في ملعب كابول: في نفس المكان رأيت إعدام امرأة أفغانية

بينما كانت محبوبة سراج تشاهد أخبار أفغانستان في التلفاز في منفاها الاختياري بالخارج،  رأت إحدى السيدات الأفغانيات يتم تنفيذ حكم الإعدام عليها على الهواء مباشرة حيث يحوطها مجموعة من رجال طالبان ينفذون فيها الحكم بالقتل.

تقول محبوبة عن ذلك اليوم،  “لقد رأيت بعض الأشياء على التلفزيون، رغم أنني كنت أقيم خارج البلاد في ذلك الوقت،أحدها كان إطلاق النار على امرأة في وسط ملعب كابول الذي كان بالنسبة لي مكانًا مليئًا بذكريات جميلة  لا يمكن نسيانها حيث كان به في الماضي  طفولتي، الكثير من الألعاب، كانت هناك مسيرات وعروض  أمام الملك، وكنا جميعًا، أولادًا وبنات صغار نذهب في هذه المسيرات أمام الملك، كنت أشاهد مباريات كرة القدم، كان مكانًا لا يُنسى للغاية لجميع سكان مدينة كابول”.  تتذكر السيدة في أسى وحزن شديدين وهي تقول”في نفس المكان، رأيت إعدام امرأة أفغانية بغطاء على رأسها،لم أستطع رؤية وجهها، لا أعرف كيف يبدو وجهها حتى اليوم ولا أعرف ما هي خطيئتها لماذا قتلوها هكذا؟ أنا لا أعرف  لكن على ما يبدو،أن حركة طالبان اعتقدت  في ذلك الوقت أنه كان الأمر الصحيح الذي يجب القيام به لأي سبب من الأسباب، فقد أطلقوا النار على تلك المرأة، لا أعرف لماذا،لكن لشيء لا أستطيع حقاً شرحه.”

محبوبة: مشهد مقتل السيدة بيد طالبان حطمني تماماً

هذا المشهد كان كفيلا بتحطيم قلب محبوبة وإصرارها على العودة من أجل نساء أفغانستان اللاتي لا يستطعن إسماع أصواتهن للعالم بسبب حكم جماعة طالبان عليهن، وتشرح محبوبة ذلك قائلة “ أعتقد أنني رأيت عينَيْ تلك المرأة؛ ربما رأيت ذلك في قلبي ورأيت كيف كانت تنظر وكم كانت يائسة، لأنه لم يكن هناك من أحد ليدافع عنها وهذا حطمني تمامًا لأيام لم أستطع الذهاب إلى العمل كنت مستاءة جداً.”

عقب حادث قتل السيدة الأفغانية في ملعب كابول  بأيام قلائل، وقع حادث مؤسف مثل تدمير لجزء  من تاريخ أفغانستان الذي تحمله محبوبة بقلبها في غربتها ، حيث تضيف سراج ” بعد ذلك،  حدث مشهد آخر أزعجني على المستوى الثقافي كثيرًا، عندما رأيت تمثال بوذا يتم تفجيره  إلى أشلاء . فحتى لو كان تمثالًا لبوذا، إلا أنه جزء من تاريخ أفغانستان لمن كنا وماذا كنا وما هو تاريخنا رأيت كل ذلك ينفجر أمام عيني على شاشة التلفاز، 

لكن حادث مقتل  تلك المرأة في الواقع هو ما جعلني أقرر العودة إلى أفغانستان والعمل هنا في ذلك الوقت قررت أن أكون صوت النساء اللواتي لا صوت لهن في أفغانستان.”

سراج: النساء لا يصدقن حديث العفو من طالبان لأنه حدث في الماضي ولم ينفذ

وعن النساء المهددات بالقتل والموجودات على قوائم الاغتيالات تقول محبوبة”لو صحت تلك التهديدات فهي كارثة  ، ماذا فعلن تلك النسوة؟  ما هو ذنبهن الجسيم الذي ارتكبن حتى يقتلن؟” وتتساءل باستنكار شديد”لماذا؟ لأنهن عملن في مكتب. هل هذا هو السبب؟، لأنهن عملن في تلفزيون أو في صحيفة أو مجلة، أو كنّ يكتبن التقارير أو كنّ يقمن بالتدريس  في جامعة؟ أو كنّ فنانات وكنّ يرسمن ويبدعن ويعبرن عن مواهبهن؟ ما هو ذنبهن؟ لا أستطيع أن أفهم هذا النوع من الجرائم المروعة التي ارتكبوها؟!”

