“عنف الشريك الحميم” قتل وانتحار

“رجل يذبح زوجته.. زوجة تقتل زوجها.. سيّدة تقتل أطفالها وتحاول الانتحار.. شاب ينهي حياة زميلته بعد رفضها الارتباط به”.. أخبار تصدّرت وسائل الإعلام العربية مؤخرًا، لتكشف عن تنامي ظاهرة العنف الخطيرة التي تهدد بزعزعة استقرار المجتمع وانتشار جرائم القتل المروعة.

تلك الجرائم لا تحدث فجأة؛ بل تسبقها مقدمات تفضي إلى هذه النتيجة الكارثية، ومنها ما يسمى بـ”عنف الشريك الحميم” (Intimate Partner Violence)، وهو أحد أشكال العنف الأسري شيوعًا، ويُقصد به الإساءة أو العدوان الذي يحدث في أثناء علاقة عاطفية، سواء بين الأزواج أو المنفصلين، أو حتى بين شاب وفتاة قبل الزواج، كما حدث مؤخرًا مع الطالبة المصرية نيّرة أشرف التي قتلها زميلها محمد عادل أمام أسوار جامعة المنصورة، بعد رفضها الارتباط به وإخفاق محاولاته المتعددة لإرغامها على ذلك، وما وقع بعدها بأيام في الأردن، حيث قُتلت الطالبة الأردنية إيمان إرشيد رميًا بالرصاص في جامعة العلوم التطبيقية الخاصة شمال العاصمة عمان، على يد شاب رفضت الارتباط به، لكنه طاردها حتى داخل أسوار الجامعة.

ويشير مصطلح “الشريك الحميم” إلى الأزواج الحاليين والسابقين، أو حتى المرتبطين عاطفيًا، ويتضمن سلوكيات منها:

  • إيذاء الشريك عبر الضرب أو الركل أو استخدام نوع آخر من القوة البدنية.
  • العنف الجنسي هو إجبار الشريك على المشاركة في فعل جنسي أو حدث جنسي غير جسدي (على سبيل المثال إرسال محتوى جنسي) رغمًا عن الشريك.
  • المطاردة وهي نمط من الاهتمام المتكرر والاتصال غير المرغوب فيه من قبل الشريك الذي يسبب الخوف أو القلق على سلامته الشخصية أو سلامة شخص قريب من الضحية، وهو ما حدث في واقعتي طالبة المنصورة والطالبة الأردنية.

النساء في خطر

منظمة الصحة العالمية، رصدت تنامي ظاهرة “عنف الشريك الحميم” حول العالم، مشيرة إلى أنها تحدث في جميع الأماكن وبين المجموعات الاجتماعية والاقتصادية والدينية والثقافية المتنوعة، ولا يقتصر حدوثها على طبقة بعينها أو دول ومجتمعات محددة. وتتحمل النساء العبء العالمي الهائل لهذه الظاهرة، على النقيض من ذلك، من المرجح أن يتعرض الرجال لأعمال عنف من الغرباء أكثر من شخص قريب منهم.

وعلى الرغم من أن المرأة يمكن أن تكون عنيفة في العلاقات مع الرجل، لكن ذلك يحدث غالبًا في حالة الدفاع عن النفس.

دراسة أجرتها المنظمة على 24 ألف رجل وامرأة من 10 بلدان، كشفت أن هذه الظاهرة منتشرة في جميع البلدان المشاركة، ومن بين النساء اللواتي كن في شراكة حميمة، أفاد 13 – 61٪ بتعرضهن للعنف الجسدي من قبل الشريك، و4 – 49٪ بأنهن تعرضن لعنف جسدي شديد من قبل الشريك، كما أبلغ 6-59% عن تعرضهن للعنف الجنسي من قبل الشريك في مرحلة ما من حياتهم. وذكر 20-75٪ بأنهن تعرضن لفعل واحد مؤذٍ عاطفيًا أو أكثر من قبل الشريك.

وفي المجمل، تشير تقديرات المنظمة إلى أن واحدة من كل 3 نساء (30%) في أنحاء العالم تتعرض في حياتها للعنف البدني و/ أو العنف الجنسي على يد العشير أو غير الشريك.

ويمارس العشير هذا العنف في معظمه. وعلى الصعيد العالمي ككل، تفيد ثلث النساء تقريباً (27%) اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 سنة من المرتبطات بعلاقة جنسية بأنهن يتعرضن لشكل معين من أشكال العنف البدني و/ أو الجنسي على يد شركائهن.

