هل سيصمد النظام الإيراني أمام الانتفاضة المستمرة؟

  • طلبة الجامعات بدأوا يأخذون زمام المبادرة ويشكلون رأس الحربة
  • وزير السياحة الإيراني أبدى نوعا من التأييد للمحتجين

للأسبوع السادس تترسخ الانتفاضة في إيران ويزداد وهجها وتكتسب يوميا دعما جديدا في الداخل والخارج ومع استمرار الانتفاضة وزيادة زخمها وانتشارها أفقيا وعاموديا وارتفاع أعداد الضحايا ما زال عدم تدخل الحرس الثوري بكل قوته لإخمادها سرا يثير التساؤلات.

فهل ينتظرون وفاة خامنئي المريض مثلا وتصفية الحسابات قبل إعادة ترتيب الداخل؟ أم يخشون انقسامات داخلية قد تطيح بالنظام؟ الانقسامات لا بد وقد بدأت بالفعل وهي تأخذ أشكالا مختلفة للتعبير عن نفسها. لا يستطيع أحد من معارضي النظام من داخله انتقاد المرشد لكن انتقاد أساليب النظام في التعامل مع الانتفاضة وتصريحات عدد من المسؤولين تؤكد أن الأمور ليست على ما يرام في إيران.

بوادر انقسام في النظام الإيراني بعد اشتداد الانتفاضة وترسخها

طلبة الجامعات بدأوا يأخذون زمام المبادرة ويشكلون رأس الحربة في مواجهة النظام وتحدي تعليماته. ويواصلون كتابة الشعارات المناهضة للمرشد ويحرقون صوره وصور الخميني. كما تحدى طلبة الجامعات أوامر الإدارات التي منعت اختلاط الطلاب والطالبات في صالات الطعام فلجأ الجميع إلى تناول الطعام معا في حدائق الجامعة.

المعارضة في إيران لم تعد مقتصرة على النساء الرافضات إملاءات الملالي بشأن الملابس والحجاب بل أخذت نسائم المعارضة تتسرب إلى داخل النظام نفسه. وهناك بعض المسؤولين الذين أخذوا يلمحون بمواقفهم التي يمكن وصفها بالانحياز للمحتجين ولو بشكل خجول بعض الشيء.

في البرلمان الإيراني على سبيل المثال انقسم الأعضاء بشأن سبل التعامل مع الاحتجاجات المتواصلة. وانقسام النواب هذا إذا ما تعمق فقد يجر إلى خلافات وصراعات. وقد كان لافتا أن غلام زادة منتظري نائب رئيس اللجنة الثقافية في البرلمان الإيراني أبدى معارضة علنية لاستخدام العنف في مكافحة الانتفاضة ودعا النظام إلى تفهم مطالب الجيل الجديد. وقد تكون هذه أول دعوة في إيران من قبل مسؤول سياسي للمراجعة والاعتراف بوجود فوارق بين الأجيال وما يفرضه ذلك من فهم لتغير الأحوال والظروف. وكان غريبا أن يخاطب منتظري وزير الداخلية الذي يشرف بنفسه على عمليات القمع قائلا: إذا جردت المحتجين من حقهم في انتقاد النظام فإنهم سيتوجهون للحديث إلى الغرباء.

حتى وزير السياحة الإيراني أبدى نوعا من التأييد للمحتجين؛ عندما غرد على تويتر قائلا ماذا يفعل الناس إذا كانوا لا يريدون أن تتم قيادتهم من قبل الشرطة الدينية؟

 

وفي هذا السياق جاء تحذير آخر للحكومة من وزير العمل السابق وكذلك من رئيس الأركان السابق، ومن المؤكد أن المقصود بالتحذير هو المرشد، بأنه ما لم تتم معالجة عدم الرضى وبشكل صحيح فإن الاحتجاجات ستتواصل والعالم سيستمع لصوت الإيرانيين المحتجين وهذا الصوت يجب أن يسمع داخل إيران أيضا.

يريد بعض النواب المتعاطفين مع المحتجين أن يترك المحتجون وشأنهم لأن الدستور الإيراني بموجب المادة 27 يسمح بالتظاهر والاحتجاج ولا يحتاج الأمر إلى أي إذن حكومي.  وقالوا انهم سيطالبون بفتح تحقيق بخصوص تعامل الشرطة مع المحتجين.

لكن بعض الأصوات داخل البرلمان الإيراني مازالت غير مدركة لما ستؤدي إليه سياسة التشدد. فالانتفاضة التي بدأت على شكل احتجاج على تدخلات الشرطة الدينية في حجاب النساء تحولت إلى انتفاضة شعبية مناهضة للنظام والحكومة وبعض أعضاء البرلمان من المتشددين ما زالوا يطالبون الحكومة بالتعامل بشدة وقسوة مع المحتجين وإسكات صوتهم بالقوة. وطالب أحد النواب وهو مجتبى ذو النوري بجلد النساء اللواتي يكشفن شعورهن وانتقد زملاءه النواب المتعاطفين مع الانتفاضة. وطالب نائب آخر متشدد أيضا بتجريد النساء المشاركات في الانتفاضة من جميع حقوقهن الاجتماعية.

