ملف مدارس العراق يخضع للتجاذبات السياسية وتصفية الحسابات والفساد وسوء الإدارة

يعتبر موضوع المدارس أمراً معقّد للغاية في العراق لأنّه جزء لا يتجزأ من الملفات التي تخضع للتجاذبات السياسية وتصفية الحسابات والفساد وسوء الإدارة. وذلك الكلام ليس مبالغ به، ولكن تلك هي الحقيقة، ومن لا يصدق كلامي عليه أن يتابع ويدقّق في دورة حياة المباني المدرسية والكتب الدراسية للطلبة العراقيين.

بعد أن كانت المدارس تعمل بدوام واحد أو دوامين، الآن أصبح الدوام بثلاثة “شفتات” ومدة الدوام لا تتجاوز الثلاث ساعات، والسبب هو زيادة عدد السكان وبينهم الطلبة، وبقاء البنية التحتية المدرسية على حالها من دون تطور، لا بل على العكس ازدادت سوءاً بسبب عدم تجديد البنايات وعدم تشييد مدارس جديدة رغم تخصيص مليارات الدولارات على قطاع التربية والتعليم سنوياً. وهنا يظهر الفساد الذي وصل إلى حدّ سرقة الأموال المخصصة للكتب المدرسية عن طريق طباعة الكتب في الخارج، وتلك قضية فساد كبيرة حدثت لكن تمّ التكتم عليها حيث احتكرت شركة تابعة لنائب في البرلمان العراقي طباعة الكتب، وبلغت تكلفة طباعة الكتب ما يقرب من 400 مليار دينار (نحو 320 مليون دولار في حينها)، تحال لمطابع أجنبية في حين المبلغ الحقيقي لا يتجاوز الـ80 مليار دينار فقط.

وبعد أن  ازدادت نقمة الناس خصوصاً الطلبة وعوائلهم من سوء الواقع التعليمي، قرّرت الحكومة العراقية برئاسة العبادي حينها بالتعاقد مع الصين على عدّة ملفات، من ضمنها المدارس الصينية، على أنّها الحل الأنجع لكن دخول داعش الإرهابي أجّل المشروع، لتأتي حكومة عبد المهدي وتبدأ به حيث تمّ التعاقد على منح مئة ألف برميل نفط للصين مقابل بناء مدارس ذات “جودة عالية” في العراق.

لكن مع مرور السنوات، اتضح أنّ الواقع لم يتغيّر ولم يتم تشييد مدارس وفق العدد المتفق عليه، ولا وفق معايير السلامة والجودة، لأسباب عديدة منها الفساد وعدم وجود رقابة على سير العمل والتغاضي عن الأخطاء، ولأنّ الغاية الحقيقية من العقد أبعد من مشكلة المدارس وإنّما الغاية هي أن تتحكم الصين بالعراق وتسيطر على قطاعات مهمّة في البلد، مثل النفط والتعليم، وذلك ما سمح به المسؤولون.

في النهاية نستنتج أن العراقيين سيواجهون مشاكل مركّبة وهي أنّ الفساد سيستمر مادام القضاء لا يحاسب المسؤولين عنه بعقوبات غليظة، وسيكبر جيل من الطلبة سيكون ضعيفَ التعليم لأنّه لم يكتسب المهارات التي يجب أن يكتسبها، خصوصاً في عمر مبكر، وذلك سيؤسّس لجيل ضعيف لن ينهض بواقع العراق إلّا إذا حدث شيء غير متوقع…

تجدر الإشارة إلى أنّ “أخبار الآن” كانت عرضت في برنامج “بالعين المجردة” حلقةً مفصّلة عن صفقة المدارس الصينية التي لم يُبنَ منها إلّا القليل القليل، فيما تحصل الصين على المليارات والنفط مقابل لا شيء فعلياً، والدليل على ذلك أنّ الطلاب عادوا إلى موسمهم الدراسي الجديد منذ أيام، لكن إلى مدارس قديمة لا مقاعد فيها، ولا تصلح لأن تكون مكاناً يتلقى فيه الطلاب تعليمهم بشكل مريح وطبيعي. وقد بيّنت “أخبار الآن” من خلال تحقيقها الإستقصائي، كيف أنّ الصين أوكلت العمل إلى مقاولين محلّيين في العراق لبناء المدارس بمعايير لا ترقى إلى معايير السلامة العامة، وقد انهار سقف إحدى المدارس في محافظة السماوة نتيجة استخدام مواد رديئة، واتباع أساليب تقليدية في البناء فيما العقود التي أبرمت مع الصين مقابل أموال طائلة، تنصّ على بناء مدارس متطوّرة وبجودة عالية، لكن في الحقيقة أنّ أيّاً من البنود لم تُنفذ.

إليكم حلقة “بالعين المجردة” التي تحدّثت عن الفساد في صفقة المدارس الصينية في العراق