وحسب المنظمة، يمكن أن يؤثر العنف سلبيًا على صحة المرأة البدنية والنفسية والجنسية وصحتها الإنجابية، ويتسبب في زيادة خطورة الإصابة بفيروس العوز المناعي البشري “الإيدز” في بعض الأماكن.

وتكشف الأرقام التي نشرتها المراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) حجم مشكلة “عنف الشريك الحميم” في دولة مثل الولايات المتحدة، إذ يتعرض حوالي واحدة من كل 4 نساء وما يقرب من 1 من كل 10 رجال للعنف الجنسي و/ أو العنف الجسدي و/ أو المطاردة من قبل شريك حميم خلال حياتهم، كما أن أكثر من 43 مليون امرأة و38 مليون رجل تعرضوا للعدوان النفسي من قبل الشريك الحميم في حياتهم.

ويبدأ هذا العنف مبكرًا، حيث أبلغ حوالي 11 مليون امرأة و5 ملايين رجل عن تعرضهم لعنف جنسي أو عنف جسدي أو مطاردة من قبل شريك حميم في حياتهم، وقالوا إنهم تعرضوا لأول مرة لهذه الأشكال من العنف قبل سن 18 عامًا.

مقدمة للانتحار

وبخلاف جرائم القتل، يرتبط “عنف الشريك الحميم” عادة بتعرض الضحية للإيذاء النفسي والبدني من الشريك، ووفق دراسات علمية، فإن “عنف الشريك الحميم” يرتبط بالعديد من الاضطرابات النفسية للضحايا، لكن هناك مشكلة أكبر تحذرنا منها دراسة حديثة نشرتها مجلة “لانسيت” للطب النفسي (The Lancet Psychiatry) ذائعة الصيت، وهي أن الضحية لا تتعرض للضرب والقتل فقط، بل يمكن أيضًا أن تؤذي نفسها، وقد يصل الأمر إلى إقدامها على الانتحار. نتائج هذه الدراسة تعتبر بمثابة جرس إنذار قبل وقوع المحظور.

هذه الدراسة هي الأولى، حسب الفريق، التي تُظهر أن “عنف الشريك الحميم” يرتبط ارتباطًا وثيقًا بإيذاء النفس والانتحار لدى كل من الرجال والنساء، وعبر جميع الأعمار في إنجلترا.

وبقيادة مركز العنف والمجتمع في جامعة لندن، بالتعاون مع جامعات مانشستر وليستر وكوليدج لندن، وبريستول، كانت الدراسة تحليلاً لنتائج مسح الأمراض النفسية للبالغين الذي أجرى مع أكثر من 7000 بالغ.

وفي مقابلات أجريت وجها لوجه، سُئل المشاركون في الدراسة عن تجربة العنف الجسدي والاعتداء الجنسي والاقتصادي والعاطفي من شريك حالي أو سابق، وعن الأفكار الانتحارية ومحاولات الانتحار وإيذاء النفس.

ووجدت الدراسة أن 27% من النساء و15% من الرجال قد عانوا من “عنف الشريك الحميم” في مرحلة ما من حياتهم؛ ما يؤكد أن النساء أكثر عرضة بكثير من الرجال لتجربة العنف من الشريك.

الفريق رصد معدلات مرتفعة بشكل خاص من إيذاء النفس، والأفكار الانتحارية، ومحاولات الانتحار لدى أولئك الذين تعرضوا في أي وقت للعنف الجنسي والعاطفي، وأولئك الذين عانوا من إصابة جسدية من جراء “عنف الشريك الحميم”؛ ما يشير إلى أنه كلما زادت أنواع “عنف الشريك الحميم” التي يتعرض لها الشخص، تعاظمت مخاطر إقدامه على إيذاء النفس والانتحار.

طرق للمواجهة

تواصلت مع سالي مكمانوس، كبيرة المحاضرين في الصحة في مركز العنف والمجتمع بكلية العلوم الصحية في جامعة لندن البريطانية، والمؤلفة الأولى للدراسة، للكشف عن تفاصيل هذه الورقة العلمية المُهمة، والتي ربما تلهمنا للبحث في تداعيات هذه الظاهرة وسبل مواجهتها.

