نمطية السينما المصرية تنتشر بسلبية

  • الدواء يخفف الألم فور بلعه مباشرةً في السينما
  • هناك عشرات التصرفات التي انتقلت إلينا بسحر و”عفرتة” السينما

عندما ظهرت السينما في مصر لأول مرة  تخيل بعض القرويين أنها “عفريت” سوف يصيب مصر باللعنة ويدخل على بيوتهم بالخراب خاصة أنهم لم يكونوا يتوقعون أبداً أن يشاهدوا كائنات حية تعيش وتتحدث من داخل شاشة قماش أمامهم.. ورغم السخرية التي ستشعر بها من هذه السذاجة إلا أنك عندما تفكر فيها بتمعن ربما تكتشف أنهم فعلا على حق وأن هذه الشاشة فعلا عفريت تدخّل في طباعنا وعاداتنا وسلوكنا.

ونجح في تغيير نمط تفكيرنا لدرجة أن الكثيرين منا تأثروا بما يحدث أمامهم على الشاشة، وأصبحوا يقلدونه بخطئه وإذا لم تكن تصدق حاول أن ترصد بنفسك ما يحدث معك وحولك من مشاهد وتصرفات تحدث في معظم أفلام السينما.

حاول أن تتابع ما يحدث عندما يشعر أحد أصدقائك بصداع مثلاً وتمنحه قرص ريفو أو اسبرين وبعد أن يبلعه مباشرة تسأله: ها.. عامل أيه دلوقتي؟ وربما يكون هو أكثر تأثراً بالسينما  منك ليرد : بقيت أحسن!!

أليس هذا ما يحدث في الأفلام باعتبار أن الدواء يخفف الألم فور بلعه مباشرةً أو هكذا يريد كاتب السيناريو من الفيلم لأن الأحداث والوقت لايتحملان أن ينتظر المشاهد الوقت الكافي لبدء مفعول الدواء.

هناك أيضا عشرات التصرفات والعادات التي انتقلت إلينا بسحر و”عفرتة” السينما ومنها إشعال “السيجارة” بسرعة في أي موقف متوتر وربما تلجأ للحيلة الشهيرة بالمشي ذهابا وإيابا عندما تفكر في أمر يشغلك وهناك من يتوجه فورا لعلبة الأدوية ليبحث عن المهدئ الذي يريحه من التوتر في لحظتها.

عدوى أفلام السينما في حياتنا

تعالوا ننتقل من التوتر إلى الحب وهنا لابد أن تشمت في نفسك لأنك جلست يوما تمسك بوردة ليكشف لك عدد أوراقها إذا كانت حبيبتك تحبك أم لا على طريقة “بتحبني.. مبتحبنيش”!

السينما أيضا مسؤولة عن ضرب الزوجة أو الابنة أو الحبيبة بالقلم ومسئولة عن تقبيل رأس الأم ويد الأب ساعة الإفطار أو وقت النزول من البيت للجامعة.

أعتقد أيضا أن بعض المتهمين بمتابعة حوادث الاغتصاب والذين يتعجبون من غياب الصواعق والأمطار التي يشاهدونها في السينما في معظم مشاهد الاغتصاب التي يرصدونها.

ومن الغرائب التي قابلتها في الحياة أن أحد المشاهير تخلي عن عشيقته لأنها لا ترتدي الملابس التي اعتاد رؤيتها علي العشيقة في السينما مثل الشراب “الشبيكة” بالإضافة إلى المكياج الثقيل والروج الأحمر الزاهي والحسنة الضخمة الموجودة دائماً علي الحد الأيسر!

حاول التركيز أكثر لتجد نفسك تدعو أحد أصدقائك لشرب فنجان قهوة معك في النادي على طريقة حسين صدقي أو أنور وجدي، في حين أن المقابلة يمكن أن تتم بفنجان شاي أو عصير مثلا وهو ما يحدث أيضا عندما تدخل أحد المطاعم لتجد عاشقين يجلسان في حالة حب ليطلب العاشق من المتر فنجان قهوة وتطلب العاشقة “ليمون” على طريقة ماجدة وإيهاب نافع!

تذكر أيضا كيف تنادي صديقك من تحت بيته.. ببوق السيارة طبعاً وهي الحركة الشهيرة لأحمد رمزي في أفلامه مع عبد الحليم وهي نفس الأفلام التي رسخت في عقولنا صورة الشاب الروش الذي يركب غالبا سيارة “كابورليه” ويصاحب البنات اللاتي يدخن السيجارة بالمبسم الأسود الطويل.

أسألك سؤالا مختلفا: كيف تتصور شكل البواب؟

اعتقد أن الإجابة غالبا ستكون نوبي أسمر واسمه عثمان وبالطبع لن تتعجب من الإجابة المرسومة بالصورة في ذهنك بسبب السينما وهي قطعاً المسؤولة عن شكل الصعيدي الذي يرسم دائما مجموعة من العصافير علي رقبته ويحمل محفظة نقود  مربوطة في البنطلون أبو دكة ومكان تواجده الأساسي محطة باب الحديد!

ومثلما فعلت السينما في البواب والصعيدي نجحت في عمل قالب مخصوص للمحامي المتحرر والصحفي المتسلق  وطبيب الأمراض النفسية المتوتر و يشبه في الغالب الفنان فؤاد خليل!

 

النمطية في الأفلام المصرية

صورة لعادل إمام من فيلم الإرهابي (عبر الإنترنت)

الغريب أن معظمنا حفر هذه الصور السينمائية في ذاكرته لدرجة أننا نتفاجأ أحياناً عندما نلتقي في الواقع احد هذه النماذج ونجده مختلفا عن الصورة المخزّنة لدينا، بل الأغرب أننا أصبحنا نحذر من شخصيات عادية في حياتنا لأن السينما عرضتهم علينا بشكل سيء فمثلا من يعمل مدير أعمال لراقصة يعتبره البعض “مش مظبوط” ومن يقرأ الجورنال على القهوة “مخبر” ومن يمسح الأحذية “مرشد” ومن يستخدم نور سيارته وهي واقفة في مكان خفي “تاجر مخدرات” ومن يتعرض لصدمة في حياته لابد أن يفقد الوعي لينسي ومن يطلق لحيته “إرهابي” ومن يدخن السيجار “رجل أعمال” ومن يشعر بالتعب يفتح الكرافت ومن يتصبب عرقاً أمام النيابة هو القاتل!

أنا تعبت من التذكر.. كملوا انتو بقى!