لكن هذا التشدد في البرلمان لم يُضعف الانتفاضة بل زاد الإيرانيين حماسا وغضبا.

بوادر انقسام في النظام الإيراني بعد اشتداد الانتفاضة وترسخها

على الصعيد الإعلامي مثلا كشفت وسائل إعلام أجنبية عن استقالة خمسة من الإعلاميين من أجهزة إعلام الحكومة بينما تسربت أنباء عن قيام السلطات باعتقال أربعين إعلاميا من أجهزة إعلامية مختلفة.

وبرغم كل بطش النظام وقمعه لا زالت بعض الصحف تتجرأ في إبداء رأيها فتحدثت صحيفة “الجمهورية الإسلامية” منتقدة التعامل الخاطىء مع المحتجين. وتحدث رئيس تحرير الصحيفة مع أحد رجال الدين وهو آية الله عبدالله جوادي مطالبين الحكومة بالاستماع لصوت المحتجين ومعرفة أسباب انتفاضتهم وتحقيق التغيير الذي يجعل الحكومة أكثر فاعلية في التعامل مع مشكلات البلاد.

حتى أحد كبار مساعدي المرشد وهو علي لاريجاني الرئيس الأسبق للبرلمان اعتبر أن إصرار النظام على فرض معاييره الاجتماعية سيستدرج ردود فعل معاكسة. وبدا في تصريحه متفهما لدوافع النساء المشاركات المتظاهرات وقال أنه عند ملاحظة أن خمسين في المئة من النساء الإيرانيات لا يلتزمن بمعايير اللباس المفروض فمن الخطأ استخدام الشرطة الدينية لتغيير الواقع.

بوادر انقسام في النظام الإيراني بعد اشتداد الانتفاضة وترسخها

لكن الحكومة الإيرانية ومعها النظام والمرشد لا يريدون استيعاب ما تقوم به رياح التغيير في إيران ويصرون على أن ما يجري هو مؤامرة أجنبيه من أعداء إيران، ويواصل أنصار المرشد الدعوة لسحق الانتفاضة وبقسوة.

ومع تجديده الحديث عن تحريض عدائي خارجي للمحتجين اعترف خامنئي بوجود مشكلات خطيرة في البلاد وأقر بأن النخبة المتعلمة تواصل الهجرة. ومع ذلك لا يبدو أنه مستعد لتغيير نهجه بل يبدو وهو القائد الأعلى للحرس الثوري وكأنه أسير قيادتهم ويأتمر بإمرتهم. فالحرس الثوري الإيراني بات مسيطرا على كل شيء تقريبا في إيران وسقوط النظام يعني خسارة كل ما يملك. ومن هنا تحمس رئيس تحرير صحيفة كيهان الناطقة بلسان الحرس داعيا إلى رفض أي مفاوضات مع المحتجين ووصفهم بأنهم حفنة من المشاغبين والمرتزقة المجرمين.

أما في الشارع فقد زرع الحرس الثوري أكثر من خمسة آلاف عنصر بلباس مدني يقومون بضرب المحتجين والاعتداء عليهم. لكن الحرس بعد انكشاف هؤلاء انزل مجموعة أخرى مكونة من آلاف الشباب المدربين تحت مسمى الصابرين ومهمتهم إسكات المحتجين. لقد تم إنشاء الحرس الثوري أساسا لهدفين هما حماية النظام وتصدير الثورة. فأضحى الحرس الثوري الآن أكبر قوة عسكرية إيرانية مما دفع البعض للقول أن إيران لم تعد دولة ثيوقراطية يحكمها رجال الدين بل أصبحت دولة بوليسية يحكمها الحرس الثوري وما يهمه الآن أكثر من أي شيء مضى هو بقاء النظام حتى لو سقط مئات القتلى..

 

بوادر انقسام في النظام الإيراني بعد اشتداد الانتفاضة وترسخها

 

ومع تواصل الانتفاضة كيف سيتعامل العالم مع إيران؟  أشارت تسريبات بأن مستشاري الأمن القومي يرون أنه بات من الضروري على قادة الغرب التفكير في البديل. ويبدو الأمر وكأنه ترديد لصدى ما يجري تحضيره فعلا في أروقة الدول الغربية. وقد يكون هذا إلى جانب الحرب الأوكرانية ومشكلة تأمين النفط أحد أسباب انشغال الولايات المتحدة عن الاتفاق النووي الإيراني مما دفع المبعوث الأميركي بشأن إيران للقول أن الاتفاق لم يعد مطروحا على الأجندة الأمريكية.

استمرار الانتفاضة سيجعل الاتفاق في مهب الريح فعلا وقد ذكرت صحف إيرانية عديدة أن الاتفاق بات شيئا من الماضي وكأنها تريد تحضير مواطنيها بأن الاتفاق لن يتم ولن يعود إلى الحياة.