“كمانوس” لها باع طويل في رصد تأثيرات ظواهر كتلك على المجتمع، فقد عملت لأكثر من 20 عامًا في إدارة وتحليل البيانات من استطلاعات الرأي السكانية في المملكة المتحدة.

وفي حديثها معي، قالت “مكمانوس” إن الاستطلاع الذي أجراه الفريق للمشاركين في الدراسة يختلف عن غيره من حيث أنه تضمن تقييمات أكثر دقة وتفصيلاً للصحة العقلية للأفراد وأسئلة حول الانتحار وإيذاء الذات، لأنه سأل عن العديد من جوانب التجارب التي يعيشها الناس. كما أن الزيارات التي كان عناوين المنازل التي زارها الفريق تم اختيارها عشوائيًا من جميع الأسر، وشملت جميع المستويات المعيشية في البلد، وتضمنت رجالاً ونساءً، كبارًا وصغارًا ومرضى وأشخاصًا بصحة جيدة، كما شملت الناس الذين يعيشون في الأحياء الغنية والفقيرة على حد سواء. عينة مثل هذه تسمح لنا بالنظر في الانتشار ومقارنة أولئك الذين لديهم تجارب معينة مع من لم يتعرضوا لهذه التجارب.

ولكي يأخذ الأشخاص مساحتهم في الرد بحرية، تقول “مكمانوس” إنه أثناء إجراء المقابلة في منازل الأشخاص، تم طرح العديد الأسئلة، وكانت هناك أسئلة أخرى يمكن للمشاركين إعطاء ردودهم عليها بخصوصية وسرية، مع مساعدة المحاور عند الحاجة فقط. سألنا عن العديد من جوانب الشدائد -سواء حول ما إذا كان الشريك الحالي أو السابق قد استخدم العنف ضدهم- ولكن أيضًا عن مجموعة من التجارب السلبية الأخرى مثل الديون والفجيعة وفقدان الوظيفة والمرض الجسدي والتشرد وأشياء أخرى. استخدمنا هذه المعلومات للمساعدة في ضمان أنه عندما نفحص الروابط بين عنف الشريك وضعف الصحة العقلية، يمكننا أن نأخذ في الاعتبار تأثير بعض هذه التجارب السلبية الأخرى، وأن نكون واثقين من أننا كنا نبحث في عواقب الصحة العقلية الناجمة عن العنف.

وعن أبرز النتائج، أشارت في حديثها إلى أن الورقة سلطت الضوء على عدد من النتائج الرئيسية. وجدنا أن عنف الشريك الحميم منتشر على نطاق واسع في إنجلترا، فقد عانى خُمس البالغين من ذلك في مرحلة ما من حياتهم، غالبًا في شكل من أشكال الإساءة الجسدية أو العاطفية، ولكن هذا قد يأخذ أيضًا شكل (أقل شيوعًا) من الإساءة الاقتصادية (حيث يتحكم شريك شخص ما في وصوله إلى الموارد المالية بطريقة تضر به) أو الاعتداء الجنسي. هناك تدرج اجتماعي، حيث أن الأشخاص في الأحياء الفقيرة أو الذين يعيشون في منازل مستأجرة بدلاً من منازلهم الخاصة، كانوا أكثر عرضة للعنف. هناك أسباب عديدة لهذا. إذا كان لديك موارد أقل، فقد تكون أقل قدرة على الهروب من المواقف العنيفة. لكن الفرار أيضًا من العنف يمكن أن يؤدي إلى تقليل الموارد.

“مكمانوس” لاحظت بشكل واضح للغاية، وفق النتائج، أن النساء كُنّ على الأرجح ضحايا أكثر بكثير من الرجال. كانت الفجوة بين الجنسين واسعة بشكل خاص بالنسبة للعنف الجنسي، حيث كان احتمال تعرض النساء لهذا العنف أكثر بـ10 مرات من الرجال. ومع ذلك، أبلغ الرجال عن جميع أنواع العنف.

وعن أخطر نتيجة توصلوا لها، قالت إن بين الضحايا من الذكور والإناث على حد سواء، كانت تجربة العنف مرتبطة بقوة بمحاولة الانتحار، وكذلك مع إيذاء النفس ووجود أفكار انتحارية، وظل هذا الارتباط حتى عندما تم تعديل التجارب الأخرى.

