هل شعر العراقيون بوطنيتهم في عيدهم الوطني؟

عادة في الأعياد الوطنية تدخل الدول بكافة أجهزتها ووزاراتها حالة الانذار لتأمين الاحتفالات الرسمية والشعبية واستقبال الوفود الرسمية وإلقاء كلمة من قبل الهرم الأعلى في النظام الحاكم سواء كان نظاما ديمقراطيا أو دكتاتوريا أو ملكيا أو جمهوريا والخ… واصدار قرارات استثنائية مثل العفو العام أو زيادة رواتب الموظفين وخفض الضرائب ووضع خطة عمل استثنائية للعمل بها خلال السنوات المقبلة ،وترى الأسواق التجارية والمطاعم والمتنزهات مكتظة بالمتبضعين والزوار والسائحين الذين ترتفع أعدادهم بهذه المناسبة.

كل شيء في هذا اليوم يكون استثنائياً حتى الاحاسيس لأنه ببساطة يوما عظيما يتجدد فيه الولاء للوطن  لكن في العراق كان الوضع مختلفا تماما ،فقد مر يوم العيد الوطني العراقي مرور الكرام ،كان يوما باهتا بلا هوية ولم يكن يوجد شيء يثبت أن هناك عيداً سوى العطلة الرسمية التي أعلنتها الأمانة العامة لمجلس الوزراء وحتى العطل الرسمية لم تعد لها هيبة وأهمية في العراق لأنه لا يمر أسبوع على الدولة بدون الإعلان عن عطلة بسبب وبدون سبب! فلم نشهد احتفالات مركزية في العاصمة بغداد ولم تصل وفود رسمية من الدول لتهنئة العراق ولا احتفالات شعبية في الشوارع إلا ما ندر ،رئيسا الجمهورية والوزراء احتفلا في اقليم كردستان والسياسيون منشغلون بتشكيل الحكومة وتصفية الحسابات فيما بينهم واكتفى البعض منهم بالتهنئة على حساباتهم الرسمية في مواقع التواصل او عن طريق مكاتبهم الإعلامية، و مواطنون أبرياء يلفظون أنفاسهم الاخيرة تحت انقاض المبنى الطبي المنهار في منطقة الكرادة الذي يبدو أنه تم تشييده بالكارتون او الورق.

أما صواريخ ايران على العراق فلم تتوقف حتى خلال هذه المناسبة دون أي خجل أو خوف من ردة فعل الدولة التي في كل مرة تكتفي باستدعاء السفير الإيراني وتسلمه مذكرة احتجاج، لكن من سمح لبلده ان يتحول الى ساحة لتصفية الحسابات بين الدول المجاورة وأحزاب معارضة ومن لم يحمي حدوده على الرغم من صرف مليارات الدولارات على القوات الأمنية الرسمية وعتادها من الاعتداءات لا يحق له الاعتراض على انتهاك سيادته وكيف للحكومة أن تطالب الدول باحترام العراق إذا كانت بعض الأحزاب الحاكمة لا تحترمه ولم تفكر حتى بالدخول في هدنة احتراماً للعيد الوطني.

ففي محافظتي ذي قار والبصرة كانت الأجواء مشتعلة لكن ليس بسبب الاحتفال بهذا العيد وإنما بسبب اشتباكات اندلعت بين ميليشيات مسلحة تمتلك ترسانة عسكرية هائلة ولا تعترف بالقانون وتتصارع فيما بينها على النفوذ والسلطة،لكن من سخرية القدر أن المواجهات المسلحة اندلعت بالوقت الذي خرج القائد العام للقوات المسلحة للإعلام بتصريح قال فيه “كان البلد على حافة حرب أهلية وحاولنا احتواء اشتباكات المنطقة الخضراء التي اندلعت بين مناصري الإطار التنسيقي والتيار الصدري وقتل على إثرها عشرات الأشخاص”

لكن السؤال الحقيقي هل توحّد العراقيون في هذا العيد؟  

تم اختيار يوم الثالث من اكتوبر /تشرين الأول لعام 1932الذي وافقت فيه الجمعية العامة لعصبة الأمم في جنيف على انضمام دولة العراق لتكون أول دولة عربية تنضم لها كعضو مؤسس وويتحرر من الانتداب البريطاني ليكون عيدا وطنيا وبهذه اللحظة التأريخية “أصبح العراق حرا طليقاً سيد نفسه ولا شريك لنا إلا الله “هذا ما قاله الملك فيصل الأول أول ملوك العراق في العصر الحديث ،واستمرت الحكومات المتعاقبة على الاحتفال بهذا اليوم  لكن بعد تغير النظام الحاكم واحتلال العراق عام 2003 نشبت الخلافات بين مجلس الحكم حول هذه المناسبة ومن هنا بدأت تظهر ملامح ضياع الهوية الوطنية والتفكك الذي ما زال البلد يعيشه حتى الآن وبسبب مبدأ “فرق تسد” الذي اتبعته الولايات المتحدة الأمريكية عند احتلالها العراق عملت على تفكيك روابط المجتمع وتغذية الصراعات الطائفية والقبلية بين فئات الشعب الواحد على حساب هوية جامعة.

وهذا ما حصل بالفعل فلم تعد هناك مشتركات تجمع العراقيين لا في الأفراح ولا الأتراح وسارت الأحزاب الحاكمة على خطى الامريكان في تعزيز هذا الانقسام بدلا من أن تعمل على القضاء عليه،لأنها أدركت خطورة وحدة الجمهور على نفوذها خاصة في تظاهرات تشرين عام 2019 حيث انتفض الشعب على اختلاف دياناتهم وطوائفهم و هوياتهم ضدها ولذلك دأبت على اشاعة روح الفرقة والطائفية بحجة حماية الدين والمذهب من الأعداء لكن في الحقيقة هم اختلقوا عدوا وهميا لإشغال جماهيرهم المؤدلجة لكي لا يطالبوا بحقوقهم الطبيعية، ولذلك بعد كل هذا السرد أعتقد أنه لا يحق للنظام السياسي الحالي من الأساس الاحتفال بعيد وطني في بلد أصبح مواطنوه لا يشعرون بروح المواطنة.