الكنيست يعلن حل نفسه والاستعداد لانتخابات مبكرة

  • الانتخابات المقبلة هي الخامسة في ثلاث سنوات ونصف
  • خسر بنيامين نتانياهو الانتخابات الماضية

كان غريبا في ظل ظروف إقليمية ودولية غاية في الصعوبة والتعقيد والتشابك وإسرائيل وسط ذلك كله أن يعلن الكنيست الإسرائيلي بناء على طلب من الحكومة عن حل نفسه والاستعداد لانتخابات مبكرة في أكتوبر أو نوفمبر القادمين وتحول الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال.

فهل يمكن تفادي الانتخابات المبكرة وهي الخامسة في ثلاث سنوات ونصف؟ يود كثير من السياسيين لو أن بإمكانهم تفادي الانتخابات وبقاء الحكومة مدة أطول. والسبب ليس حبا بحكومة رئيس الوزراء نفتالي بينيت بل خشية من عودة بنيامين نتانياهو الذي كان خلال الساعة الأولى من إعلان حل الكنيست يعلن أنه سيترشح للعودة إلى حلبة السياسة وتشكيل حكومة جديدة.

المعركة الانتخابية القادمة ستكون معركة كسر عظم بين زعيم الليكود بنيامين نتانياهو ووزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال يائير لابيد زعيم حزب (يش عتيد) وتعني بالعبرية (هناك مستقبل) وهو حزب أسسه لابيد عام 2012 لتمثيل الطبقة الوسطى العلمانية بعيدا عن المتدينين. ويركز بشكل أساسي على القضايا المدنية والاجتماعية والاقتصادية. ولأنه حزب علماني وسيكون الخصم الرئيسي لحزب الليكود بزعامة بنيامين نتانياهو فقد لجأ بنيامين نتانياهو نفسه إلى التلاعب بالعواطف الدينية مع أنه من غير المعروف عنه تدينه على الإطلاق.

وجد بنيامين نتانياهو نفسه يتحدث عن الشخصية اليهودية ويهيء نفسه لقيادة ما يمكن تسميته بالجمع المؤمن في مواجهة العلمانيين استدراجا للناخبين البسطاء المتدينين الذي يحتاج اليهم لدعم تكتله في الكنيست في حال أنه حقق فوزا انتخابيا. واتهم نتانياهو حكومة نفتالي بينيت بأنها كانت تهدد الشخصية اليهودية لاعتمادها على من اسماهم بمؤيدي الإرهاب. لذلك يرى نتانياهو أن عودته إلى الحكم ستكون لحماية الشخصية اليهودية للدولة مع أن خصومه يرون في هذا شعارا فارغا من أي مضمون في السياسة الإسرائيلية.

مشكلة بنيامين نتانياهو الحالية أنه يفتقد الأنصار الحقيقيين أو الشركاء السياسيين الذين يمكنهم دعمه وتأييده. لكنه يتفوق على خصمه بما يملك من دهاء وقدرة خطابية واستعداد لتغيير روايته وشعاراته لكل مرحلة من مراحل حياته السياسية. في ا لمرحلة الأولى كان يهاجم اتفاقات أوسلو وفي الثانية هاجم المشروع النووي الإيراني ثم اشتغل على مسالة الشؤون الاجتماعية ومساعدة الفقراء والان هو يستعد لمهاجنة النظام القضائي والمجتمع العربي في إسرائيل.

مشكلة بنيامين نتانياهو الحالية أنه يفتقد الأنصار الحقيقيين أو الشركاء السياسيي

أما بالنسبة لخصومه فإن بنيامين نتانياهو سيكون هو موضوع الحملة الانتخابية. سيعمل خصومه على هزيمته بأي ثمن فهم لا يريدون رؤيته رئيسا للحكومة من جديد.بطبيعة الحال لو انعقدت الانتخابات اليوم فلن يتمكن نتانياهو من الفوز لكن حتى شهر أكتوبر ومع حملة انتخابية منظمة ومكلفة قد تتغير المواقف ولا يمكن معرفة نتائج التصويت قبل الاقتراع.

تفترض استطلاعات الرأي العام أن بنيامين نتانياهو لن يستطيع بسهولة تشكيل ائتلاف برلماني يمكنه من تاليف حكومة يصفها من اليوم أنها ستكون حكومة وطنية ومستقرة وقوية. وترى الاستطلاعات أن الليكود بزعامة نتانياهو لن يفوز بأكثر من خمسة وثلاثين مقعدا بينما سيفوز حزب يش عتيد بزعامة يائير لابيد بعشرين أو اثنين وعشرين مقعدا. وباقي الأحزاب سيكون نصيب الواحد منها ما بين أربعة مقاعد إلى تسعة. ستكون مهمة صعبة للغاية على بنيامين نتانياهو لأن عليه الحصول على دعم ستة وعشرين نائبا على الأقل لكي يتمكن من تشكيل ائتلاف حكومي في الحد الأدنى من النواب.