وعن سبب عدم تصديق النساء في أفغانستان لحديث طالبان عن العفو العام، تقول محبوبة  “إن طالبان  يقولون ذلك ولكنني أريد أن أخبرك عن سبب عدم تصديق الكثير من النساء لذلك،السبب في عدم تصديق الكثير من النساء لذلك هو نفس الكلمات التي يستخدمونها الآن حول سبب عدم ذهاب الفتيات إلى المدرسة، وما الذي يحدث وكيف لا يذهبن إلى الجامعة والمدرسة؟وكيف تخرج المرأة  ولماذا يكون لديها محرم في الشارع إذا أرادت التسوق؟”

محبوبة سراج المرأة القوية في كابول تقف في وجه طالبان من أجل حقوق النساء في التعليم والعمل

ثم تسرد محبوبة سراج واقعة سابقة عمرها أكثر من ٢٠ عاما في لقاء تلفزيوني مع أحد قيادات طالبان الذي كان شابا في ذلك الحين يتحدث أيضا عن تطمين العالم على موقف طالبان من النساء وتعليمهن وعملهن فتقول  سراج”هناك إجابة على هذا التساؤل كانت  قبل 20 أو 22 عامًا في مقابلة مع أحد أجهزة التلفزيون ،لقد سمعت بصدق تلك المقابلة، لم أكن منتبهة لأنني كنت أتحدث إلى شخص ما وكانت المقابلة على التلفزيون. نظرت حولي وكانت المذيعة قمر بور التي تجري المقابلة أنا أنظر إلى قمر بور  المذيعة وأقول “إنها تبدو صغيرة جدًا”، ثم أنظر مجددا وأقول  “يا إلهي. هذا الرجل المتحدث يبدو صغيراً جداً. ثم أدركت فجأة أنها كانت مقابلة قبل 20 عامًا، لكن الجمل وحتى تركيبة الجمل كانت هي نفسها، تم استخدام نفس الجمل”

محبوبة: طالبان لم يصرحوا أنهم لن يسمحوا بتعليم الفتيات ولكنهم حقا لن يسمحوا

وتضيف محبوبة”لم يقولوا  أبدًا إنهم لا يسمحون للفتيات بالذهاب إلى المدارس،أبداً، لكنهم لم يسمحوا للفتيات بالذهاب إلى المدرسة، بقدر ما يهمني هذا الأمر، لم نعد نثق.

نعتقد أنه بنفس الطريقة التي كذبوا بها آنذاك، سيفعلون الشيء نفسه الآن، هذا هو السبب، لأن الثقة انعدمت. عليهم أن يثبتوا لنا الآن أنهم يقصدون ذلك وأن هناك حقيقة،لم يسمحوا لهن بالذهاب إلى المدرسة،وفي الوقت نفسه، قالوا “نريد حقًا طبيبات نساء” حسناً، جيد ، تريدون طبيبات؟ لكن عليكم أن تبدأوا بالسماح للفتيات في هذا العمر بمواصلة التعليم ليصبحن طبيبات فيما بعد إن أردتم معلمات وطبيبات، فعليكم السماح لهن منذ الصغر بالذهاب إلى المدرسة والتعلم، إذا لم تسمح لهن في سن مبكر، فماذا سيتعلمن ليصبحن طبيبات؟” توقف حكومة طالبان تعليم الفتيات في أفغانستان اليوم من سن ١٣ عاما لحين وضع شروط حجابهن  الذي يقصدون به النقاب أو تغطية الوجه بصفة عامة وخروجهن من المنازل بمحرم وكثير من الأمور الأخرى ، وعن ذلك الأمر تعلق محبوبة سراج قائلة “هؤلاء الفتيات في سن صغيرة، لا يحتجن إلى ارتداء الحجاب،لكن عادة ما تكون الفتيات الصغيرات محجبات. يرتدين الزي الأسود للمدارس ولديهن وشاح أبيض جميل لتغطية رؤوسهن. فماذا يحتجن أيضاً؟

إنهن فتيات صغيرات، ثم بالنسبة لفتيات الجامعات، كلنا نرتدي الحجاب،لسنا مضطرات لتغطية وجوهنا لأنه ليس في الإسلام، كما نعلم جميعًا، إن تفسيرهم للشريعة هو الذي يوضّح كل الاختلافات والصعوبات”

الكثير من الأفغان الذين التقطهم “أخبار الآن” في أماكن متفرقة بأفغانستان  يريدون الرحيل عن وطنهم اليوم ويبحثون طريقة للهرب واللجوء لأي مكان آمن، فهل حقا لا يوجد سبيل للتعايش بين طوائف الشعب الأفغاني، تشرح محبوبة سراج ذلك الوضع قائلة”هذا كل ما يحدث وهو ما لا ينبغي أن يحدث.

بمعنى آخر، يجب أن تكون هناك طريقة ما لنتمكن من العيش معًا. فكلنا أفغان، رجال، نساء، شباب، كبار، أطفال  ، كلنا، وهذا بلدنا،  ويجب أن نكون جزءًا منه، علينا  أن نتحمل المسؤولية، ويجب أن نجعل حياتنا هنا بغض النظر عما يوجد في أفغانستان”

تصريحات حركة طالبان تتحدث دائما عن تغيير في طريقة تفكير الحركة عن الماضي ، وعن حقيقة هذا التغيير من عدمه تقول محبوبة”أنا حقا آمل أن يفعلوا ذلك أتمنى ذلك حقيقة> ولكني أعتقد أنهم لم يتغيروا، لأسباب كثيرة .

محبوبة سراج: طالبان وعدوا بالحفاظ على حق المرأة في التعليم والعمل مقابل المعونات ولم يوفوا بوعودهم

محبوبة التي عادت إلى أفغانستان لتعُلي صوت المرأة تبدو يائسة من طالبان، ومن الأسباب التي تجعلها تعتقد بعدم تغييرهم لطريقة التفكير  موقفهم من ملف المرأة وتعليمها ، لأنهم وعدوا بذلك في البداية قبل أن يعودوا إلى أفغانستان عندما كانوا يتحدثون في الدوحة وعندما كانت جميع الاتفاقات تجري معهم،كان هذا أحد الأمور والوعود التي قدموها للعالم. قالوا للعالم إنهم سيسمحون لنساء أفغانستان بالعمل،وسيسمحون للفتيات في أفغانستان بالدراسة ولأطفال أفغانستان بالذهاب إلى المدرسة”

محبوبة سراج المرأة القوية في كابول تقف في وجه طالبان من أجل حقوق النساء في التعليم والعمل

 

 

وتضيف محبوبة “هذه كانت وعودهم العالم  والمعونات تعتمد على ذلك، يضع الكثيرون ذلك شرطًا بشأن المساعدة التي يقدمونها أو يرسلونها إلى أفغانستان،على سبيل المثال، يقولون إنهم إذا لم يفعلوا ذلك، فلن نمنحك المال مقابل الأمور التي تحتاجها،وضع هؤلاء النساء في أفغانستان ليس جيدًا على الإطلاق على الاطلاق.وكل ما تراه حقيقة، لفتيات لا يذهبن إلى المدرسة، ووزارة المرأة مغلقة والنساء لسن جزءًا من الحكومة والفتيات لا يمكنهن الذهاب إلى الكليات والناس لا يستطيعون الذهاب إلى العمل وكل هذه الأمور. كل هذه الأمور موجهة ضدّ النساء

وبنبرة حادة وغاضبة، تؤكد محبوبة سراج  “إنه ليس سحر أو كلام غير ملموس  هذا هو ما يحدث في الواقع،  تشعر النساء الأفغانيات بالتهديد الحقيقي وبسبب الطريقة التي تم التعامل معهن بها  فمن حقهن أن يشعرن بالتهديد إذا كانت طالبان تريد حقًا إحداث فرق فعليها إزالة هذا التهديد ضد نساء أفغانستان

والطريقة التي يمكنهم بها إزالة التهديد هي تغيير أساليبهم في التعامل مع النساء في أفغانستان.”