واعتبرت أن النتائج ذات صلة كبيرة بالمجتمعات، وقد لا تعكس الواقع في إنجلترا فقط ولكن في جميع أنحاء العالم. عندما يحضر الأشخاص إلى طبيب الأسرة أو مستشفى في ضائقة انتحارية، ربما يكونون قد أضروا أنفسهم ويبحثون عن علاج جسدي أو أنهم معرضون لخطر القيام بذلك ويحتاجون إلى دعم الصحة العقلية، يجب أن يُدرك مقدمو الخدمات أن هؤلاء الأشخاص يعانون من ارتفاع احتمالية التعرض للعنف في المنزل أو من الشريك الحالي أو من الإساءة المستمرة من الشريك السابق.

ولمواجهة ذلك وكيفية التعامل مع تلك الحالات، لا يكفي أن يكون مقدمو الخدمة على دراية بهذا الأمر وأن يسألوا عن ذلك فحسب؛ بل يجب أن تكون هناك خدمات الدعم المتاحة للضحايا ليتم إحالة الضحايا إليها. تعاني خدمات دعم ضحايا العنف المنزلي حاليًا من نقص كبير في التمويل في المملكة المتحدة، وأظن في أماكن أخرى أيضًا. تريد حكومة المملكة المتحدة تقليل معدلات إيذاء النفس والانتحار. ولكن من أجل تحقيق ذلك، نحتاج إلى ضمان تحديد أفضل لضحايا العنف وتحسين توافر خدمات الدعم ليتم إحالتهم إليها عند الحاجة. هناك حاجة لأن يكون العنف المنزلي جزءًا من الاستراتيجيات الوطنية لمنع الانتحار، فضلاً عن كونه جزءًا من تخطيط السلامة على المستوى الفردي، وفق “مكمانوس”.

لماذا تحدث هذه الظاهرة؟

قبل علاج أي مشكلة، لابد من البحث عن مسبباتها. وحسب الدراسات، فإن الفقر من مسببات “عنف الشريك الحميم”؛ إذ يزيد من المخاطر، ويستخدم العنف كاستراتيجية في الصراع الذي يحدث بين الشريكين، وخاصة في المجتمعات التي تحدث فيها صراعات حول الشؤون المالية والغيرة وانتهاكات دور المرأة، والهيمنة الذكوري. كما أن الإفراط في تناول الكحوليات يزيد من مخاطر العنف.

وتتمتع النساء الأكثر تمكينًا تربويًا واقتصاديًا واجتماعيًا بالحماية الأكبر، في المقابل، يكون خطر العنف أكبر على النساء، في المجتمعات التي يكون فيها استخدام العنف في العديد من المواقف معيارًا مقبولًا اجتماعيًا، لذلك يجب أن تركز التدخلات الوقائية الأولية على تحسين وضع المرأة وتقليل معايير العنف والفقر واستهلاك الكحول.

فيما قسّمت (CBC) عوامل الخطر إلى 3 فروع هي:

عوامل الخطر الفردية وأبرزها:

  1. تدني احترام الذات
  2. انخفاض التعليم أو الدخل
  3. الشباب العدواني أو المنحرف في سن الشباب
  4. تعاطي الكحول والمخدرات
  5. الغضب والعداء
  6. ضعف السيطرة السلوكية والاندفاع
  7. تاريخ من التعرض للإساءة الجسدية
  8. ضغوط اقتصادية (مثل البطالة)
  9. الرغبة في السلطة والسيطرة في العلاقات
  10. العداء تجاه المرأة

عوامل أثناء العلاقة أبرزها:

  1. صراعات العلاقات بما في ذلك الغيرة أو التملك أو التوتر أو الطلاق أو الانفصال
  2. هيمنة العلاقة والتحكم فيها من قبل أحد الشريكين على الآخر
  3. مشاهدة العنف بين الوالدين عند الصغر

عوامل مجتمعية أبرزها:

  1. ارتفاع معدلات الفقر ومحدودية الفرص التعليمية والاقتصادية
  2. ارتفاع معدلات البطالة
  3. زيادة معدلات العنف والجريمة والمخدرات والكحول

وفي الختام، فإن تفاقم هذه الظاهرة عالميا وتوالي الجرائم يحتاج بالطبع تكاتف كل الجهود لوقف هذا العنف، حكومات وأفراد، فهذه الظاهرة تهدد حياة البشر، كما تهدد سلامة قوتهم العقلية.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولاتعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن