في ظل ما تعيشه إيران الآن فإن الرئيس الإيراني حسن روحاني مضطر للقتال على أكثر من جبهة.

في الشهرين الأخيرين من ولايته الثانية يجد الرئيس روحاني نفسه في مرمى النيران المعادية والصديقة، وهو يسعى وإن لم يعلن ذلك لدعم مرشحي تياره الإصلاحي في انتخابات الرئاسة القادمة في منتصف شهر يونيو القادم وهذه هي الجبهة الأولى.

ولأجل الانتصار في هذه الجبهة يقدم كل جهد ممكن للوصول إلى اتفاق مرض مع الولايات المتحدة يعيد طهران وواشنطن إلى الاتفاق النووي وبهذا يكسب الاتفاق ويحقق نصرا يخدم تياره في الانتخابات المقبلة.

الجبهة الثالثة وهي الأكثر سخونة هي جبهته في مواجهة تيار المحافظين الذين يجهدون لأجل أن يسقطوا التيار الإصلاحي وأن يسقطوا معه الرئيس روحاني.

وهذه الجبهة المحتدمة ميدانها الأكثر وضوحا هو الإعلام الإيراني الذي يكاد يكون بالكامل خاضعا لسيطرة المحافظين من خلال سيطرة مكتب المرشد على معظم وسائل الإعلام الرسمية والأهلية وخصوصا التلفزيون الإيراني بكل قنواته وكل لغاته.

ولأنهم يخضعون تماما لتعليمات المرشد، خفض المحافظون منذ الأسبوع الماضي فقط لهجتهم المعادية للاتفاق النووي في تعليقاتهم وأخذوا يتوقفون عن انتقاد الرئيس في مسعاه لأجل العودة إليه.

وهذا الموقف نجم عن خطاب المرشد الأخير الذي كانت لهجته مخففة ضد الاتفاق وفيها دعم واضح لمحادثات فيينا لاستعادة الاتفاق النووي.

في النشرة الصادرة عن مكتب المرشد وتحت عنوان الكلمة الأخيرة أبرزت النشرة قول خامنئي بضرورة عدم وجود تناقضات في مواقف المسؤولين الإيرانيين تجاه الاتفاق.

ولأنهم يصدعون لأوامر وتعليمات المرشد خفض كثيرون من لهجتهم المعادية للرئيس روحاني بما فيهم رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف وكذلك الأجهزة الإعلامية الرسمية.

ولكن عندما يواجه الرئيس الذي يقود فريقه المفاوضات مع الولايات المتحدة إعلاما وطنيا معاديا له فهذا يؤدي إلى الإحباط والضعف وبالتالي الخسران والفشل ومن ثم الشعور بالهزيمة قبل الهزيمة.

فقد كانت مفاجأة كبيرة للرئيس روحاني أنه في الوقت الذي كانت فيه محادثات فيينا تسير سيرا حسنا بث التلفزيون الإيراني الرسمي الذي يديره المحافظون فيلما وثائقيا مثيرا للجدل يتضمن معارضة شديدة للاتفاق النووي مع الغرب ويظهر موقفا إيرانيا معاديا لم يعد موجودا الآن.

الفيلم الوثائقي المعادي للاتفاق كان قد أنتج قبل عدة سنوات عندما كان الموقف الرسمي مختلفا لكنه الآن عفا عليه الزمن الأمر الذي دعا الرئيس للقول في اجتماع مجلس الوزراء أن هؤلاء ويقصد المحافظين يكشفون عن طبيعتهم الحقيقية من خلال بث هذه الأفلام القديمة.

وقد كان ذلك الفيلم الوثائقي ضمن سلسلة أفلام أنتجها الحرس الثوري؛ والمعنى الوحيد لبثها في الوقت الذي كانت فيه إدارة الرئيس روحاني منخرطة في محادثات تكاد تكون مصيرية هو أن هؤلاء يريدون إفشال الجهود الرسمية وتسجيل مواقف تكسبهم الشعبية اللازمة للفوز بكرسي الرئاسة.

كذلك تعرضت سلسلة تلك الأفلام الوثائقية المعادية للاتفاق إلى وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي كتب على صفحاته في السوشال ميديا ردا مطولا على تلك الأفلام ودافع في رده عن الرئيس وإدارته وسياسته.

كذلك فإن التلفزيون الإيراني الناطق باللغة الإنجليزية (برس تي في) دأب منذ أكثر من أسبوعين تقريبا على إذاعة تقارير تتضمن تصريحات ينسبها إلى “مصادر مطلعة” تصور محادثات فيينا بصورة مهينة وفيها قدر كبير من الاستخفاف.

فما الذي تريده هذه القناة في تصويرها للمحادثات وكأنها إملاءات أمريكية على إدارة الرئيس روحاني؟ بحسب بعض الجهات المتعاطفة مع الرئيس فقد رفضت هذه القناة بث تصريحات رئيس وفد التفاوض الذي حاول فيها تفنيد ما تقوله هذه القناة.

يتحمل الرئيس روحاني الكثير من ضغوطات التيار المحافظ، وفي الوقت الذي يسعى فيه الرئيس لكسب الجمهور إلى جانب فكرة العودة إلى الاتفاق النووي فإن هدف ذلك الفيلم الوثائقي كان التحريض ضد الاتفاق وضد الرئيس.

وهذا ما دعا الرئيس الإيراني للحديث في اجتماع مجلس الوزراء للرد على معارضي الاتفاق من المتشددين بالقول إنهم يعرضون أفلاما قديمة صنعوها قبل سنوات يقصدون من بثها إفشال المحادثات.

وشدد روحاني في انتقاد معارضي الاتفاق بالقول إنهم ثوار متحمسون مهمتهم الوحيدة هي إهانة الحكومة.

لقد ظل روحاني يشكو من هؤلاء ويصف الحكومة بأنها أشبه بمن قيدت يداه ورجلاه وقيل له يجب أن يفوز في السباق.

وجبهة الإعلام التي تهاجم الرئيس ووزير خارجيته جبهة متماسكة فهي مدعومة من المرشد ومن الحرس.

ويزيدها قوة وجرأة أن فترة ولاية الرئيس في أيامها الأخيرة ومن الواضح أن الرئيس لا يريد أن يقحم نفسه في مزيد من الصراعات التي لن تكسبه شيئا ويفضل التركيز على جبهة الاتفاق النووي ومن هناك وفي حال تحقيق نتائج كما يريد يمكنه التحول إلى جبهات أخرى.

من المعروف أن من يسيطر على الإعلام الرسمي هم رجال المرشد وأعوانه.

ومع أن هناك بعض الصحف المقربة من الرئيس والداعمة له إلا أنها على ما يبدو لا ترغب في مهاجمة رجال المرشد أو التصدي لهم بصورة مباشرة.

وربما أنها تستشعر الضعف من ضعف الرئيس وإدارته خصوصا وأن هذه الإدارة تعد الأيام لحزم حقائبها ومغادرة الرئاسة.

يعاني الرئيس روحاني أيضا من جبهة كورونا التي تفتك بالإيرانيين فإجراء حكومته تعرضت لانتقادات قاسية دفعته لمطالبة النيابة العامة بملاحقة منتقديه، ومنتقدوه ليس فقط في ميدان الإعلام بل في البرلمان أيضا.

فالبرلمان لا يزال خاضعا للمتشددين الذين يضعون روحاني على الدوام موضع الاتهام بأنه يتجاهل القوانين التي يقرها البرلمان.

وقد سبق للبرلمان الإيراني أن حاول محاكمة روحاني لولا تدخل المرشد في الساعات الأخيرة.

أما معاناة روحاني مع الجيش فهي كبيرة أيضا دفعته للقول إن واجب الجيش ليس فقط الدفاع عن البلاد بل أيضا واجبه الابتعاد عن السياسة.

فتدخل قادة الجيش والحرس في الشؤون السياسية كانت على الدوام تحرج مؤسسة الرئاسة وتضطرها للدفاع عن نفسها.

من المؤكد أن أصعب سنوات مرت على روحاني هي سنوات الرئاسة التي قضاها مقاتلا على أكثر من جبهة سياسية خارجية وداخلية ومن الواضح أنه لم يحقق فيها أي انتصار.

فهل يخرج من الرئاسة راضيا أم ناقما أم نادما؟ لا يمكن لأحد أن يعلم ذلك ما لم يقله روحاني بنفسه، فهل يفعل؟

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن