اعتاد النظام الإيراني بعد ثورة 1979 على أن يحمل شعار “لا للشرق ولا الغرب، فقط جمهورية إيران الإسلامية”.

أما الآن، فعفا الزمن على هذا الشعار لأن إيران اختارت شريكًا بارزًا وهو الصين؛ وتُعدّ بكين بالفعل الشريك التجاري الأول لطهران منذ فترة طويلة، إذ تمثّل تجارتها أكثر من 25٪ من إجمالي التجارة الإيرانية، لكن التقارب الجديد بين البلدين يطرح كل العلامات التي تشير إلى زلزال جيوسياسي.

وفي صفقة القرن المحتملة التي تتجاهل العقوبات الأمريكية وتنقذ النظام في طهران، ستستثمر الصين مبلغًا ضخمًا يصل إلى 400 مليار دولار في إيران على مدار 25 سنة مقبلة.

كما يُزعم أن الانهيار سيتطلب 280 مليار دولار لتطوير قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات في إيران، و120 مليار دولار لتحديث البنية التحتية للنقل والتصنيع، التي يمكن أن تشهد إنفاقًا ضخمًا في السنوات الخمس الأولى.

ومن المنتظر أن يزداد في إيران بشكل بارز حضور الصين في مجالات المصارف والاتصالات والمرافئ والمطارات والسكك الحديدية عالية السرعة ومترو الأنفاق.

كما ستطور بكين مناطق تجارة حرة في ثلاث مناطق من إيران، وهذا من شأنه أن يتناسب تمامًا مع “مبادرة الحزام والطريق” أو ما تعرف بطريق الحرير الجديد في الصين.

ولإثبات مدى تقدم ذلك، يكفي أن نلاحظ أن إيران أسقطت الهند من مشروع السكك الحديدية الاستراتيجي بين ميناء تشابهار ومدينة زاهدان واختارت الصين، فيما يعتبر ضربة كبيرة لنيودلهي.

وعلى الصعيد الاستراتيجي، ستتولى بكين إنشاء البنية التحتية لشبكة اتصالات الجيل الخامس (G5)، وقد عملت شركة الاتصالات الصينية العملاقة هواوي (Huawei) على إرضاء طهران في هذا الصدد.

في الواقع، عملت “Huawei” للتغطية على علاقتها مع شركة “Skycom Tech Co Ltd” التي حاولت بيع أجهزة كمبيوتر أمريكية محظورة إلى إيران، بينما كانت في الواقع شركة تابعة لها بحكم الواقع.

أما على الصعيد التكنولوجي، ستقدم الصين أيضًا لإيران نظام تحديد المواقع العالمي الخاص بها ومعرفتها بكيفية التحكم في الفضاء الإلكتروني.

أخيرًا، ما يثير للقلق أكثر هو ترسيخ التعاون العسكري، ما قد يمنح الصين موطئ قدم في منطقة كانت تمثل موقعًا استراتيجيًا للولايات المتحدة لعقود؛ إذ يدعو الاتفاق إلى تدريبات وتمارين وبحوث مشتركة وتطوير أسلحة وتبادل المعلومات الاستخباراتية.

في مقابل كل هذا، ستتمكن الصين من الوصول إلى أهم أمر بالنسبة إلى بكين وهو الطاقة؛ إذ يُتوقع أن بكين ستحصل على إمدادات ضخمة من النفط الإيراني بسعر مخفض للغاية بنسبة 35٪.

في الوقت نفسه، تعد الصين أهم عميل لإيران في سوق النفط على الرغم من العقوبات الأمريكية والضغط الكبير الذي تمارسه في ظل إدارة ترامب.

في إشارة إلى هذه الصفقة البالغة 400 مليار دولار بين إيران والصين، قال وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، إن الولايات المتحدة ستطبق العقوبات المفروضة كافة على إيران و”الحزب الشيوعي الصيني وشركاتهما والشركات المملوكة للدولة”.

يبقى أن نرى ما الذي ستقرره إدارة بايدن للمضي قدمًا لا سيّما وأن إيران باحتياطاتها الهائلة من الغاز المهمة بالنسبة إلى الصين، تريد بشدة توسيع قدرات الغاز الطبيعي المسيل، لكن العقوبات الغربية أعاقت هذا الجهد.

وإثباتًا لذلك، حلت مؤسسة البترول الوطنية الصينية المملوكة للدولة الصينية مكان شركة توتال الفرنسية العملاقة للطاقة في مشروع إيران للغاز في جنوب حقل فارس الجنوبي الذي تبلغ تكلفته مليارات الدولارات.

لذا ما الذي يمكن أن تنفذه الصين لمساعدة إيران في تلك الجبهة؟

تستطيع الصين أن تأخذ زمام المبادرة وتتجاهل العقوبات، لكنها تفتقر حاليًا إلى الوسائل العسكرية لحماية استثماراتها من التدخل الأمريكي؛ وبالتالي، ظهرت الشائعات التي تفيد أن بكين تحاول الحصول على قاعدة عسكرية دائمة في إيران لتكمل قاعدتها البحرية الأجنبية الوحيدة في جيبوتي المجاورة.

قد يكون هذا الأمر مصدر إزعاج كبير لواشنطن يمكن أن يترجم في الواقع إلى صراع بحلول نهاية العقد.

وحاليًا اتخذت إدارة بايدن موقفًا خجولًا للغاية من كل من إيران والصين، لا سيّما عندما فيما يتعلق بالاتفاق النووي الشائك مع طهران؛ فليس من المستغرب أن يكون المبعوث الأمريكي إلى إيران، روبرت مالي، قد أجرى بالفعل مشاورات مع الحكومة الصينية بشأن هذه المسألة بينما لم يتنازل للتحدث مع كبار قادة السياسة الخارجية الجمهوريين في الكونجرس، بمن فيهم أولئك الذين يشغلون مناصب رئيسية في اللجان التي تتعامل مع مسائل الأمن القومي.

إذ لم يكن أمام وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين خيارًا سوى التأكيد على إجراء محادثات مع بكين بشأن الصفقة الإيرانية بالفعل، ثم التزم بالتشاور رسميًا مع الكونجرس والعمل بشكل وثيق مع الحلفاء قبل سحب العقوبات.

وما يثير الاهتمام أن إيران والصين لا ترتبطان بالمصالح التجارية والجيوسياسية فقط، لكن أيضًا باستخدام سلوكيات مخادعة ومماثلة وقد لاحظها البعض.

وكدليل على ذلك، شكلت مجموعة من 58 دولة، معظمها من الغرب بقيادة كندا، تحالفًا ضد احتجاز الرعايا الأجانب للضغط الدبلوماسي لاستهداف ممارسة تستخدمها إيران والصين بحسب دبلوماسيين.

وكان هذا الأمر على مر السنوات أداة طهران المفضلة لابتزاز الغرب، لكن الآن، يخشى الغربيون بشكل متزايد من السفر إلى الصين مع تزايد خطر الاحتجاز في خطوة يمكن وصفها بـ “دبلوماسية الرهائن” الصينية.

من الواضح تمامًا أن الصفقة الضخمة بين إيران والصين لا تحظى بتقدير جميع الإيرانيين، إذ في الواقع، لم يرحّب المتشددون في طهران بالمخطط الذي يمكن أن يحوّل إيران فعليًا إلى مستعمرة صينية.

كما تُعتبر العلاقة المتماسكة بين إيران والصين، وهما الخصم الأكبر لواشنطن، أمرًا مقلق للغاية ولا ينبغي الاستخفاف به، ونأمل ألا تتجاهل ذلك بعض الحكومات في الغرب بينما تسرع طهران وبكين نحو تحقيق أهدافهما. لا تصبروا…

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس بالضرورة موقف موقع أخبار الآن