بوتين والتدخل في أوكرانيا

وعدت واشنطن أن ترد خطيا على تساؤلات موسكو وأهم تلك التساؤلات تتعلق بأبعاد الوجود العسكري الأطلسي والأمريكي في أوروبا الشرقية ومسألة ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو، يأتي هذا التطور الجديد بعد الاجتماع العاجل الذي عقده وزيرا خارجية البلدين في جنيف يوم الجمعة.

برغم الوصف الإيجابي للمحادثات وجه الوزير الأمريكي تحذيرا برد غربي قاس وسريع ضد أي محاولة روسية لما أسماه العدوان على أوكرانيا.

أما المطالب الروسية التي سترد عليها واشنطن فقد وصفها الوزير الأمريكي بأنها بداية غير موفقة لكنه وعد بأن الرد عليها سيكون خطيا دون التعهد بأنه سيكون متوافقا مع رغبات موسكو.

قدمت روسيا مجموعة مطالب كان أولها امتناع حلف الناتو عن دعوة أوكرانيا للانضمام إلى الحلف وعدم قبولها إن هي طلبت ذلك.

ووقف توسع الناتو شرقا وسحب قوات الحلف من دول الكتلة السوفياتية السابقة وسحب الأسلحة النووية من أوروبا الشرقية.

تنتظر روسيا الرد الأمريكي المكتوب على أسئلتها ولكن في حال وافقت واشنطن على عدم ضم أوكرانيا للناتو فهذه الموافقة سيتبعها طلب تعهد روسي علني بعدم غزو أوكرانيا وعدم دعم المتمردين في شرقي أوكرانيا.

وقد يضاف إلى ذلك مطالب أخرى تتعلق بنشاط روسيا في سوريا وعلاقاتها مع إيران.

كانت الإشارات مختلفة من البيت الأبيض والاستخبارات والخارجية تقابلها من موسكو إشارات قد تبدو متضاربة أيضا أو متناقضة، ومع أنها غير واضحة إلا أنها تترك الباب مفتوحا أمام الدبلوماسية. وبينما تواصل روسيا إرسال المزيد من الحشود العسكرية إلى حدود أوكرانيا يقول مسؤولون روس أن موسكو لا تفكر أبدا بغزو أوكرانيا.

لا بد أن الرئيس بوتين تابع بحرص وانتباه المؤتمر الصحفي للرئيس الأمريكي الذي بدا فيه واثقا بأن الرئيس الروسي سيعطي الأمر بغزو أوكرانيا قائلا إنه سيندم على ذلك وستدفع روسيا ثمنا باهظا لهذه المغامرة.

من المؤكد أن روسيا تلعب بجميع الأوراق المتاحة لها بينما واشنطن تخشى التهديد العسكري المباشر الذي قد يكون وحده القادر على ردع موسكو عن أي مغامرة عسكرية في أوكرانيا.

ربما لم يحن الوقت للولايات المتحدة أن تهدد برد عسكري مباشر فالأمر ليس سهلا لكن وصف الرد بأنه سيكون كارثيا ويولد الندم في موسكو يفتح الباب لكثير من التكهنات.

لكن الرئيس الأمريكي قد يغير موقفه إذ كشفت الصحافة الأمريكية عن أنه قد يتخلى عن ضبط النفس الذي مارسه منذ بداية الأزمة ويطلب إرسال قوات من حلف الناتو إلى البلطيق وربما إلى أوكرانيا نفسها وقد يتبع ذلك بقوات أمريكية.

فهل هذا مجرد تهديد؟ لا بد أن الخبراء العسكريين الذين نصحوا الرئيس بهذا الخيار يدركون أن حشد القوات يعني احتمال اندلاع صراع مسلح ينتج عنه خسائر مادية وإنسانية وقد يتطور إلى مدى لا يمكن الوقوف عنده أو توقيفه.

فما الذي يدفع الرئيس الأمريكي إلى هذا الخيار؟ هل بات متأكدا بأن روسيا ستقوم بغزو أراضي أوكرانيا فعلا؟

يحتاج الرئيس الأمريكي دعما أوروبيا لموقفه في الوقت الذي يبدو فيه الموقف الأوروبي منقسما إزاء ما يجب فعله تجاه التهديد الروسي.

لكن الرئيس بايدن في مؤتمره الصحفي يوم الأربعاء الماضي أثار انزعاج الأوروبيين عندما تحدث عن احتمال (توغل روسي طفيف في أوكرانيا) الأمر الذي اضطره للعودة في مناسبة حزبية بعد يومين للحديث عن احتمال (غزو روسي لأراضي أوكرانيا).

وحاول بايدن التأكيد على أنه كان واضحا تماما مع بوتين الذي استوعب الموقف واستوعب التفسير الأمريكي بأن أي توغل مهما كان سيعني غزوا وستتم مواجهته برد قاس واذا ما اختارت موسكو غزوا شاملا فستدفع ثمنا غاليا.

من الواضح أن طبيعة التحرك الروسي هي التي ستحدد طبيعة الرد الأمريكي. وما تريده الولايات المتحدة والغرب الآن هو منع الغزو وإلا فالعقاب كارثيا على روسيا. ويرى المحللون أن عملية مباشرة ضد أراضي أوكرانيا سيكلف موسكو الكثير من الدماء والخراب الاقتصادي والهزيمة السياسية.

هل يتراجع بوتين أمام الضغوط الأمريكية والغربية؟ لا يبدو مثل هذا التراجع ممكنا الآن. بل إن الرئيس الروسي يقوم بحشد الدعم لمواقفه.

ليس بالضرورة مساعدته في أي عملية عسكرية ولكن الدعم المعنوي بات ضروريا له.

من هنا جاء استقباله وترحيبه بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في الكرملين، فالرئيسان الآن بحاجة لدعم بعضهما البعض.

الرئيس الإيراني يريد دعما روسيا في مفاوضات الاتفاق النووي والرئيس الروسي يريد أن يظهر للغرب أن له حلفاء. بهذا يمكن تفسير توقيت المناورات البحرية الروسية الإيرانية الصينية في المحيط الهندي التي بدأت يوم الجمعة الماضي، فالقاسم المشترك بين الدول الثلاث الآن هو الموقف من واشنطن.

يحاول الخبراء والمحللون قراءة أفكار بوتين ومعرفة ما الذي يفكر فيه حقا. هل يظن أن الولايات المتحدة ستقبل “بتوغل محدود” كما المح بايدن في مؤتمره الصحفي؟  هناك شكوك بأن كل ما يفعله الرئيس بوتين هو مجرد اختبار لردود الفعل الأمريكية ومعرفة ما إذا كان الغرب سيدافع فعلا عن أوكرانيا.

وهناك شكوك بخصوص نوايا بوتين الحقيقية فهل ينوي فعلا استخدام القوة لمنع أوكرانيا من الانضمام لحلف الناتو؟ أي أنه سيصدر أوامره للجيش الروسي المحتشد على الحدود لغزو أوكرانيا واحتلال مناطقها الشرقية حيث يسيطر متمردون مدعومون من موسكو؟ وهو إن فعل فلن يجعل القوات الروسية تتوغل أبعد من تلك المناطق.

لكن مع استمرار الضغط الأمريكي والغربي على روسيا والتهديد بالرد القاسي والكارثي هل التراجع الروسي ممكن؟ واشنطن ترى أن بوتين سيواصل ما نوى القيام به. وإذا ما أعاد بوتين حساباته وقرر التراجع عن الغزو العسكري الشامل فلن يكون هذا التراجع على شكل إعلان استسلام وهزيمة.

فأي تراجع يقوم به سيدمر صورته ويضعف موقفه ويصبح مثار سخرية عند شعبه وعند خصومه.

وإذا لم تقم القوات الروسية بالغزو المباشر فقد تعمل موسكو على خلق اضطرابات داخلية وتقوم بهجمات سبرانية لتعطيل أنظمة أوكرانيا الإلكترونية.

وقد تضاعف دعمها للمتمردين وتُبقي على الحشود العسكرية عند الحدود كنوع من الردع والتخويف، وقد تدبر انقلابا مؤيدا لها يغير كل التفاصيل.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع “أخبار الآن” تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع “أخبار الآن”.