كانت حكومة نفتالي بينيت فاشلة بكل المقاييس لكن عندما يأتي اتهامها بالفشل على لسان بنيامين نتانياهو فهذا يشكل تحديا يستدعي ردا حاسما من معسكر بينيت الذي رفض الاتهامات وقال أن أي فشل عانت منه حكومة بينيت كان بسبب السياسات التي رسخها نتانياهو في حكوماته السابقة.

خسر بنيامين نتانياهو الانتخابات الماضية لكن قاعدته الانتخابية لم تتخل عنه ولذلك يمكن أن نراه رئيسا للوزراء في إسرائيل مجددا. أما إذا لم يفز وتشكلت حكومة من دونه فإنه لن يستطيع العودة إلى الحكومة نهائيا وسيكون من الأفضل له اعتزال العمل السياسي. أما إذا استطاع العودة فإن حكومة بينيت تكون كأنها لم تفعل شيئا.

انتخابات الكنيست المبكرة وأزمة القيادة في إسرائيل

يائير لابيد مع نفتالي بينيت حيث يجلسان في قاعة الكنيست

ساهم نتانياهو في إسقاط حكومة بينيت عندما رفض التصويت على قانون تمديد سريان قانون المستعمرات ووعد أنصاره بأنه سيقوم بتمرير القانون في الكنيست القادمة.

حملة الانتخابات المقبلة ستكون حملة عاصفة وساخنة وسباق محموم وغير مسبوق بين رجلين كلاهما يعرف كيف يتحدث مع الجمهور وكيف يروي حكايته وكيف ينقذ نفسه من السقوط. سيظهر نتانياهو ولابيد وكأن كلا منهما يحاول إنقاذ إسرائيل من الدمار. لكن ما لم يستطع أي طرف منهما تحقيق أغلبية برلمانية فإن الحكومة القادمة ستكون مثل الحكومة السابقة ولن تعمر طويلا.

أخفق بينيت لأنه لم يكن يملك رؤيا سياسية وكانت تنقصه رواية يلتف الناس حولها ويؤمنون بها. كما لم يكن يملك خطة واضحة فوصل إلى رئاسة الحكومة وعندما وصل لم يكن يعرف ماذا يفعل بعد ذلك فكانت حكومته الأكثر فشلا في تاريخ حكومات إسرائيل.

ستكون الانتخابات القادمة صراعا سياسيا بين بنيامين نتانياهو ويائير لابيد

ستكون الانتخابات القادمة صراعا سياسيا بين بنيامين نتانياهو ويائير لابيد وستكون أشبه ما يكون بمباراة ملاكمة دموية يحاول فيها بنيامين نتانياهو أن يكسب بالضربة القاضية. فهل يكون لابيد على قدر التحدي في مواجهة بنيامين نتانياهو فضلا عن القدرة على هزيمته؟ سيقوم لابيد بوصف خصمه بأنه رجل اليمين ودمية بيد أعضاء الكنيست العنصريين. أما نتانياهو فيصف خصمه بأنه صنيعة الناخبين العرب.

من الواضح أن إسرائيل تعيش ظروفا غير طبيعية وفي ساحتها السياسية تعم الفوضى التي تشجع الأحزاب اليمينية على الانخراط في العمل السياسي بهدف الحصول على مكاسب من أي نوع. أما الأحزاب العربية فهي في حالة انقسام مثلما كانت في معظم الأوقات. وبحسب استطلاعات الرأي فالقائمة العربية الموحدة التي شاركت في حكومة بينت بزعامة منصور عباس لن تستطيع الفوز بأكثر من خمسة أو ستة مقاعد بينما سيكون نصيب القائمة العربية المشتركة بزعامة ايمن عودة الفوز بأربعة مقاعد فقط. والصراع بين القائمتين سيحد من إمكانية تحقيق أي مكاسب تكون ذات نفع للمجتمع العربي في إسرائيل.

لو يتمكن الناخبون العرب من توحيد جهودهم في قائمة واحدة وتعزيز عملية التصويت بتنسيق مناسب فيمكن للناخبين العرب أن يوصلوا إلى الكنيست ما يقرب من 22 نائبا عربيا على الأقل.
ستكون أسابيع صعبة وقاسية قبل الوصول إلى موعد الانتخابات. قد تتغير الكثير من المعطيات وخصوصا المعطيات الإقليمية. والمنطقة لا تعيش أفضل أيامها فالتوتر يعم كافة الأرجاء. أزمة حقول الغاز مع لبنان لم تم حلها والتهديدات المتبادلة بين إسرائيل وإيران متواصلة والحالة الاقتصادية داخل إسرائيل ليست مستقرة تماما.

جاء حل الكنيست والدعوة إلى انتخابات مبكرة في وقت غير مناسب تفتقد فيه إسرائيل القيادة الوازنة التي تملأها شخصيات من القادة التاريخيين أصحاب الحكمة والقول الفصل والرؤية الواضحة. فالقادة الجدد في إسرائيل أشبه ما يكونوا بمدراء تنفيذيين لا يملكون رؤيا عميقة ولا تصورات حكيمة للمستقبل والمناصب بالنسبة لهم مجرد مقامرة ومكاسب آنية ومصالح حزبية وانتصارات شخصية.

 

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن