أخبار الآن | روسيا

لقد طغى وباء كوفيد-19 على الكثير من البلدان حول العالم من ناحية انتشار الفيروس بالإضافة إلى عدد المرضى المصابين وعدد الوفيات الضخم جداً. بالتزامن مع هذا الانتشار السريع للوباء، فقد دخل الاقتصاد العالمي في ركود يشبه ذلك الذي حصل عام 1929. في الوقت الحالي، فإن الشيء الإيجابي الوحيد بالنسبة للمستهلكين هو المستوى التاريخي المنخفض جداً الذي وصل إاليه سعر النفط، إلا أن هذا الأمر بالنسبة للبلدان الكبيرة المنتجة للنفط فهو كارثة إضافية يجب على هذه الدول التعامل معها، ولا عجب أن روسيا العملاقة وبعض حلفائها المقربين يشعرون بوطأة هذه الضربة الثلاثية.

خلال السنوات القليلة الماضية، أثبت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه شخصية إستراتيجية مخضرمة لا يرتكب أي أخطاء على منصة المسرح العالمي. حقيقة أنه سمح لروسيا بأن تصبح مرة أخرى لاعبًا لا غنى عنه في أي مكان في العالم تقريبًا لا يعد أمراً هيناً، بدءاً من الشرق الأوسط إلى أفريقيا إلى أمريكا الجنوبية وأخيراً إلى أوروبا.

علاقة مصيرية شكلها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وكان ذلك واضحاً في نوفمبر 2018 خلال اجتماع مجموعة العشرين (G20) في عرض غير دبلوماسي نادر للصداقة الحميمة التي تجمعهما، في حين أن جميع قادة العالم الآخرين كانوا يتجنبون ولي العهد الشاب بعد مقتل جمال خاشقجي. من ناحية أخرى، تدهورت علاقات المملكة مع الرئيس الأمريكي ترامب في الأشهر القليلة الماضية، وكانت نقطة التحول هي ردة فعل الولايات المتحدة والتي لا تشبه ردود الفعل الأمريكية المعتادة بعد أن نجحت إيران باستهداف منشآت أرامكو السعودية في سبتمبر 2019. في نفس الوقت من الهجوم، عرض الرئيس الروسي الانتهازي على السعودية مضادات للصواريخ الباليستية لحماية منشآتها الهامة والحيوية في المستقبل.

على الرغم من الحقيقة التي تم الحديث عنها بشكل مفرط بأن أزمة النفط الأخيرة نشأت عن حرب بين روسيا والمملكة العربية السعودية بشأن تخفيض الإنتاج، فمن المرجح أن الواقع مختلف تمامًا. في الواقع، يُزعم أن هناك صفقة سرية بين روسيا والمملكة العربية السعودية لإفلاس صناعة الصخر الزيتي الأمريكية من خلال جعل سعر النفط يغرق لفترة من الوقت. وبالرغم من أن أسعار النفط كانت في المتوسط 69 دولارًا / للبرميل في 2018 و 65 دولارًا في 2019، فقد استخدمت روسيا أساسًا قدره 42 دولارًا للبرميل في حساباتها للميزانية الروسية لعام 2020. هل تنبأت روسيا بهذا الانخفاض الكبير في سعر النفط؟ على الأرجح، تم التخطيط “لحرب” أسعار النفط مع المملكة العربية السعودية، وكانت موسكو تراهن على نجاحها، ولكن ربما لا تسير الخطة على ما يرام.

في حين عانت صناعة الصخر الزيتي في الولايات المتحدة بالفعل من هذا الانخفاض الكبير في أسعار النفط، إلا أن روسيا قد تسببت بالضرر لنفسها أيضاً. لم تكن فكرة بدء حرب في أسعار النفط، سواءاً كانت هذه الحرب حقيقية أم مزيفة، في خضم أكبر أزمة اقتصادية في العالم منذ عام 1929 فكرة ذكية حقًا. الموارد المالية لروسيا تعتمد بشكل كبير على سوق الطاقة – فهي تمثل 57٪ من الصادرات و 40٪ من ميزانيتها – بحيث لا يمكنها تحمل أسعار النفط المنخفضة جدًا سوى لفترة قصيرة. موازين ميزانيتها والتي اعتمدت سعر 42 دولارًا للبرميل بعيدة جداً عن المستويات التي شهدناها في الأسابيع القليلة الماضية.

بالإضافة لكل ذلك، وبالرغم من آلة الدعاية التي كانت تدفع الخناق بأن روسيا كانت محصنة ضد وباء كوفيد-19، إلا أن التأثيرات المميتة للفيروس هي حقيقية للغاية بالنسبة للروس. وبالتالي، فإن الاقتصاد الروسي يواجه ضربة مزدوجة مع انخفاض كبير في الإيرادات وزيادة كبيرة في الإنفاق لدعم الاقتصاد خلال تلك الخسارة الهائلة للناتج المحلي الإجمالي، وكنتيجة لذلك، انخفض الروبل بنسبة 20٪.

بالرغم من أن لدى روسيا احتياطيات أجنبية كبيرة وصندوق ثروة سيادي قوي بقيمة 160 مليار دولار للأيام السيئة، إلا أن مصادر الخزانة اضطرت مؤخرًا إلى الاعتراف بأنها قد تسد فجوات الميزانية فقط لمدة أربع سنوات – بدلاً من السنوات الثماني المتوقعة مسبقًا – إذا لم ترتفع أسعار النفط قريبًا، وقال وزير المالية الروسي أنتون سيلوانوف إن نصف هذه الأموال سيتم إنفاقها في عام 2020 وحده.

هذه الأزمة ليست فقط أكبر تحدٍ لبوتين في عهده الذي دام 20 عامًا على الساحة الداخلية، ولكنها تسببت أيضًا في أول هزيمة جيوسياسية كبيرة له خلال بضع سنوات، فيما لا يزال رقمًا قياسيًا مذهلاً. مهما حدث حقًا وراء الكواليس، فقد عانى بوتين من هزيمة مذلة على يد عدوه اللدود الرئيس دونالد ترامب الذي كان الطرف الضاحك في النهاية. من الواضح أن أمريكا هي من كسبت المعركة بالضغط على كل من روسيا والمملكة العربية السعودية لخفض إنتاجهما بشكل كبير من أجل دعم أسعار النفط.

ومن المثير للاهتمام حقيقة أن الولايات المتحدة قد مارست ضغطًا هائلاً على شركة روسفنت Rosneft، والتي تعد جوهرة الطاقة الروسية. في فبراير الماضي، أعلنت واشنطن عن عقوبات ضد ذراع التجارة والتسويق لشركة روسفنت Rosneft، وليس الشركة الأم. بعد ذلك تم إدراج شركة TNK Trading International  على القائمة السوداء في الولايات المتحدة، وهي وحدة تابعة لشركة روسفنت Rosneft ومقرها في سويسرا. حملة الضغط لم تكن على روسيا فقط، ولكنها طالت أيضًا أحد أقرب حلفاء موسكو، وهي فنزويلا.

قررت شركة روسفنت Rosneft، والتي استحوذت على حصة متزايدة من صناعة النفط الفنزويلية – ما يقرب من 80٪ – وحصدت أرباحًا ضخمة من تصدير نفطها الخام، في نهاية مارس / آذار إيقاف عملياتها هناك وبيع أصولها، في تغيير رئيسي لشريان الحياة الاقتصادي للعاصمة الفنزويلية كاراكاس. ومع ذلك، قد يكون البيع خزيًا لأن المشتري هو شركة روسية غامضة تشكلت للتو، ويمكن أن تكون هذه وسيلة لشركة روسنفت Rosneft من أجل تجنب العقوبات الأمريكية.

في حين أن روسيا ربما أساءت لعب أوراقها في سوق النفط، إلا أنها لا تزال قوة هائلة لا يستهان بها. لقد تواصل انتشار موسكو في السنوات القليلة الماضية، فهناك توسع روسي هائل في إفريقيا استهدف 17 دولة، إضافة إلى دورها الحاسم في الصراعات الدموية في سوريا وليبيا، كل هذا على سبيل المثال لا الحصر. لا يجب التسرع بالحكم على روسيا، فمن المحتمل أن يكون خطأ النفط هذا مجرد نقطة.

تنويه: جميع الآراء الواردة في زاوية مقالات الرأي على موقع أخبار الآن تعبر عن رأي أصحابها ولا تعكس موقف وموقع أخبار الآن

المزيد:

التنافس المميت بين داعش والقاعدة لا يزال مشتعلاً