أخبار الآن – عمان – الأردن (مقال رأي)

يخضع الإعلام الإيراني مثل أغلبية الإعلام في الشرق الأوسط للدولة. لكنه في إيران الأكثر تعرضا للقمع والتقييد إذ تصنف إيران في الدرجة 170 على سلم من 180 درجة يرصد الحريات الصحفية في العالم. 

حتى الرئيس حسن روحاني اعترف بعدم وجود حرية للصحافة في بلاده لان أجهزة الإعلام كلها حكومية.

عشرات الصحفيين يتم اعتقالهم في إيران وكثيرون من مراسلي الصحافة الأجنبية إما طردوا أو منعوا من العمل في الساحة الإيرانية أو تم عرقلة نشاطهم بصورة أو بأخرى.

مع انتشار وتفشي فايروس كورونا في إيران وتصاعد أعداد الضحايا والمصابين تعيش وسائل الإعلام الإيرانية حالة من انعدام الوزن. فهي مجبرة على الالتزام بالأرقام التي تصدرها الجهات الرسمية لكنها تحاول أن تتجرأ أحيانا وتكشف بعض الحقائق محتمية بانشغال السلطات بمخاطر الكورونا.

فقد عتم الإعلام الرسمي الإيراني على التفاصيل المتعلقة بانتشار المرض خصوصا بعد أن تسلم الجيش والحرس الثوري مسؤولية إدارة الأزمة، وقيام السلطات برفع مستوى الرقابة على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. فارتفعت مع بداية انتشار الوباء حصيلة المعتقلين من العاملين في الإعلام بسبب نشرهم أخبارا عن ضحايا الكورونا أو الحديث عن التقصير الحكومي. فتم اعتقال عشرين ناشطا اتهموا بنشر أخبار كاذبة على وسائل التواصل تضمنت معلومات مغاير لما ينشره الإعلام الرسمي.

تنشر مصادر إيرانية في الخارج معلومات تشير بوضوح إلى مدى ابتعاد الإعلام الإيراني عن الحقيقة فيما يتعلق بفايروس كورونا. فقد تم نشر معلومات تتعلق برسالة وجهها رئيس مجلس مؤسسة النظام الطبي في إيران مصطفى معين إلى الرئيس حسن روحاني يطالبه فيها بالإعلان عن عدد حالات الوفاة والإصابات بالفايروس كورونا بشفافية وصدق.

كذلك أعلنت الرابطة الإسلامية للمهندسين في إيران أن ثقة الناس باتت معدومة بوسائل الإعلام الوطنية وافتقاد الثقة هو الذي تسبب في عدم امتثال الشعب لتوصيات المركز الوطني لمكافحة فايروس كورونا وإهمالهم الامتثال للإرشادات الطبية وتحدي تعليمات البقاء في المنازل.

أما فيما يخص وسائل التواصل الاجتماعي فإن المعلومات التي تسربت من إيران تشير إلى أن المجلس الأعلى للفضاء السبراني وهو الجهاز الذي ينسق جهود الحرب الإلكترونية قد وضع نظام تراسل يكون بديلا عن النظم الاعتيادية لتسهيل مراقبة الاتصالات الإلكترونية بين المواطنين.

يتبع السلطات الإيرانية ثلاثون محطة تلفزيونية فضائية تبث للداخل والخارج. وبمتابعة بعض هذه المحطات نجد أن تركيزها على الوضع الداخلي ضعيف بعكس تركيزها على أعداد المصابين في الدول الأخرى بهدف تحويل الأنظار عن التقصير الحكومي وحجم الكارثة التي يعاني منها الإيرانيون. واهتمت بعض المحطات بإجراء مقابلات حول الظروف السياسية في بلدان أخرى متجاهلة ما يجري في إيران نفسها.

عندما كان الفايروس يستفحل في قم ومشهد تباهت احدى الصحف وهي صحيفة اعتماد بعنوان يقول: الفايروس يقترب من البيت الأبيض. إحدى الصحف الموالية للحرس كان عنوان الصفحة الأولى: كورونا يشتعل في أوروبا وعدد الإصابات في أميركا قد يصل إلى مئتي مليون. 

في بداية انتشار الفايروس في إيران حرصت الصحف الموالية للنظام على التقليل من خطورته وبشكل يتضح منه مدى السذاجة والتلفيق الذي تمارسه تلك الصحف. ففي بلد حيث تسيطر الحكومة على كل وسائل الإعلام لا يمكن أن يتم نشر الحقيقة بسهولة. فقد حذرت السلطات من عقوبات صارمة بحق كل من يخرق التعليمات خصوصا فيما يتعلق بأعداد المصابين. 

ومع أن الصحف الموالية للحرس والمرشد نشرت عنوانا مضللا يقول إن أعداد المصابين تشهد انحسارا مع أن الحقيقة كانت عكس ذلك، تجرأت بعض صحف تيار الإصلاحيين ونشرت بعض التفاصيل الحقيقية المتعلقة بالمرض وانتشاره. 

عند رصد عناوين الصحف الإيرانية منذ بدء انتشار المرض يمكن ملاحظة كيفية تعامل الصحافة الإيرانية مع الفايروس واكتشاف مدى الضغط الذي كانت تتعرض له للامتناع عن نشر التفاصيل.

ففي البداية كانت تصريحات المسؤولين الإيرانيين بمن فيهم المرشد والرئيس تحاول التقليل من مخاطر المرض. فالمرشد دعا الناس إلى عدم المبالغة وقائد الحرس الثوري أعاد التأكيد أن الفايروس تصنيع أميركي وهجوم بيولوجي يستهدف إيران. وعكست احدى الصحف هذه الأفكار بعنوان عريض يقول: إيران تدرس احتمال أن يكون فايروس كورونا هجوما بيولوجيا أميركيا.

ظلت الصحف الإيرانية المتشددة تردد صدى المواقف الرسمية التي قللت من الخطر الداهم بينما غامرت صحف أخرى بالتساؤل عن سبب تقصير السلطات في عدم عزل مدينة قم التي ثبت أنها أصبحت مركز انتشار الوباء. ونشرت صحيفة أخرى تصريحا لنائب مدينة قم عن وفاة خمسين مصابا بينما نشرت صحيفة كيهان نفي وزير الصحة لهذا الخبر.

ما بين الثاني والعشرين من شباط / فبراير وأواخر شهر آذار/ مارس تغيرت لهجة الصحافة الإيرانية وأخذت صحف النظام المتشددة تقترب في جرأتها من صحف التيار الإصلاحي. في بداية انتشار المرض كان عنوان كيهان وهي صحيفة متشددة: أخبار مزورة وإشاعات ينشرها المفلسون سياسيا ووزير الصحة يؤكد أن الكورونا اقل خطرا من الأنفلونزا العادية. 

في نفس الفترة نشرت صحيفة أخرى هي هامشهري: لا خوف من الكورونا.

صحيفة الجمهورية الإسلامية نشرت عنوانا يقول: أن 98,5 في المئة من مرضى كورونا يمكن شفاؤهم. ثم نشرت صحيفة جافان وهي من صحف المحافظين أن 80 في المئة من مصابي كورونا لا يحتاجون إلى علاج.

حتى الرئيس روحاني شارك في حملة التضليل الإعلامي عندما صرح محاولا تهدئة الناس: البعض يموت من الرشح العادي. ووزير الصحة يصرح لصحيفة اطلاعات انه تم احتواء المرض.

لكن مع استفحال انتشار الفايروس وتحذير منظمة الصحة العالمية من خطورة الوضع الصحي في إيران بدأت بعض الصحف ترفع من درجة جرأتها وكشفت عناوينها الجديدة كم كانت السلطات مخطئة في الإنكار ثم التعتيم ثم التقليل من حجم انتشار الفايروس.

ونشرت صحيفة أخرى ما أسمته كورونا غيت متحدثة عن شركة طيران ماهان المرتبطة بالحرس الثوري التي واصلت الرحلات من الصين وإليها.

يتضح من عناوين الصحافة الإيرانية هذه الأيام أن السطات بدأت تسمح ببعض الحريات بعد أن وجدت نفسها متورطة في إدارة أزمة كورونا وأخذت ترخي قبضتها تاركة الصحف تكشف بعض الحقائق لعل الناس تدرك خطورة المرض وتلتزم بالتعليمات.

قد تكون أزمة كورونا في إيران فرصة لكي تعيد السلطات النظر في قوانين الصحافة لتدرك أن الصحافة الحرة هي عون للسلطات وليست عبئا عليها.

المزيد:

في إيران اليوم الأولوية هي بقاء النظام